إذ يُعلن الأمير عبدالله عن مبادرته تجاه اسرائيل التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل فإنني أريد أن أقول ما يدور في ضمير كل عربي، وكل مسلم، وكل منصف في هذا العالم. وكل مواطن عربي يقرأ هذا الكلام يعلم أنه لا حق للصهاينة في شبر واحد من أرض فلسطين، فهي عربية من النهر الى البحر، واختلال ميزان القوة بين العرب واسرائيل هو ما دفعهم الى القبول بعملية السلام. وكل مواطن عربي يقرأ هذا الكلام يعلم ان الشرعية الدولية التي أعطت اسرائيل حق الوجود ما هي الا مجموعة من البشر مثلنا، اجتمعوا وناقشوا وخرجوا بقرارات. والبشر منذ آدم الى قيام الساعة يصيبون ويخطئون. فقرارات الشرعية الدولية ليست كلاماً منزلاً من السماء، ناهيك عن ان اسرائيل لا تقيم وزناً لهذه الشرعية، وقد ضربت بقراراتها عرض الحائط مرات ومرات. ويخدعنا من يريد ان يقنعنا أنه لا بديل عن السلام مع اسرائيل إلا الحرب، وبما أننا لسنا قادرين على الحرب فليس أمامنا إلا السلام. لماذا لا نفكر بخيار ثالث؟ بالهدنة مثلاً؟ هدنة لمدة عشر سنوات قابلة للتمديد، تتعهد فيها كل دولة عربية ألا تهاجم اسرائيل عسكرياً إذا التزمت اسرائيل العهد نفسه، أيها العرب دعوا اسرائيل وشأنها! أصلحوا العلاقة بين الحاكم والمحكوم في بلادكم، حتى يولد الإنسان الحر المبدع القادر على الانتصار، وتثبتوا أن اسرائيل ليست، كما تدعي، واحة الديموقراطية في صحراء الديكتاتوريات العربية. نفذوا ما اتفقتم عليه من اتفاقات التكامل الاقتصادي لتصبحوا أمة قوية جديرة بالاحترام. أنفقوا بسخاء على الإعلام والعلاقات العامة لتقنعوا الدنيا بعدالة قضيتكم! أنشئوا لوبي عربياً إسلامياً في أميركا يفضح كذب اليهود وخداعهم للرأي العام الأميركي، ويذكر بنبوءة الرئيس الأميركي لنكولن الذي حذّر الشعب الأميركي من سيطرة اليهود عليه! فالوقت في صالحكم وليس في صالح اسرائيل. وكلما انقضت سنوات الهدنة العشر مدِّدوها، ودعوا اسرائيل لإخوانكم في فلسطين يشبعونها مقاومة، يذيقونها الويلات، واكتفوا بدعمهم معنوياً وسياسياً وإعلامياً ومادياً، ولا تقلقوا إذا لم تتمكنوا من دعمهم بالسلاح، بسبب اتفاق الهدنة بينكم وبين اسرائيل. فسماسرة السلاح في اسرائيل نفسها سيتكفلون بالمهمة، ولم يثبت في التاريخ ان جيشاً استطاع هزيمة شعب. قد ينقضي على هذه الحال عشرون أو ثلاثون، أو مئة عام أو أكثر، تصبحون بعدها أمة قوية قادرة، متمسكة بحقوقها، وتصبح اسرائيل دولة مصطنعة ضعيفة مستنزفة، لا يدعمها أحد. وعندها لن تملك مقومات البقاء. لقد اختار بلدي، سورية، الهدنة بعد حرب 1973، وما زال هذا الخيار مستمراً الى الآن، فما الذي حدث؟ وهل زالت سورية من الوجود؟ هل انهار الاقتصاد؟ هل مات الشعب من الجوع؟ إن الذين يتصورون أن أميركا لن تسمح لأحد ان يفكر مثل هذا التفكير، ولن تسمح لأحد ان يخرج عن إرادتها، وإرادة اسرائيل، هم واهمون. فأميركا ليست إلهاً، وميزان القوة الذي يميل لصالح اسرائيل اليوم لن يدوم الى الأبد. وما ينقصنا هو الإرادة ليس إلا. فإذا استبدلنا إرادة الاستسلام بإرادة النصر، سننتصر. أعرف ان كثراً سيبتسمون عند قراءة هذا الكلام، وسيعتبرونه ضرباً من الجنون والغباء السياسي. ولكنني أعتقد أن حال العرب اليوم هو الجنون بعينه. إنني لست مفكراً ولا سياسياً. أنا مجرد مواطن عربي يؤلمه الواقع العربي السيئ، وأعرف ان المشروع الذي أعرضه يحتاج الى الجدل والنقاش والأخذ والرد. فأين أنتم أيها المفكرون والكتّاب والساسة؟ اننا أصبحنا لا نجرؤ على الكلام في زمن الخزي؟ دمشق - الدكتور ياسر العيتي طبيب سوري