هل غيّرت شبكة الانترنت علاقتنا بالكتابة؟ هذا السؤال حول التحولات التحريرية التي ادخلها الانترنت في حياتنا اليومية وفي ثقافتنا، أجاب عنه عدد من علماء الاجتماع والمؤرخين كأومبرتو ايكو أو ثيودور زلدن على مركز www.text-e.org الخبر ليس هذا الموضوع بالذات، بل التذكير بين الفينة والأخرى بأن شبكة الاتصال لم تعد فقط أداة لمراكز العنف والجنس والتشهير والقرصنة. صحيح أن هذه المراكز المذكورة أعلاه غدت الأكثر تعليقاً في الإعلام وفي أحاديثنا... بل قلائل يعرفون مثلاً أن وفاة عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو أدت إلى فتح مناقشات عالمية حول كتاباته، حتى أن وضع اسم بورديو على الانترنت بات يؤدي إلى ما يزيد على ثلاثة وثلاثين ألف اجابة! كذلك ولكثرة المراكز المخصصة لعالم الاجتماع الراحل، اضطرت مجلة "لير" الفرنسية الثقافية الى بناء مركز جديد على الشبكة لتقديم جميع المراكز المتعلقة ببورديو كعالم اجتماع وكمناضل سياسي، وبنتاجه الفكري والسياسي المتنوع... www.homme-moderne.org/socik'/socio/bourdieux هذه "المقدمة"، بغض النظر عن تقويم كتابات بورديو، هي نوع من الاوكسجين أمام ما آلت اليه الانترنت. لن ادخل في قضايا العنف والجنس، بل سأتطرق إلى مراكز التشهير والافتراء السياسي على الشبكة. وبالطبع "نجحت" منطقة الشرق الأوسط في اقتناء حصة الأسد من هذه المراكز، لما هناك من أزمات لا حلول لها وادعاءات تأخذ فوراً طابعاً مصيرياً، كما أن "ثراء" منطقة الشرق الأوسط النسبي إذا ما قورنت بدول العالم الثالث، ووجود شتات عربي ويهودي وتركي وإيراني... يساهمان في بناء وتعزيز مراكز الكذب الإعلامي الذي لا يحتاج إلى تأشيرات لدخول المجتمعات المختلفة. ففي الصراع العربي - الإسرائيلي ولأسباب تعود إلى إمكانات أصدقاء إسرائيل المادية والتقنية، "تتفوق" المراكز الصهيونية على المراكز العربية في لغة الإعلام التحريضي المضخّم، ومن دون الغوص في مراكز اليمين المتطرف العنصري اليهودي، أو المراكز الإسلامية المتطرفة، التي لا تخلو من العنصرية ذاتها، هناك مركزان مؤيدان للسياسة الإسرائيلية لا يلجآن بشكل واضح للغة بذيئة، غير أن ما يقدمانه هو من نوع الهذيان السياسي: Palestinian media watch وعنوانه الاليكتروني www.pmw.org.if و AFPmisinformation وأولهما مخصص لمراقبة الصحافة الفلسطينية بحيث يأخذ أي تصريح تافه صدر في أية وسيلة إعلام محلية، ليصنع منه صورة معبرة للشارع الفلسطيني. وهكذا تغدو أبواب هذا المركز: صراع المسلمين ضد العالم اليهودي بشكل واضح في التلفزيون الفلسطيني، الفلسطينيون يمجدون قتلة الأطفال وأمهاتهم، كراهية اليهود في صلب الايديولوجيا الفلسطينية، العداء الفلسطيني لأميركا مستمر، تمجيد الإرهابيين الفلسطينيين. أما المركز الثاني الذي يصدر من بريطانيا باللغتين الانكليزية والفرنسية، فإن غايته تتخطى منطق الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي البحت لتركز على "أكاذيب" وكالة الأنباء الفرنسية AFP في تعاملها مع الشرق الأوسط، فمركز http://afp.generalweb.co.uk يريد فضح وكالات الأنباء الفرنسية، وإفهام العالم كم أن فرنسا منحازة إلى العرب، وكم أنها ليست بلداً ديموقراطياً. وأخيراً، تخطى هذا المركز انتقاد وكالات الأنباء الفرنسية والتلاعب بكلمات نصوص برقياتها، ليوجه ضرباته ضد بيانات وزارة الخارجية الفرنسية في ما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي. وبالطبع اطروحة هذا المركز أن AFP والخارجية الفرنسية يعملان سوية، كما هي الحال في معظم الدول غير الديموقراطية... كذلك فإن غاية هذا المركز افهام فرنسا أنه لا يمكن محاربة العداء للسامية واتخاذ مواقف سياسية ضد إسرائيل، أو كما يقول بيانه "الكذب ضد إسرائيل". أما غايته الثانية فهي مراقبة الخارجية الفرنسية وتقديم "البراهين لزملائنا في العالم الانغلوساكسوني على افتراءات الدولة الفرنسية. ولا شك أن زملاءنا سيقدرون حق التقدير ما سنقدمه لهم..."! أضف إلى هذين النوعين من المراكز، معظم المراكز الخاصة التي توجه رسائل شتائم للصحافيين الذين يغطّون منطقة الشرق الأوسط في وسائل الإعلام الدولية، رسائل لا تتوجه إلى الصحافيين فحسب، بل تظل على الانترنت، حتى أنه إذا ما وضع اسم أي صحافي على مركز أبحاث google تظهر رسائل الشتائم الموجهة اليه، من دون أن يكون لأي رقيب أية قدرة على منع صدورها. هنا لا بد من الاشادة بعدد من المراكز الفلسطينية التي تفتح أبوابها للتعددية في الأفكار والمعتقدات: Palestine Report، Amin، وأخيراً المركز الفلسطيني - الإسرائيلي Bitterlemons.org، الذي لا بد من التطرق في الأسابيع المقبلة إلى انفتاحه وجودة محتواه، وغيرها من المراكز. هذا الإرهاب الفكري، كالإرهاب، يعطي اليوم الذريعة للدول لإصدار قوانين تقيّد حرية التعبير. أوروبا على اختلاف تقاليدها تقدّس حرية الرأي، لكنها شرعت تحضر لقانون يعاقب العنصرية المتفشية على الانترنت. دول أخرى وجدت في التقنيات الحديثة وسيلة لوضع حواجز أمام عدد من المراكز التي تريد حظرها في مجتمعاتها... وقد تكون ذريعة "الإرهاب الفكري" أقوى وأكثر شعبية من الذرائع الاخلاقية لإحكام الرقابة على شبكة المعلومات. هناك اختبار جديد قد يحمينا من خطر الرقابة: برنامج software يسمح باكتشاف الكذب على البريد الالكتروني، عبر دراسته للمفردات وللتعابير ولتركيب الجملة! هذا البرنامج اكتشف ان الاستخدام المكثف لكلمة or أو والجمل القصيرة الجمل العربية الطويلة ليست أقل كذباً، هي من علامات الكذب!... الكذب أو التغاضي. مارك صايغ