تراهن السلطات الجزائرية على "المعتدلين" في منطقة القبائل لإنجاح الانتخابات الاشتراعية المقبلة، بعدما انضمت جبهة القوى الاشتراكية الى منافسها الرئيسي في المنطقة، التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، في الدعوة الى مقاطعة الاقتراع المقرر في نهاية ايار مايو المقبل. تُجري أوساط قريبة من الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة سلسلة اتصالات مع ناشطين في التيار المعتدل في تنظيمات العروش البربرية لإقناعهم بجدوى المشاركة في الإنتخابات التشريعية المقررة في 30 أيار مايو المقبل. وذكرت مصادر سياسية ل"الحياة" أن هذه الإتصالات التي بدأت قبل أشهر لإستقطاب قيادات تنظيمات العروش، تركزت أخيراً على ضرورة المشاركة في الإستحقاقات المقبلة والتي يمكن ان تُغيّر نتيجتها الخريطة السياسية في منطقة القبائل. وأفيد أن ناشطين في تنظيمات العروش تلقوا عروضاً "مغرية" من مبعوثين قريبين الى الرئاسة أكدوا الرغبة في أن يتمكن ناشطو العروش وممثلو المجتمع المدني من الترشح في قوائم حرة مستقلة بهدف "الدفاع عن قناعاتهم وعلى رأسها ترقية اللغة الأمازيغية في مؤسسات الدولة". وكانت جبهة القوى الإشتراكية أعلنت، مساء الجمعة، مقاطعتها الإنتخابات المقبلة وإعتبرتها "حلاً خاطئاً" للأزمة السياسية التي تمر فيها البلاد منذ 1992. وجاء قرار المقاطعة في أعقاب جولة ثانية من المناقشات داخل المجلس الوطني للحزب الذي كان ارجأ الفصل في الموضوع خلال إجتماعه الأول، قبل أسبوعين، حتى توافر معلومات إضافية عن الوضع في منطقة القبائل. وساهم لجوء قوات الأمن إلى إستعمال القوة لتفريق مسيرة سكان منطقة تيزي وزو، الخميس الماضي، في بروز تيار متشدد داخل المجلس الوطني لجبهة القوى الإشتراكية يُعارض المشاركة في الاقتراع. وقال السيد احمد جداعي، الامين العام لجبهة القوى الاشتراكية، للتلفزيون الرسمي في برنامج "الاسبوع الجزائري" ان الحزب قرر مقاطعة الانتخابات لأنها "لن تسفر عن تسوية اي شيء". وقال ان الجبهة اخذت في الاعتبار رأي الناشطين في قاعدتها واستشارت شخصيات من احزاب جزائرية اخرى قبل اتخاذ قرار عدم المشاركة في الانتخابات. وقال: "كل الآراء تجمع على ان هذه الانتخابات مهزلة. فالجزائريون لا يحتاجون الى انتخابات بل الى العيش بكرامة وسلام". واضاف ان الانتخابات تشكل "حلاً مزيفاً" بسبب "وضع الازمة" في البلاد. ويعتبر بعض الأوساط أن إنسحاب جبهة القوى الإشتراكية من الإنتخابات يُمثّل فرصة ذهبية للحكومة لتوفير ظروف جديدة لممثلي التيار المعتدل في تنظيمات العروش بهدف البروز ك"طرف ثالث" في المنطقة التي احتكر التنافس فيها، منذ 1989، حزبان بربريان هما جبهة القوى الإشتراكية بزعامة السيد حسين آيت أحمد والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية الذي يقوده الدكتور سعيد سعدي الذي دعا في 14 اذار مارس الى مقاطعة الانتخابات. وقال ان "هدفها ضمان استمرار النظام مهما كان الثمن". وقالت الأوساط ذاتها ان الحكومة تراهن على قوى المجتمع المدني وفعاليات أخرى لإنجاح الإنتخابات في منطقة القبائل، على رغم الحملة التي تشنها القوى البربرية الأساسية لإقناع السكان بعدم جدوى المشاركة في الاقتراع. وتقول المصادر نفسها ان الحكومة تملك ثلاثة خيارات أساسية للتعامل مع الوضع هي: 1- تنظيم الإستحقاقات الانتخابية في آجالها المحددة، أي بتاريخ 30 أيار مايو المقبل، وبالتالي العمل من أجل توفير كل الظروف المناسبة لإقناع البربر بضرورة المشاركة في الاقتراع على رغم أن نسبة مشاركتهم لم تكن تتجاوز منذ الإستقلال نسبة 40 في المئة. وربما يُساهم في اقناع البربر بالمشاركة تصويت البرلمان الجزائري قبل نهاية شهر نيسان ابريل على المرسوم المتعلق بجعل الأمازيغية لغة وطنية، والانسحاب الجزئي لفرق الدرك من مناطق المواجهات. 2- تأجيل الاقتراع 60 يوماً، مثلما هو محدد في قانون الإنتخابات. وتقول مصادر قريبة من الحكومة انه يمكن اللجوء إلى هذا الخيار في حال تردي الأوضاع وتمكن القوى السياسية البربرية من إستقطاب الرأي العام في مناطق القبائل بعدم جدوى التصويت. 3- الغاء الانتخابات التشريعية، وبالتالي الدخول في مرحلة انتقالية جديدة مثلما تطالب به جبهة القوى الاشتراكية ورئيس الحكومة السابق احمد بن بيتور. ويستلزم هذا الخيار تشكيل حكومة وحدة وطنية وتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة. الى ذلك، شهدت منطقة القبائل، أمس، هدوءاً لافتاً للمرة الأولى في أسبوعين عرفت فيهما المنطقة أسوأ المواجهات منذ مقتل الشاب ماسينيسا قرماح في مركز تابع للدرك العام الماضي. ومن المقرر أن تنفذ تنظيمات العروش إضراباً شاملاً اليوم الأحد وغداً الإثنين كرد على لجوء الحكومة إلى إستعمال القوة لتفريق المسيرة الشعبية التي كانت مقررة الخميس الماضي. وأدرجت تنسيقية العروش سلسلة من النشاطات الإحتجاجية بينها الإعتصام في الساحات الكبرى والإعتصام قرب مقر السفارة الجزائرية في باريس يوم الثلثاء وتوجيه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. لكن مصدراً مطلعاً على تطورات ملف منطقة القبائل أكد أن السلطة قررت حظر كل تنظيمات العروش المتطرفة، واعتقال كل من يُصدر بيانات باسمها. ولجأ عدد كبير من الناشطين في هذه التنظيمات المتشددة الى العمل السري بعد إعتقال أجهزة الأمن نحو مئة منهم ووضع 42 رهن الحبس الإحتياطي لمحاكمتهم بتهم تتعلق بالعصيان المدني وتخريب الممتلكات العمومية والتحريض على المساس بالأمن والنظام العمومي.