في يومي الأحد والثلثاء 10 و12 آذار مارس الجاري نشرت جريدة الرياض حلقتين لمقال بعنوان "عيد البوريم" للدكتورة أميمة الجلاهمة، ذكرت فيهما أن لليهود عيداً اسمه البوريم يلزمهم "إعداد فطيرة يخلطونها بدم البشر". وخلال ساعات من النشر أصبح المقال ملصق دعاية ضد السعودية وثقافتها، وموضوعاً في بعض برامج الحوار الأميركية، وأعمدة الصحف ومواقع الإنترنت، وتردد اسم الكاتبة والجريدة على نطاق واسع. وكانت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية آخر من كتب عن القضية، ووظف المقال في الحملة الغربية على السعوديين. رئيس تحرير جريدة "الرياض" تركي السديري اعتذر الثلثاء الماضي عن نشر المقال، وقال: "عدت إلى المقال فوجدته غير جدير بالنشر لأنه لا يستند إلى أي حقائق علمية أو تاريخية، بل هو مناف لطقوس كل الديانات المعروفة في العالم". أكاد أجزم أن بعض الصحف العربية في السعودية وغيرها نشر في السنوات الماضية مقالات تحمل الفكر والتوجه ذاتيهما وربما أشد، ومرت من دون أي انتباه أو تعليق، لكن الزمن اختلف والظروف تغيرت، وشبكة "الإنترنت" ألغت صفة المحلية من الصحف، فضلاً عن أن كل ما يصدر في السعودية وعنها أصبح بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر محط أنظار العالم. والدليل أن حادث مدرسة البنات في مكة صار خبراً عالمياً، وعالج بعض الصحافة الأميركية الحادث وكأن المدرسة في أحد أحياء نيويورك، وتبنى اتهام بعض الصحف السعودية ل"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وكتب ضدها، على رغم أن الاتهام بلا سند. لكن تناول السعودية في شكل مثير أصبح مطلباً هذه الأيام. لا شك في أن مقال جريدة الرياض أكد حقيقة طالما غابت عن بعضهم، وهي أن العالم أصبح شقة كونية لا أسرار فيها. والصحافة يجب أن تكتب بمقدار أكبر من الدقة والموضوعية، فضلاً عن أن التساهل في اتخاذ بعض المواقف والإجراءات التي اعتدنا قبولها أو تمريرها محلياً، لم يعد ممكناً هذه الأيام. ولابد من مراعاة هذا الشرط الكوني الجديد في الإعلام وفي غيره، تفادياً لتشويه صورة البلد وإعطاء الآخرين فرصة للدخول علينا عبر أخطائنا.