إذا أمعنت النظر في قاع "الطبلة" ترتسم لك في داخلها صور ألمع نجوم الطرب والغناء في العصر الذهبي للفن، وإذا حدّقت جلياً اكتشفت آلاف الأسرار والحكايا المذيلة بتوقيع ستراك ضابط الإيقاع الذي تردد اسمه منذ اكثر من 40 عاماً عاشقاً ل"الطبلة" التي اهتزت على ايقاعها خصور الراقصات الفاتنات. والفنان ستراك سركيسيان تألق في عالم الإيقاع وكانت له محطات لامعة في العالمين العربي والغربي معاً، ومنحه التلفزيون العربي الأميركي في لوس انجليس في ولاية كاليفورنيا درع افضل ضابط ايقاع في العالم العربي عام 1994. وشكل ستراك ظاهرة مميزة في عالم الفن والإيقاع بعد ان اقترن اسمه ب"الطبلة" مختطاً أسلوباً لا يزال الكثر يتبعون خطاه وينهلون منه. واستطاع حفظ فنه خلال 43 سنة في 43 ألبوماً، ويسجل اليوم ألبومه ال44. يروي ستراك بداية رحلته في عالم "الطبلة" والإيقاع بقوله: "احببت الطبلة منذ صغري. وكنت أتلاعب بأصابع يدي على الطاولة في المدرسة، فنهرني الأستاذ مرات عدة ولكنه لم يخفِ اعجابه بما أقوم به. وبدأت هوايتي تنمو واشتريت الطبلة وبدأت العزف وأنا في السابعة عشرة في احدى الحفلات الخاصة فلقيت كل تشجيع وإعجاب. وبعد سنتين احترفت العمل وبدأت العزف في مطعم في منطقة الزيتونة في بيروت مع المطرب وديع الصافي في اول أغانيه "عاللوما اللوما". وأذكر انه كان هناك في ذلك الوقت تنافس بين اربع مطربات هن: نفنافة كرم، ناديا شمعون، نونا الهنا وجاكلين. بعدها رافقت كبار النجوم والمطربين امثال: فريد الأطرش، عبدالحليم حافظ، محمد عبدالوهاب، سميرة توفيق، صباح، الرحابنة وفيروز وكانت لي معهم اعمال وذكريات لا تنسى. وعملت في الفرقة الموسيقية في الإذاعة اكثر من 30 سنة". وعن اهمية ضابط الإيقاع ومواصفاته قال: "الطبلة هي اساس التخت الشرقي، وهي العنصر الأهم في الأوركسترا، وبواسطتها نتعلم الإيقاع الصحيح. والذي يعرف موازين الإيقاع، هو بالطبع صاحب الأذن الموسيقية الجيدة، وأي خطأ يقع به ضابط الإيقاع ينعكس على الأوركسترا كلها. ويقول ستراك انه تعلم الجدية والصدق والدقة في المواعيد من الأوروبيين، وكان اول درس "عندما سجلت اول CD لي في باريس عام 1975، إذ أُعلمت بوفاة والدي وأنا على المسرح، وعلى رغم الصدمة تابعت عملي من دون ان يشعر احد. فالمسرح له قدسيته ويجب ان نحافظ عليها، والفنان الذي لا يعطي من روحه وإحساسه يفشل، ولكل ضابط ايقاع شخصيته وحضوره ولا يحل احد مكان الآخر، ونجد اليوم الكثر من المقلدين لستراك، وأتمنى ان يكوّن الموسيقي مدرسة خاصة به ولا يتبع الآخرين او ينسخ عنهم. وأتوقع مستقبلاً لعازف الطبلة ايلي الفقيه، ولا أنسى فضل كل من مصطفى النمير والمرحوم عبدالكريم قزموز عليَّ". ذكريات مع النجوم ويعود ستراك الى دفتر ذكرياته يقلّبه مستعيداً اجمل محطاته مع كبار النجوم في العالم العربي ويقول: "تربطني صداقات بعمالقة الفن في لبنان والعالم العربي الذين تعاملت معهم ردحاً من الزمن، وتعرفت الى ناديا جمال في رحلة فنية الى طهران وكانت راقصة مهمة ترفض ان ترقص لشخص واحد مهما علا شأنه، وكذلك ترفض "رش النقود". وأذكر ان الملك فاروق اضطر الى متابعة وصلة ناديا جمال واقفاً لمدة 45 دقيقة عندما وصل متأخراً الى الحفلة في مدينة اوبن غايت في ايطاليا، وكانت الفرقة الموسيقية بدأت العزف ثم عاد وحضرها في اليوم التالي. والطريف ان والدة ناديا جمال ماريا كاريدياس كانت تجلس قبالة ابنتها على المسرح وتهددها بعصا الخيزران ان هي اخطأت، ونالت ناديا نصيبها مرات عدة، وأشهد انه لم تخلق راقصة وفية ومخلصة مثل ناديا جمال". ويستطرد في حديث الذكريات: "كان فريد الاطرش صديقاً وفياً رافقته في رحلات عمل الى سورية والاردن والمغرب وعشت معه اجمل ايام حياته في منزله. وكان فريد محاطاً بأجمل النساء ويردد باستمرار "انا مش عارف على ايه هم يحبوني". وكان يملك قلب طفل ويبكي لدى سماعه خبراً او حادثة مؤسفة. وكان اقوى حب في حياته لسكرتيرته زينب جبور، اما خطيبته سلوى المقدسي فعاشت معه اجمل ايام عمرها على رغم انها كانت تعرف ان فريد لن يتزوجها". ويتابع: "تعرفت ايضاً الى الفنان عبدالوهاب في استوديو في القاهرة عندما كنا نحيي احدى الحفلات ومازحني بقوله: "ارمني وطبال. اعرف الارمني موسيقياً، كمنجاتياً، ولكن ليس طبالاً"، وسجلت مع عبدالوهاب اغنية "كل ما املي معاك". اما سميرة توفيق فهي صديقة وشقيقة تعرفت اليها سنة 1959 عندما عملنا في كازينو طانيوس في بحمدون. وكانت المنافسة شديدة بين صباح ونزهة يونس وانطوانيت نحاس، لكن سميرة تميزت عنهن بجمال صوتها وحلاوة صورتها. وكانت بداية تقدم اغنيات أم كلثوم وتؤدي ببراعة اغنية "شمس الأصيل" قبل ان تعتمد لونها البدوي الذي جعل حفلتها في أبو ظبي سنة 1973 كاملة الحضور في حين لم تبلغ الحجوزات نصفها في حفلة ام كلثوم في اليوم نفسه. وربما يعود ذلك الى محبة الخليجيين للون الذي اعتمدته. وكانت سميرة تلقى كل احترام وتقدير من الملوك والرؤساء". وينهي ستراك شريط ذكرياته عن حفلة مدرج عاليه اذ تمنى على عبدالحليم حافظ ان يؤجل حفلته التي تزامنت مع حفلة صديقه فريد الاطرش في بيسين عاليه خوفاً من فشلها، واستجاب عبدالحليم وكانت صداقة بينهما تجسدت في اغنية "شارع القناديل". ويتابع ستراك، انتاجه الفني، على رغم غياب معظم الكبار وانكفاء الآخرين. وآخر اعماله شريط "ليالي زمان" الذي يتضمن 6 مقطوعات موسيقية للرقص الشرقي و"سولو" على "الطبلة". ويشاركه فيه عزفاً 32 موسيقياً. كما يحضّر لشريط ايقاع جديد.