لحروب الاستنزاف في تاريخ الجيش الاسرائىلي ذكريات مرّة، خرج منها كلها ملوثاً بعار الهزيمة. نذكر منها، على سبيل المثال، حرب الاستنزاف على جبهة السويس بعد حرب 1967، ابان عهد الرئىس الراحل جمال عبدالناصر، وهي الحرب التي ارغمت الولاياتالمتحدة على تقديم مشروع روجرز. ومنها حرب الاستنزاف على جبهة الجولان، بعد حرب 1973، التي ارغمت الولاياتالمتحدة على التدخل لفك الارتباط بين الجيشين السوري والاسرائىلي، وإعادة القنيطرة وأجزاء من الجولان الى سورية. ونذكر حرب الاستنزاف التي خاضتها المقاومتان اللبنانية والفلسطينية ضد جيش الاحتلال الاسرائىلي، بعد اجتياح لبنان عام 1982، وأرغمتاه على الانسحاب الى الشريط المحتل، ثم إخلاء ارض الجنوب حرة في ايار مايو 2000. ولا تغيب عن بالنا حرب الاستنزاف الفلسطينية التي دارت على ارض الضفة والقطاع، على يد الانتفاضة الكبرى. وهي حرب لم تطل جيش الاحتلال وحده، بل طاولت المستوطنين والاقتصاد الاسرائىلي بفروعه الرئىسة، كما طاولت سمعة اسرائىل وموقعها الدولي. ويؤكد العارفون ببواطن الامور ان اسحق شامير، رئىس وزراء اسرائىل الأسبق، ما كان رضي الاشتراك في مؤتمر مدريد، الا كوسيلة من وسائل الالتفاف على الانتفاضة ووضع حد لحربها المرهقة ضد الوجود الاسرائىلي. وما يدور على الارض الفلسطينية يبشر هو الآخر بحرب استنزاف جديدة تطاول الحال الاسرائىلية، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً ومعنوياً. وهو أمر تتوافر أسسه في استعداد الشارع الفلسطيني اللامحدود للصمود والمواجهة اياً كان الثمن. ولكن، يبقى، لتتحول حرب الاستنزاف هذه الى حرب حقيقية ان يتحمل شارون مسؤولية اشعالها، وهو لا يملك وحده قرار وقفها بشروطه وفي الوقت الذي يشاء، يبقى ان تتخذ السلطة الفلسطينية خطوات ملموسة لمصلحة: * حسم الخيار السياسي لمصلحة الانتفاضة طريقاً الى الاستقلال والسيادة وضمان حق العودة. * تسليح الشعب وتنظيم صفوفه وتنظيم اشكال المقاومة لجيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه. * معالجة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدمية في المجتمع الفلسطيني لتوفير حاجاته في حربه الطويلة. وإفشال مشروع شارون، عبر جره الى حرب استنزاف مفتوحة، كفيل باحباط المجتمع الاسرائىلي، واقناعه مجدداً بأن طريق العنف مفتوح على خطين، وان وحده الاعتراف بالحقوق الفلسطينية هو الطريق الى الأمن الجماعي والفردي. دمشق - معتصم حمادة كاتب فلسطيني