في القاموس السياسي الاسرائيلي شاع استخدام مصطلحين يتعلقان بالحرب: "حرب اللاّ - خيار" مقابل "حرب الخيار". لقد شاع استخدام هذه المصطلحات، وبصورة واضحة اثر الحرب الاسرائيلية في لبنان. القطاعات "اليسارية" المعارضة في المجتمع الاسرائيلي بدأت تستعمل مصطلح "حرب الخيار" نعتاً للحرب في لبنان في معرض جدالها مع اليمين الاسرائيلي الحاكم. بكلمات اخرى، كانت حجة اليسار الاسرائيلي ان على اسرائيل ان تحارب فقط في وضع تُفرض فيه الحرب عليها، اي في وضع لا يتبقى لها فيه اي خيار آخر. وفي رأي هذه القطاعات انه فقط في حال كهذه سيكتب لاسرائيل النصر في الحرب، لأنه فقط في حال "اللاّ -خيار" يمكن تجنيد كافة قطاعات المجتمع الاسرائيلي للدفاع عن النفس. من جهة اخرى، حينما تكون الحرب بمثابة "حرب خيار"، كما في حرب لبنان، فإن المجتمع الاسرائيلي سينقسم على نفسه، ولن تلقى الحرب اجماعاً عليها، وستكون نتيجتها وخيمة على المجتمع الاسرائيلي. وهذا ما حصل في نهاية المطاف في لبنان اذ انسحبت اسرائيل منه دون قيد او شرط. هذه القضايا هي قضايا مهمة كما ان لها تأثيراً على الرأي العام في المجتمعات الديموقراطية. ففي مجتمعات كهذه، من شأن الهزائم والخسائر ان تطيح الحكومات المتورطة وان تستبدلها باخرى. ولا حاجة هنا للحديث عن العالم العربي اذ الحال فيه، بالطبع، ليست كذلك، ولم تأت أي هزيمة في هذا العالم بزحزحة احد من منصبه. اما الآن مع انعقاد القمة العربية في بيروت فظهرت القضيتان اللتان تشغلان بال الحكام العرب. القضية الاولى هي قضية القضايا العربية منذ نصف قرن ونيف: قضية فلسطين وانتفاضة الاستقلال المستمرة. والثانية وهي قضية ليست اقل اهمية تبعاً لما فرزته في الماضي وما ستفرزه على المنطقة العربية مستقبلاً، الا وهي قضية العراق وما سيؤول اليه المصير في مدة ليست بعيدة. ولا يستطيع المرء ان ينسى الذي جرى قبل عقد من الزمن. فحين غزا النظام العراقيالكويت، كانت وسائل اعلامه اشاعت على الملأ ان الهدف من غزو الكويت هو تحرير فلسطين، فتم العناق بين ياسر عرفات وصدام حسين، وسرعان ما جاءت نتيجة الحرب في نهاية المطاف، فكانت النتيجة "تحرير الكويت من فلسطين". فسوية مع خروج الجيش العراقي من الكويت، تم طرد عشرات آلاف الفلسطينيين الذين عملوا هناك لعشرات السنين، وسرعان ما انعقد مؤتمر مدريد، ومن ثم اوسلو. الذين انتظروا شيئاً من مؤتمرات القمة العربية لا شك انهم حصدوا مرة اخرى خيبة امل مثلما حصدوا في الماضي. والسبب واضح لكل ذي بصر وبصيرة. فمؤتمرات القمة العربية لا تنعقد من اجل وضع استراتيجيا للعالم العربي، اذ لا يوجد عالم عربي اصلا. هذا العالم لا يصنع التاريخ، ولا يصنع الحضارة، ولا يصنع العلم لأنه على هامش هذا كله. انه مجموعات سكانية مستهلكة لكل ذلك ليس الا. من هنا، لا يمكن وصف مؤتمرات القمة العربية هذه الا ب"مؤتمرات الترقيعات" العربية، اذ ان وراء ستار البلاغة العربية المعهودة التي حملتها كلمات الحكام، والتي نقلتها الفضائيات العربية مباشرة الى اسماع الجماهير "من المحيط الى الخليج"، فإن كل بلد سيغني على ليلاه مع ارفضاض مؤتمر البلاغة العربية. لكن، ورغم كل ذلك، هنالك شيء واحد يمكن تعلمه من تجربة الانتفاضة الفلسطينية الراهنة، وعلى وجه الخصوص بعد 11 ايلول سبتمبر الماضي. وهذا مرتبط ايضاً بما ذكر آنفا بشأن مصطلحات الحرب. فالانتفاضة الفلسطينية في المناطق المحتلة هي حرب وجود، اي بكلمات اخرى "حرب لا - خيار"، او حرب الاستقلال الفلسطيني ودحر الاحتلال من الضفة وقطاع غزة، بينما حرب شارون هي حرب حدود، اي "حرب خيار"، هدفها توسيع رقعة حدود اسرائيل لضم المستوطنات. ومن الناحية الفلسطينية، اذا تم التركيز على هذا التصور، فإن النتيجة ستكون لصالح قضية الوجود الفلسطيني. لكن، حينما تحدث الاعمال الانتحارية داخل اسرائيل، في الباصات والمقاهي، وتحصد ارواح المدنيين، فإن الحرب من وجهة نظر الشارع الاسرائيلي تتحول الى حرب وجود، وبذلك تتجند كافة قطاعات المجتمع الاسرائيلي وراء شارون وبن اليعيزر واليمين المتطرف. وفي حال كهذه تحظى اسرائيل بالتعاطف الدولي الشامل الذي تغيرت مفاهيمه بعد 11 ايلول، والذي لن يتقبل بأي شكل قتل المدنيين. اذ ستتحول صورة القضية الفلسطينية العادلة الى عمليات ارهابية ضدهم. من هذا المنطلق، لا يبقى الا ان المبادرة السعودية قد تشكل لبنة قوية في التوجه العربي للرأي العام العالمي، وللرأي العام الاسرائيلي على وجه الخصوص، وهو جانب طالما اهملته السياسات العربية.