إن الغائب الأكبر في القمة العربية هو العمل العربي المشترك وتحديداً الملف الاقتصادي وملف ربط مصالح دول المنطقة باتفاقات تسهل انتقال البضائع والبشر ورأس المال وتؤسس قاعدة من المصالح المشتركة التي وحدت أمماً كثيرة في السابق منها القارة الأوروبية وأميركا الشمالية وجنوب شرقي آسيا. عندما عاد العرب بفكرة القمة الدورية كان الامل أن تتحول القمة إلى مؤسسة، والبدء بالتفكير في ما يجمع ووضع برنامج زمني لتوحيد الاقتصاد، وربط شبكة المصالح، والنهوض بالعلم، والتنسيق في التجارة الدولية، لكن الواقع عاد ليؤكد أن الخلافات لا تزال عميقة في حين أن معظم الدول تتصرف بروح الأغلبية والأقلية، ولا يستطيع طرف واحد إيقاف العمل المشترك إذا كانت هناك نية لتحقيقه. وتواجه أقطار المنطقة عدداً من التحديات منها ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، وتعاظم مستويات الدين الداخلي والخارجي لعدد كبير منها ومحدودية قدرات التصدير ونمو سكاني مرتفع. وتحتاج هذه التحديات إلى تعاون جدي بين الأقطار العربية حيث أن الفترة المقبلة هي فترة التكتلات الاقتصادية الإقليمية. وعلى دول المنطقة أن تشدد على المصالح المشتركة التي توحد فيما بينها، فالتعاون الاقتصادي بين البلاد العربية يجب ألا يكون مبنياً فقط على كون الجميع يتكلم لغة واحدة وله تاريخ وثقافة واحدة، بل على المصالح الاقتصادية المشتركة التي يستطيع هذا التعاون أن يحققها. وعلى رغم انضمام أغلب الدول العربية إلى منطقة التجارة الحرة العربية والنتائج الإيجابية التي تم تحقيقها حتى الآن في مجال تنفيذ التخفيض التدرجي في الرسوم الجمركية وفقاً للجدول الزمني المعتمد، إلاّ أن تحرير التجارة وتسهيل انسيابها فيما بين الدول العربية وزيادة حجمها لا يتحقق من خلال إزالة الرسوم الجمركية فقط، ويتطلب كذلك اتخاذ عدد كبير من الخطوات والإجراءات لإزالة العقبات الأخرى التي تعترض تحقيق هذا الهدف. ومن هذه العقبات الإجراءات الإدارية والسياسات التجارية التي يطبقها بعض الدول العربية وتعيق من حرية دخول البضائع عبر الحدود، وكذلك المبالغة في اللجوء إلى الاستثناءات بالنسبة إلى البضائع التي لا تشملها الاتفاقية، كذلك التمييز في المعاملة الضريبية بين المنتج المحلي والمنتج المستورد من الدول الأعضاء والتشدد في تطبيق المواصفات والمقاييس المحلية، وتعقيد الحصول على شهادات المنشأ ضمن غيرها من العقبات. بدأت المحادثات لتأسيس السوق العربية المشتركة في الخمسينات من القرن الماضي، وفي عام 1997 وقع 14 بلداً عربياً اتفاقية التجارة العربية الحرة AFTA، التي يتم بموجبها خفض التعرفات للأعضاء المشتركين بنسبة 10 في المئة سنوياً ابتداءً من عام 1998 على أن تكتمل منطقة التجارة الحرة بحلول سنة 2007. وقررت هذه الأقطار اخيراً تقديم موعد الاتفاقية إلى سنة 2005 أي سنتين قبل الموعد المحدد مع خفض التعرفات بنسبة 50 في المئة في أواخر السنة الجارية. وبنسبة 10 في المئة سنة 2003 و20 في المئة سنتي 2004 و2005، على أن هناك عدداً من الحواجز السياسية والمعوقات التي تواجه تنفيذ منطقة التجارة العربية الحرة بعد دخولها عامها الخامس. النمو وجاءت معدلات النمو الاقتصادي للدول العربية أقل مما هي عليه في باقي مناطق العالم، وارتفع اجمالي الناتج المحلي للأقطار العربية مجتمعة من 440 بليون دولار عام 1980 إلى نحو 730 بليون دولار عام 2001، أي بنسبة 2 في المئة سنوياً بالمعدل، وإذا أخذ بالاعتبار أن معدل التضخم لتلك الفترة هو نحو 3 في المئة، يصبح اجمالي الناتج المحلي سالباً بنسبة قليلة طيلة العقدين الماضيين، مقارنة مع نمو قدره 3 في المئة الإجمالي الاقتصاد العالمي ككل. كذلك أدى الارتفاع الكبير في عدد سكان المنطقة من 140 مليون نسمة عام 1980 إلى 285 مليون نسمة عام 2001، إلى انخفاض ملحوظ في الدخل الإجمالي القومي للفرد. وعلى سبيل المثال انخفض هذا الدخل في المملكة العربية السعودية من 25 الف دولار عام 1998، وهو ما كان يعادل دخل الفرد في الولاياتالمتحدة في ذلك الوقت، إلى 8.5 الف دولار عام 2001، بينما ارتفع دخل الفرد في الولاياتالمتحدة إلى 40 الف دولار. كما أن أداء قطاع التجارة الخارجية جاء أيضاً متخلفاً عن الركب، وبلغ إجمالي الصادرات بما في ذلك النفط من العالم العربي عام 2000 نحو 243 بليون دولار، أي أقل من صادرات هونغ كونغ وسنغافورة مجتمعتين المقدر بنحو 250 بليون دولار في ذلك العام. ولم تزد صادرات المنطقة، إذا استثنينا النفط والمعادن، على 70 بليون دولار عام 2000، وهذا أقل من صادرات فنلندا التي عدد سكانها 5.5 مليون نسمة. ولم تتعد التجارة البينية بين الدول العربية التي بلغت 33.5 بليون دولار أو 8.6 في المئة من إجمالي التجارة عام 2000، على رغم مضي ثلاث سنوات على وجود اتفاقية التجارة الحرة. غير أن بعض الأقطار العربية كانت له نسبة أعلى من التجارة مع أقطار عربية أخرى، فمثلاً 50 في المئة من صادرات الأردن وُجه إلى أقطار عربية، بينما 25 في المئة من الواردات اتى من أقطار عربية وإذا ما استثنينا النفط والمعادن فإن التجارة البينية العربية تشكل 16 في المئة من إجمالي التجارة الخارجية لدول المنطقة. ويتضح صغر حجم التجارة البينية العربية عند مقارنتها بالتجمعات الإقليمية الأخرى، فمثلاً كانت نسبة التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوروبي العام الماضي 66 في المئة، وفي اقتصادات شرق آسيا 40 في المئة، وفي منطقة التجارة الحرة في أميركا الشمالية 37 في المئة. وشهد العامان الماضيان بعض التقدم في مجال التعاون الإقليمي في العالم العربي، وازداد عدد المشاريع العربية المشتركة مثل أنبوب الغاز الجاري العمل به لتزويد الأردن وسورية ولبنان بالغاز المصري، وأنبوب النفط المزمع بين العراقوالأردن ومشاريع مشتركة أخرى بين دولتين عربيتين أو أكثر في مجال الكهرباء والماء والاتصالات والبنية التحتية. وتعطي مثل هذه المشاريع الإقليمية دفعة إلى الأمام للتعاون والتكامل العربي. ومع ذلك فهناك المزيد مما يجب عمله إذا ما اقتنعت البلاد العربية من أنها ستكون أفضل حالاً إذا ما نجحت في تشكيل كتلة اقتصادية إقليمية قابلة للنمو. وخير مثال على تأثير إزالة الحواجز الجمركية والتقييدات الإدارية عن التجارة هو نمو صادرات الأردن إلى الولاياتالمتحدة، فقد نتج عن فتح الأسواق الأمريكية أمام البضائع المنتجة في المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن، ارتفاع مفاجئ في صادرات الأردن الصناعية إلى الولاياتالمتحدة بلغ 400 في المئة في سنة واحدة، وفي العام الماضي أصبحت الولاياتالمتحدة أكبر سوق لصادرات الأردن متفوقة على العراق والمملكة العربية السعودية. والمسؤولون الاقتصاديون في الحكومات العربية على وعي تام بأن بنود منظمة التجارة الدولية لا تتعارض مع تشكيل التكتلات الاقتصادية، لأن التكتل الاقتصادي يمثل كتلة واحدة ينظر إليها كأنها بلد واحد، لكنها تتعارض مع اتفاقات التبادل التجاري الاقتصادي بين الدول التي تزيل الرسوم الجمركية في ما بينها وتفرضها على الدول الأخرى الأعضاء في منظمة التجارة كما هو الحال بالنسبة إلى اتفاقية منطقة التجارة الحرة، وتمخضت عن هذا الوعي ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية والمنطقية والتي تلي اتفاقية التجارة الحرة، وهي قيام اتفاقية الاتحاد الجمركي بين الدول العربية لتتبعه خطوات تؤدي إلى الوحدة الاقتصادية الشاملة. والاتحاد الجمركي هو عبارة عن اتفاق، الغرض منه إزالة الحصص والتعرفات الجمركية على جميع السلع والخدمات بين جميع الدول الأعضاء، وفي الوقت نفسه تتفق الدول الأعضاء على نهج سياسات جمركية موحدة بالنسبة إلى التبادل التجاري مع الدول غير الأعضاء في هذا الاتفاق. وتأتي في المرحلة الثالثة السوق المشتركة والغرض منها بالإضافة إلى وجود اتحاد جمركي السماح بحرية التنقل لعوامل الإنتاج بين الدول الأعضاء مثل رأس المال، الأيدي العاملة، التقنية وغيرها. ثم تأتي في المرحلة الأخيرة الوحدة الاقتصادية الشاملة، ومن خلالها تسعى الدول الأعضاء إلى توحيد كل ما يتعلق بالمقومات الاقتصادية مثل توحيد العملة وتوحيد المواصفات والمقاييس والمعايير الخاصة بالإنتاج وتوحيد الأنظمة واللوائح والتشريعات الخاصة بالعلاقات والتبادل التجاري البيني والخارجي وتوحيد نهج السياسات المالية والنقدية بين الدول الأعضاء وبنك مركزي موحد وتأسيس مركز للأمانة العامة للوحدة الاقتصادية في إحدى مدن الدول الأعضاء. المشجع في الأمر أنه في سنة 2005 سيتوجب على الأقطار العربية الأعضاء في منظمة التجارة أن تخفض من تعرفتها على الواردات إلى المستويات الدنيا المقبولة وأن تزيد من اعتمادها على ضريبة المبيعات، يُضاف إلى ذلك أن اتفاقات الشراكة المعقودة بين الاتحاد الأوروبي وأقطار عربية تدعو إلى تأسيس منطقة تجارة حرة أوروبية - متوسطية بحلول سنة 2010. ومثل هذه العوامل ستحفز الدول العربية على الإسراع في إقامة كتلة اقتصادية تضعها في موقف أقوى عند التفاوض مع الكتل الاقتصادية الأخرى، وتسرع الوصول إلى المرحلة الأخيرة من عملية التكامل الاقتصادي العربي وهي الوحدة الاقتصادية العربية. * الرئيس التنفيذي جوردانفست.