الاتحاد السعودي للهجن يقيم فعاليات عدة في اليوم الوطني السعودي    "مدل بيست" تكشف مهرجان "ساوندستورم 2024" وحفل موسيقي لليوم الوطني ال 94    الأخضر تحت 20 عاماً يفتتح تصفيات كأس آسيا بمواجهة فلسطين    "تعليم جازان" ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال94    الخليج يتعادل سلبياً مع الفيحاء في دوري روشن للمحترفين    "أكاديمية MBC" تحتفل بالمواهب السعودية بأغنية "اليوم الوطني"    رياض محرز: أنا مريض بالتهاب في الشعب الهوائية وأحتاج إلى الراحة قليلاً    مجلس الأمن يعقد اجتماعا طارئا لبحث التطورات في لبنان    شرطة نجران تقبض على شخص لحمله سلاحًا ناريًا في مكان عام    حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس ترومان» تبحر إلى شرق البحر المتوسط    بيع جميع تذاكر نزال Riyadh Season Card Wembley Edition الاستثنائي في عالم الملاكمة    الدرعية تحتفل بذكرى اليوم الوطني السعودي 94    «لاسي ديس فاليتيز».. تُتوَّج بكأس الملك فيصل    الناشري ل«عكاظ»: الصدارة أشعلت «الكلاسيكو»    وزارة الداخلية تحتفي باليوم الوطني ال (94) للمملكة بفعاليات وعروض عسكرية في مناطق المملكة    السعودية تشارك في اجتماع لجنة الأمم المتحدة للنطاق العريض والتنمية المستدامة    هزة أرضية جنوب مدينة الشقيق قدرها 2.5 درجة على مقياس ريختر    أمانة القصيم توقع عقداً لمشروع نظافة مدينة بريدة    رئيس جمهورية غامبيا يزور المسجد النبوي    ضبط مواطن بمحافظة طريف لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    أمين الشرقية يدشن مجسم ميدان ذاكرة الخبر في الواجهة البحرية    برعاية وزير النقل انطلاق المؤتمر السعودي البحري اللوجستي 2024    وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    نائب الشرقية يتفقد مركز القيادة الميداني للاحتفالات اليوم الوطني    جيش إسرائيل يؤكد مقتل الرجل الثاني في حزب الله اللبناني إبراهيم عقيل    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    الذهب يرتفع بعد خفض سعر الفائدة.. والنحاس ينتعش مع التحفيز الصيني    «الأرصاد»: ربط شتاء قارس بظاهرة «اللانينا» غير دقيق    بعد فشل جهودها.. واشنطن: لا هدنة في غزة قبل انتهاء ولاية بايدن    حافظ :العديد من المنجزات والقفزات النوعية والتاريخية هذا العام    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    إسرائيل - حزب الله.. هل هي الحرب الشاملة؟    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    قصيدة بعصيدة    قراءة في الخطاب الملكي    التزامات المقاولين    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    على حساب الوحدة والفتح.. العروبة والخلود يتذوقان طعم الفوز    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    نائب أمير منطقة جازان ينوه بمضامين الخطاب الملكي في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفاوضات النهائية : كيفية اكمال عملية سلام الشرق الأوسط
نشر في الحياة يوم 28 - 03 - 2002

هناك مقولتان لقيتا انتشاراً واسعاً بعد انهيار المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية واندلاع الانتفاضة الثانية. المقولة الأولى ان محاولة انهاء الصراع والتوصل الى حل شامل جرت بالفعل، وان العودة الىها ضمن الظروف الحالية لا بد أن تؤدي الى الفشل. المقولة الثانية تستنتج من ذلك ان لا مخرج من الأزمة الحالية سوى البحث عن حل موقت، وانه قد ينجح اذا تم تنفيذه في الشكل الصحيح. وقد يبدو ان تزايد القتلى من الطرفين يشير الى ان المهمة الملحة يجب ان تكون ادارة الأزمة وليس حلّها، وأن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات تدرجية تهدف الى استعادة الثقة. لكن الواقع هو أن الوقت قد حان تماماً لصفقة شاملة لانهاء الصراع يطرحها تحالف تقوده الولايات المتحدة.
ان الفكرة القائلة أن لا سبيل الى حل الأزمة الحالية سوى الخطوات التدرجية أو الانتقالية مناقضة تماماً للخبرة المكتسبة من العقد الماضي. فقد جاءت كل الخطوات التي اتخذها الفلسطينيون والاسرائيليون منذ 1993 على شكل انتقالي - من اتفاقات اوسلو نفسها الى الاتفاقات الموقتة في 1995 الى اتفاق الخليل في 1997 الى مذكرة واي في 1998 . واذا بدا ذلك اسلوباً معقولاً في المراحل الأولى فقد كشفت التجربة عن نواقصه الخطيرة.
ان الافتقار الى رؤية واضحة محددة للهدف دفع الطرفين الى تناول المرحلة الانتقالية ليس على انها مهلة للاستعداد لاتفاق نهائي بل مجرد تمهيد للمفاوضات النهائية، وليس على انها فرصة لبناء الثقة بل لتحسين الموقف التفاوضي. النتيجة ان كلاً منهما حرص على الحفاظ على مكتسباته لحين الوصول الى المفاوضات النهائية. هكذا مانع الفلسطينيون في مصادرة الأسلحة أو السيطرة على المجموعات الراديكالية، فيما مانع الاسرائيليون في اعادة الأراضي أو وقف الاستيطان. وغذّى موقف كل من الطرفين تصلب الطرف المقابل، ما ادى الى حلقة مفرغة من التهرب من الالتزامات، والانتهاكات الواضحة، والاتهامات المتبادلة.
ومع تزايد الالتزامات التي وافق عليها الطرفان أدت الاتفاقات المرحلية المتتابعة الى تزايد امكان المخالفات والتراجع عن المواعيد المحددة للتنفيذ. واصبح كل اتفاق موقت محوراً للخلاف المقبل وصورة مصغرة للصراع في شموليته. وقاد ذلك الى اعادة التفاوض مراراً وتكراراً وتراجع الاحترام لنصوص الاتفاقات نفسها. ولقيت الخطوات التي كان يمكن الحصول على تأييد داخلي لها لو جاءت جزءاً من تسوية شاملة ادانة قوية باعتبارها تنازلاً لا مبرر له عندما طرحت بمعزل عن ذلك. وأغرى ذلك قيادتي الطرفين، المحاصرتين داخلياً في شكل متزايد، باتخاذ مواقف تعويضية، مثل الخطب النارية من قبل الفلسطينيين مقابل انشاء المزيد من المستوطنات من قبل الاسرائيليين، مع إعراض كل من القيادتين عن تهيئة شعبيهما للتنازلات التي لا بد منها في النهاية. وكان لهذه الخطوات التي هدفت الى ترضية الرأي العام على الجانبين نتيجة غير مقصودة هي المزيد من نفور كل منهما من الآخر، وهو ما زاد من صعوبة التوصل الى صفقة نهائية. اخيراً، ضاعفت الاتفاقات الجزئية التدرجية من صعوبة تعبئة الدول الأخرى لمساندة المسيرة.
من هنا لا يمكن لاتفاق مرحلي جديد أن يصلح من النواقص المتأصلة في طبيعة التوجه المرحلي. فهو لن يعيد بناء الثقة، ولن يقود الى اتفاق سياسي قابل للبقاء، كما انه سيستهلك جهداً سياسياً كبيراً على الصعيدين المحلي والدولي. هذه النواقص نفسها هي ما يهدد الدعوات الى اقامة الدولة الفلسطينية فوراً والتفاوض بعد ذلك على حجمها وصلاحياتها وغير ذلك من قضايا الوضع النهائي. أما عن فكرة انسحاب اسرائيلي من طرف واحد من اجزاء من الضفة الغربية وغزة فانها تحمل، بالاضافة الى هذه المشاكل، خطر تشجيع الفلسطينيين الذين يؤمنون بامكان اجبار اسرائيل على الانسحاب عن طريق العنف. كل هذه العناصر تشير الى ان المواجهة الحالية لا تقدم تبريراً للعودة الى مفهوم الخطوات التدرجية الصغيرة بل تستدعي تفكيراً بحل شامل.
اخذ الطريق الى نهايته
برهن التاريخ على فشل اسلوب المراحل. بالمقابل هناك من يشير الى فشل الفلسطينيين والاسرائيليين في التوصل الى اتفاق في كامب ديفيد في السنة 2000 أو في محادثات طابا بعد ذلك، ويرى ان الطرفين لم ينضجا بما فيه الكفاية بعد، وان قيادتيهما ليستا مهتمتين، وان الهوة بينهما غير قابلة للتجسير: كل هذه الاعتبارات تدعو الى صرف القائلين بالتحرك مباشرة نحو الاتفاق النهائي على انهم في أفضل الأحوال من المثاليين الساذجين، أو انهم يعيشون في عالم لا علاقة له بالواقع.
لكن الحقيقة هي ان مفاوضات الوضع النهائي التي دارت في 2000 و2001 لم تشكل استثناء للاسلوب المتبع منذ 1993 أو خروجا عنه، بل كانت استكمالا أو تكليلا له، ودارت بالروحية نفسها وبالنواقص نفسها التي سادت بقية المرحلة الانتقالية. اذ لم تكن هناك مباديء مشتركة تقود تلك الجولتين الأخيرتين، بل افتُرض ان الرؤية النهائية ستبرز بالتدريج من خلال العملية التفاوضية. النتيجة أن أياً من الطرفين لم يتمكن من دحض موقف معارضيه الداخليين أو تعبئة المساندين الممكنين لرؤية شمولية. ولم يرتح المفاوضون، الذين ربما أمكنهم تسويق صفقة شاملة، الى الدفاع عن عناصرها عندما تقدم منفصلة عن بعضها بعضاً. كما لم يتمكن الطرفان من تعبئة دعم اقليمي أو دولي يذكر لصفقة شاملة واضحة.
كما عانت العملية التي بدأت في كامب ديفيد من نقص أساسي اضافي. فقد قامت على افتراض واسع الانتشار لكن خاطيء وهو ان لا سبيل الى اتفاقات حقيقية راسخة سوى التفاوض المباشر بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ان هذا قد يصح على الاتفاقات المرحلية أو التقنية، لكن ليس على الاتفاق الدائم. اذ أن خطورة القضايا المعلقة بين الطرفين وعدم تأكدهما من امكان التوصل في النهاية الى حل شامل لا بد ان تدفعهما الى الاحجام عن تقديم أو قبول اقتراحات قد تضعف موقفهما التفاوضي.
والواقع ان طبيعة التعامل بين الطرفين، وتفاوت ميزان القوى بينهما، ومصيرية الصراع الذي يخوضانه، أوصلتهما الى مرحلة تضاؤل المردود الممكن من المفاوضات، بل ربما انتكاسه. أي ان المفاوضات المباشرة، بدل أن تكون وسيلة للتقارب، تزيد من شقة الخلافات وتضيّق من مجال الاتفاق. أي أن زمن التفاوض المباشر قد فات، والمطلوب مواجهة الطرفين باتفاق نهائي كامل وغير قابل للتفاوض.
هناك حجج تقدم عادةً ضد التحرك المباشر نحو انهاء الصراع، لكنها خاطئة. مثلاً، يقول البعض أن على الحل الدائم ان ينتظر بناء الثقة بين الطرفين. وقد يبدو ان هذا موقف منطقي، اذ كيف يمكن انهاء الصراع اذا استمرت الشكوك بين الطرفين؟ لكن هذا الموقف في الحقيقة يقلب المنطق على رأسه، لأن انعدام الثقة والعداء والشكوك المتبادلة ليست سبب الصراع بل نتائجه. لذا لا يجب رهن الاتفاق بتوفر الثقة، بل ان الاتفاق نفسه هو ما يصنع الثقة.
كما يشير معترضون آخرون الى تحرك الرأي العام الاسرائيلي نحو اليمين رداً على الانتفاضة وأيضاً على ما اعتبره الاسرائيليون تصلب الموقف الفلسطيني في 2000 و 2001، ما يشكل عائقاً أمام التوصل الى اتفاق نهائي في وقت قريب. لكن هذا الرأي العام نفسه كان قد انتقل بسرعة من تأييد الحكومة الأكثر توجهاً نحو السلام في تاريخ اسرائيل الى انتخاب الحكومة الأكثر عدوانية - ما يوحي بأن الرأي العام قد يغير موقفه في الاتجاه المعاكس بالسرعة نفسها. وقد أكدت كل استطلاعات الرأي توق الاسرائيليين الى الهدوء والحياة الطبيعية والأمن في حياتهم اليومية. والأرجح ان غالبيتهم ستوافق على اتفاق واقعي لانهاء الصراع تدعمه الولايات المتحدة. ويبين التأثير الذي احدثته المبادرة السعودية التطبيع الكامل مقابل انسحاب اسرائيلي كامل من الأراضي التي احتلت في 1967 مدى تعطش الاسرائيليين الى الخروج من المستنقع. واذا كان من الخطأ ان نستنتج أكثر مما يجب من الاحباط لدى الرأي العام الاسرائيلي، فالأمر نفسه ينطبق على استقراء الموقف الفلسطيني بناءً على المواقف الماضية. اذ لم يتح لجوهر الأفكار التي قدمت في كامب ديفيد والمحادثات التي تلت، أو الأسلوب الذي دارت فيه المفاوضات، أن يطرح على الفلسطينيين ليمتحن مدى استعدادهم للقبول باتفاق منصف لانهاء الصراع يلبي مطالبهم الأساسية.
أخيرا، يتمسك كثيرون، على أساس مبدئي، بضرورة وقف العنف قبل اطلاق أي مبادرة، لكي لا تعتبر المبادرة مكافأة على العنف. لكن العنف نفسه نتيجة عرضية للعلاقة السياسية بين الاسرائيليين والفلسطينيين ولا يمكن فصله عنها. هذه العلاقة، لسوء الحظ، محكومة بالاستمرار على شكل الصراع الى ان يتم حلّ القضايا الرئيسية أو أن تكون في الطريق الى الحل. القاعدة التاريخية ان التوصل الى حل لصراع بين طرفين بهذا القدر من التفاوت يترافق مع استعمال العنف، فيما يشكل انتفاؤه الاستثناء. بهذا المعني فالعنف متأصل في استراتيجية المراحل نفسها بقدر ما يأتي ضدها. أو ان اسلوب اوسلو، من دون توفر حل نهائي، حتّم الى حد كبير استمرار التصادم في المنظور والتوقعات بين الطرفين. ولم يكن لدوامة العنف منذ ذلك الحين الاّ ان تستمر وتشتد، عندما ترى اسرائيل ان لا امكان للتفاوض تحت النار، فيما يرى الفلسطينيون ان وقف النار يعني ان ليس هناك ما يدفع اسرائيل الى التفاوض. هكذا يصبح العنف، المناقض تماما لروح اوسلو، وريثها الطبيعي. السبيل الوحيد لوقف العنف هو تقديم مشروع تفصيلي منصف لانهاء الصراع.
لنتوصل الى صفقة
يتوقف السعي نحو صفقة شاملة في النهاية على الاقتناع بإمكان صياغة رزمة من الحلول المقبولة من الطرفين، تضمن لهما مصالحهما الأساسية من دون اختراق "الخطوط الحمر" لديهما، أي المطالب غير الخاضعة للتفاوض.
ان اهتمام اسرائيل الرئيسي هو الحفاظ على هويتها وغالبيتها اليهودية، وضمان أمنها وسلامة مواطنيها، والحصول على الشرعية والاعتراف والوضع الطبيعي على المستوى الدولي، والمحافظة على الارتباط والتواصل مع الأماكن المقدسة اليهودية والرموز الوطنية، والانهاء الأكيد للصراع مع الفلسطينيين والدول العربية ووقف كل المطالب الأخرى ضدها. ويمكن ترجمة هذه المباديء الى منظومة من الخطوط الحمر، وهي تجنب تدفق سيل من اللاجئين يغيّر من طبيعتها السكانية، والقدس عاصمة لاسرائيل، والاعتراف بارتباطها الديني بجبل الهيكل، وعدم العودة الى حدود 1967، وضم الغالبية الكبرى من المستوطنين، بمواقعهم الحالية، الى اسرائيل، وعدم وجود جيش آخر بين نهر الأردن والبحر المتوسط، والحفاظ على غور الأردن حداً أمنياً شرقياً لأسرائيل حسب الأمر الواقع.
أما بالنسبة الى الفلسطينيين فيمكن تحديد مصالحهم الأساسية بأنها حياة الحرية والكرامة والمساواة والأمن، وانهاء الاحتلال، وتقرير المصير، والتوصل الى حل منصف لقضية اللاجئين، والحكم والسيطرة على المواقع المقدسة الاسلامية والمسيحية في القدس، وضمان حصول أي اتفاق على الشرعية من العالمين العربي والاسلامي. ويمكن ترجمة هذه المباديء بدورها الى منظومة من الخطوط الحمر: اقامة الدولة الفلسطينية، مع سيادة حقيقية على ما يساوي مئة في المئة من الأراضي التي احتلت في 1967، وحل لقضية اللاجئين يشمل اعطاءهم الخيار بين العودة الى مواطنهم الأصلية قبل 1948، والقدس عاصمة لدولتهم، والضمانات الأمنية اللازمة لدولة منزوعة السلاح.
وتبين نظرة متفحصة الى المفاوضات والمناقشات غير الرسمية السابقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين أن حلاً يلبي متطلبات الطرفين موجود بالفعل. فالمفهوم الأساسي في ما يخص قضية الأرض هو التبادل: أي امكان ضم اسرائيل حداً أدنى من أراضي الضفة الغربية مقابل اعطاء الفلسطينيين مقداراً مساوياً من الأراضي في اسرائيل. ولهذا التبادل أن يقوم على اعتبارات سكانية وأمنية، ويصاغ بهدف الحفاظ على التواصل الأرضي وامكانات البقاء للدولتين. وستتمكن اسرائيل من خلال ذلك من ضم عدد كبير من المستوطنين في الضفة الغربية، فيما يتوصل الفلسطينيون الى هدفهم في الحصول على مئة في المئة من الأراضي المعادة. ويمكن تحقيق التواصل الارضي بين غزة والضفة الغربية من دون قسم اسرائيل عبر اعطاء الفلسطينيين حرية الوصول من دون إعاقة الى ممر آمن يربط بين المنطقتين والسيطرة عليه.
وعلى صعيد قضايا الامن، تتمثل المسائل الاساسية في نزع سلاح الدولة الفلسطينية وارسال قوة دولية - تتولى قيادتها الولايات المتحدة وتتضمن في البداية حضوراً اسرائيلياً - لتتمركز في الاراضي الفلسطينية في غور الاردن وبمحاذاة الحدود مع اسرائيل. وستلعب هذه القوة دور رادع سياسي لأي هجوم، لتعزز بالتالي الاحساس بالأمن لدى كلا الجانبين. وحقيقة انها ستكون قوة دولية أمر من شأنه ان يستجيب لمخاوف الفلسطينيين، وفي المقابل سيساعد تضمينها في البداية، على عنصر اسرائيلي على تهدئة مخاوف الاسرائيليين. وسيقتضي حل مشكلة القدس - التي يطالب كل من الطرفين بأن تكون عاصمته السياسية والدينية - التوصل الى صفقة تقوم على الحكم الذاتي حسب الاعتبارين السكاني والديني . بمعنى آخر، ما هو يهودي - على وجه التحديد، القدس الغربية والضواحي اليهودية في القدس الشرقية، من ضمنها تلك التي اُنشئت منذ 1967 - ينبغي ان تصبح عاصمة اسرائيل، وما هو عربي ينبغي ان يصبح عاصمة فلسطين. وسيكون لكل دين السيطرة على اماكنه المقدسة. وستوفر ترتيبات لضمان التواصل الارضي لكلا العاصمتين، بالاضافة الى حرية الوصول من دون إعاقة الى المواقع الدينية لكل شعب.
المسألة المتبقية هي مكانة الحرم الشريف او جبل الهيكل، الذي يعتبر كلا الطرفين انه مكان مقدس. الاولوية بالنسبة الى اسرائيل هي ان تحافظ على صلتها بهذا المكان الاكثر قدسية، الذي تعتبره مهد الهوية اليهودية. وبالنسبة الى الفلسطينيين، يكمن الشيء الاساسي في ان يكون واضحاً لشعبهم والعالمين العربي والاسلامي ان الحرم الشريف يعود لهم. وكان احد العيوب الاساسية في المفاوضات السابقة هو انهم نظروا الى القضية من خلال عدسة السيادة بدلاً من تركيز الاهتمام على الترتيبات العملية المطلوبة لتلبية احتياجات كلا الطرفين. فما ينبغي ان يكون مهماً في النهاية هو ان يمارس كلا الجانبين النفوذ على ما يؤثر عليهم ويعنيهم في المقام الاول. فالسيطرة على الحرم ستبقى في ايدي الفلسطينيين، حيث كانت، بالفعل، منذ ان احتلت اسرائيل القدس الشرقية في 1967. وفي الوقت نفسه، ستُعطى اسرائيل - التي لا تبدي اهتماماً بالسيطرة على المنطقة بقدر ما تريد الحفاظ على سلامتها المادية - ضمانات ضد أي حفريات او اعمال تنقيب من دون موافقتها الواضحة. وستُدعم هذه الضمانات من قبل المجتمع الدولي وتخضع للمراقبة من قبل وجود دولي.
في الطريق الى العودة
يبقى الموضوع الذي ربما يكون الاكثر إزعاجاً على الاطلاق: قضية اللاجئين الفلسطينيين. فمع المطالبة الصاخبة من احد الطرفين بحق العودة، فيما يرفض الآخر ذلك بعناد، تبدو هذه المشكلة وكأنها تستعصي على أي حل وسط. وكان الفلسطينيون استخفوا، طيلة مفاوضات 2000 - 2001، بالدرجة التي يربط بها الاسرائيليون حتى مجرد اعطاء الفلسطينيين حق العودة نظرياً بامكان انتهاء اسرائيل كدولة عبرية. فالاسرائيليون ببساطة لا يمكن ان يفهموا لماذا يختار الفلسطينيون، اذا منحوا فرصة لأن يعيشوا في بلدهم، الانتقال بدلاً من ذلك الى ما قد اصبح بلداً اجنبياً. والتفسير المعقول لهذا الموقف، من منظورهم، هو ان الفلسطينيين ما زالوا يضمرون الرغبة في اضعاف قدرة اسرائيل على البقاء على المدى البعيد كدولة عبرية. واخذاً بالاعتبار الحقائق السكانية غير المستقرة بالفعل في اسرائيل - التي توجد لديها الآن اقلية عربية تشكل 20 في المئة من السكان وتنمو بسرعة اكبر من السكان اليهود - ليس مستغرباً ان تؤدي فكرة تدفق للعرب الى دق اجراس الخطر. واذا كان الفلسطينيون لا يعون مخاوف الاسرائيليين، فان الاسرائيليين، من جانبهم، قللوا من شأن جدية مطلب الفلسطينيين. فمع استمرار وجود ثلثي الفلسطينيين كلاجئين، تبقى الحركة القومية الفلسطينية، في جذورها، حركة شتات نشأت وتطورت في مخيمات اللاجئين وحفزتها الرغبة في استعادة ديار وممتلكات ضائعة. ويستحوذ الاحساس بالظلم جراء تشريدهم من ديارهم على الوعي الوطني الفلسطيني ويحدد طابع كفاحهم، لدرجة تفوق حتى الرغبة في اقامة دولة مستقلة.
ان حلاً يلبي المطالب السياسية لغير اللاجئين وحدهم في الضفة الغربية وغزة بينما يتجاهل كما يبدو المطالب المعنوية والتاريخية والسياسية للاجئين، سيكون غير مستقر بطبيعته. وستكون مشروعيته مشكوكاً بها، وسيضعف الدولة الفلسطينية الجديدة، ويترك الباب مفتوحاً - وهو ما يثير اقصى درجة من القلق من منظور اسرائيلي - امام احتمال ان يقرر عدد كبير من الفلسطينيين مواصلة الكفاح. وعلى رغم ان إنكاراً سافراً لحق الفلسطينيين في العودة قد يبدو وسيلة لانهاء المخاوف الآنية للاسرائيليين، فانه لن ينهي النزاع، ولن يؤدي الاّ الى نقل مركز الاضطراب الى الشتات الفلسطيني من دون ازالة الخطر على امن اسرائيل.
يكمن التحدي في التوصل الى حل مستقر ودائم يستجيب لتوق اللاجئين للعودة الى المناطق التي غادروها في 1948، ويهديء في الوقت نفسه المخاوف الديموغرافية لاسرائيل. ويمكن تحقيق ذلك بالاعتماد على مبدأين اساسيين. اولاً، ينبغي اعطاء اللاجئين خيار العودة الى المنطقة العامة حيث كانوا يعيشون قبل 1948 الى جانب خيار العيش في فلسطين، او الاستقرار في بلد ثالث، او ان يتم استيعابهم من قبل بلد اللجوء الحالي اذا وافق البلد المضيف. ثانياً، ينبغي ان تتمشى اي عودة كهذه مع ممارسة اسرائيل لسلطاتها السيادية على مواقع الدخول واعادة التوطين. ومن المفترض ان يبدي الكثير من اللاجئين رغبتهم في العودة الى ديارهم الاصلية. لكن هذه الديار، بل وفي حالات كثيرة القرى التي كانوا يقيمون فيها، لم تعد موجودة بأكملها او انها اصبحت مأهولة حالياً باليهود. وسيكون ثاني احسن خيار من منظور اللاجئين ذاتهم هو ان يعيشوا وسط اناس يشاطرونهم العادات واللغة والدين والثقافة، أي وسط مواطني اسرائيل الحاليين من العرب. وستقوم اسرائيل بتوطين اللاجئين في اراضيها التي يقطنها العرب على امتداد حدود 1967. وستُدرج هذه المناطق عندئذ في مبادلة الاراضي مع فلسطين لتكون في النهاية جزءاً من الدولة الفلسطينية الجديدة.
والى جانب تعويضات مالية سخية وحوافز اخرى لتشجيع اللاجئين على اعادة الاستقرار في بلدان ثالثة او في فلسطين، سيلبي هذا الحل مصالح اساسية عدة. فمن جهة، سيمارس اللاجئون الفلسطينيون حق العودة. وبالنسبة اليهم، ستكون العودة الى المنطقة العامة التى فروا منها او اُجبروا على الفرار منها في حرب 1948 امراً بالغ الاهمية لانها ستتخطى حاجزاً نفسياً وسياسياً مهماً. وعلى رغم ان اللاجئين لن يعودوا الى ديارهم الاصلية، فانهم سيتمكنون من العيش في بيئة مألوفة ومضيافة اكثر، وهي بيئة لن تخضع في النهاية لحكم الاسرائيليين بل سيحكمها ابناء شعبهم. وستحصل فلسطين، عبر المبادلة، على اراضٍ احسن نوعية بكثير من المناطق الصحراوية المحاذية لغزة التي عُرضت في الماضي. من جهة اخرى، بالنسبة الى الاسرائيليين، سيؤدي هذا الحل الى تحسين التوازن السكاني لان عدد الاسرائيليين العرب سيتقلص نتيجة لمبادلة الاراضي. والمسألة الاهم انه سيمهد الطريق لنتيجة مستقرة يكون للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والشتات مصلحة مهمة فيها. لن يكون مثل هذا الحل خالياً من المشاكل، بالطبع. فقد يخشى الاسرائيليون انه سيضاعف قلق وتذمر مواطني اسرائيل العرب الذين بقوا تحت السيادة الاسرائيلية. لكن المشاكل السكانية والسياسية التي يمثلها في الوقت الحاضر بالفعل مواطنو اسرائيل العرب تتطلب اهتماماً عاجلاً. فهل هناك ما هو افضل للحد من المشاعر ذات النزعة التحريرية الوحدوية الكامنة لديهم من حل النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني الأوسع؟
قد يجادل بعض الفلسطينيين بأن الخطة المشار اليها اعلاه لا تمثل سوى براعة في الخداع، اذ تخفي اعادة التوطين في فلسطين تحت ستار عودة الى الاراضي العائدة لهم قبل 1948. لكن هل يريد اللاجئون فعلاً ان يعيشوا في مناطق يهودية اصبحت جزءاً من بلد اجنبي؟ هل سيفضلون العيش في ظل حكم اسرائيلي بدلاً من حكم فلسطيني؟ وهل توجد اي طريقة اخرى لتنفيذ حق العودة للفلسطينيين لا تجعل الهوية اليهودية لاسرائيل موضع شك؟
استخدام القوة
يكمن وراء كل نزاع حول جوهر اتفاق اسرائيلي - فلسطيني مشكلة تنفيذه. وعلى امتداد العقد الماضي، عجز الاسرائيليون والفلسطينيون مراراً وتكراراً عن تنفيذ التزامات توصلوا الى اتفاق بشأنها. وبالطريقة المتكررة ذاتها، راقب المجتمع الدولي هذه الانتهاكات بعجز ولم يفعل شيئاً لوقفها. ويقتضي تحقيق اتفاق دائم للوضع النهائي الآن بعض الوسائل لاقناع كلا الطرفين بأن الالتزامات ستنفذ هذه المرة.
ستساعد قوة دولية بقيادة الولايات المتحدة على توفير مثل هذه الضمانات. وستكون مهمة هذه القوة اكثر من مجرد التوثق من تنفيذ الالتزامات على الارض، ولو انها ستفعل ذلك ايضاً، ما سيضيف عنصراً كان مفقوداً في اتفاقات سابقة. كما ستلعب القوة الدولية دور وسيط وحكم محايد. وستكون الجهة التي تتولى تسلم موجودات كل طرف خلال فترة التنفيذ الاولية: تسلم الاسلحة من الفلسطينيين، على سبيل المثال، والارض من اسرائيل. وسيكون تسليم موجودات قيمة الى وصي اجنبي موثوق به اسهل بكثير لكل طرف من تسليمها الى شريك يعتبر غير جدير بالثقة. ويمكن ربط تنفيذ هذه الخطوات بنظام حوافز وعقبات مثل المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين او الدعم الامني لاسرائيل، ما سيشجع على مزيد من الدقة وضبط المواعيد في التنفيذ.
السبيل الى تحقيق الحل
يكمن التناقض الظاهري في انه بالرغم من ان معالم الحل اصبحت اساساً مفهومة منذ بعض الوقت، فان السبيل لتحقيقه كان متعذراً على كل الاطراف منذ البداية. والدرس المستخلص من المرحلة الانتقالية، ونمط مفاوضات الوضع النهائي التي انهتها، هو ان الاعتماد على نوايا القادة الاسرائيليين او الفلسطينيين استراتيجية تملك فرصة ضئيلة للنجاح. فطبيعة النزاع واختلال ميزان القوى والسياسات الداخلية على كلا الجانبين وطابع المفاوضات والتركيبة النفسية للقيادة، هذه العوامل كلها، منعت الطرفين من التحرك في اتجاه حل.
المطلوب للتغلب على هذا المأزق هو عملية مبتكرة، وسيلة لشن ديبلوماسية تكون مستقلة عن ارادة ومشيئة قيادتي الطرفين، ديبلوماسية لا تلبي افضلياتهما الآنية وتتجاوز الحدود الآنية التي يواجهانها. وسيتطلب تحقيق مثل هذا الاتفاق التدخل النشيط للاعبين خارجيين يمكن ان يقدموا رزمة تلقى صدى وتجاوباً لدى كلا الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني، اذ تعالج مخاوفهما واهتماماتهما وتبيّن ان وسيلة ما للخروج من المأزق ممكنة فعلاً.
وينبغي لهذا الجهد، الذي تتولى قيادته الولايات المتحدة، ان يتضمن تحالفاً واسعاً لبلدان ومعاهد اوروبية وعربية وغيرها قادرة على توفير الأمن، بالاضافة الى الدعم الاقتصادي والسياسي، للاسرائيليين والفلسطينيين. وينبغي ان يُصادق على هذا المشروع بقرار لمجلس الأمن التابع للامم المتحدة ويُستكمل بعدد من الترتيبات مع اطراف ثالثة، مثل معاهدة دفاع اميركية - اسرائيلية، وامكان قبول اسرائيل في عضوية حلف الاطلسي، وتعهد من قبل الدول العربية بان تعترف باسرائيل والتحرك في اتجاه تطبيع العلاقات وهي عملية سيتطلب انجازها ايضاً اتفاق سلام مع سورية، وضمانات امنية اميركية واوروبية للدولة الفلسطينية، ورزمة مساعدات كبيرة للمساعدة على بناء اقتصاد الدولة الجديدة.
ان العرض النشيط من قبل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لصفقة وفقاً للخطوط اعلاه سيلزم قيادة كلا الطرفين اما التوقيع او تحدي العالم، وكذلك تحدي قطاعات كبيرة من جمهورهما. وبالفعل، لن يؤدي حتى رد سلبي مباشر من احد الطرفين او كلاهما الى شطب المبادرة او تجريدها من اهميتها، لان المشروع ذاته سيهمّش اولئك الذين يترددون في تأييده ويطلق دينامية سياسية جديدة تفرض، في وقت مناسب، تغييراً في الموقف وسط القادة - او، بخلاف ذلك، تغييراً للقادة.
سيجادل البعض ان أى شيء يأتي من الخارج سيُنظر اليه كفرض لارادة اجنبية وبالتالي سيُرفض. لكن اذا استند الاتفاق على محادثات اسرائيلية - فلسطينية سابقة وحالية، لن يُنظر اليه باعتباره مفروضاً من الخارج، واذا كان عادلاً سيكون من المستبعد ان يُرفض. لن يكون كما لو ان جهات خارجية تسعى الى فرض اتفاق اُعدّ سراً على طرفين معارضين، ذلك لان جوهر الاتفاق سيكون مستمداً من مفاوضات سابقة بين الطرفين. بالاضافة الى ذلك، ينبغي لآلية التصديق ان تستند الى استفتاءات شعبية في اسرائيل ووسط الشعب الفلسطيني، وينبغي ان تُدرج في المشروع ذاته.
يكمن الخطر في الاعتقاد بان ما يبدو عملياً وواقعياً - اعادة بناء للعملية خطوة فخطوة، واستئناف التعاون الامني، وتحسينات تدريجية على الارض - هو الاسلوب المفضل. فقد برهن الاسلوب التدريجي الذي اتُبع في العقد الماضي على افلاسه مرة تلو اخرى لانه كان يستند الى سوء فهم لطبيعة النزاع وديناميته. لم يفشل الاسلوب نتيجة لسوء نية الطرفين او غياب التنفيذ الامين، بل بالاحرى كان الاسلوب هو الذي فاقمهما.
نادراً ما كُتب حول قضية اكثر مما جرى حول ما اذا كان القادة الاسرائيليون او الفلسطينيون يريدون حقاً ابرام اتفاق نهائي او بامكانهم ذلك. ويفترض ان تكون هذه هي الاسئلة الاساسية التي يمكن للاجابات عنها ان تفتح الباب لتسوية سلمية. لكنها ليست ولا يمكن ان تكون كذلك. فالقضية الاساسية الآن ينبغي الاّ تكون التوفيق بين الحدود التي يواجهها القادة الاسرائيليون والفلسطينيون وصوغ الجهد ليناسب ميولهم، بل ينبغي جعل الحدود التي يواجهها كلا طاقمي القيادة تفقد اهميتها. ومع استمرار التهديد الناجم عن العنف واتضاح معالم اتفاق عادل امام انظار الجميع، تغدو فكرة الاكتفاء بانتظار هؤلاء القادة كي يتوصلوا اخيراً عبر التفاوض الى صفقة، او ان يستعيد الجانبان تدريجاً الثقة بأحدهما الآخر، جوفاء على نحو متزايد. لقد حان الوقت لجهد لا هو من اعلى الى اسفل ولا من اسفل الى اعلى، بل من الخارج الى الداخل: العرض الفاعل بقوة من قبل لاعبين خارجيين لصفقة شاملة وعادلة ودائمة.
يُنشر هذا المقال ايضاً في عدد دورية "فورين افيرز" لشهري نيسان وايار ابريل ومايو.
* حسين آغا، عضو مشارك أقدم في كلية سانت انطوني في جامعة اكسفورد. وهو يتابع الشؤون الاسرائيلية - الفلسطينية منذ اكثر من 30 عاماً.
* روبرت مالي، مدير "برنامج الشرق الاوسط" في مجموعة "انترناشونال كرايسز غروب". وكان المساعد الخاص للرئيس كلينتون للشؤون العربية - الاسرائيلية في الفترة بين 1998 و 2001.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.