ادى اعتقال نائب رئيس الحكومة الصربية - رئيس لجنة الدفاع والأمن في البرلمان مومتشيلو بيريشيتش، الى تصاعد المواجهات الكلامية بين الفئات السياسية في صربيا، انطلاقاً من الصراع المحتدم بينها على السلطة وعلاقاتها الدولية، فيما وصف المراقبون اخلاء سبيله بأنه اتباع للمبدأ الأميركي في البلقان "المصالح الأميركية فوق متطلبات العدالة". واصل الرئيس فويسلاف كوشتونيتسا، مدعوماً من الجيش والفئات القومية والراديكالية والاشتراكية، تأكيده على ان عملية اعتقال بيريشيتش وزملائه "تمت برمتها بحسب القانون وضرورات الأمن الوطني". ونقل تلفزيون بلغراد عنه امس، تأكيده لما اعلنه سابقاً عن استعداده "لكشف الحقيقة بكاملها والوقائع على اساس ادلتها"، مشيراً الى انه سيدعو مجلس الدفاع الأعلى "الى توضيح كل ما يتعلق بالقضية". وأضاف ان "اي سلطة مخلصة لبلدها، لا يمكن ان تسمح لأحد بكشف معلومات وطنية سرية للأجانب". من جانبه، افاد رئيس اركان الجيش الجنرال نيبويشا بافكوفيتش، ان لدى القيادة العسكرية "وثائق تؤكد الانتهاكات الخطيرة والأضرار الجسيمة التي ألحلقها الجنرال المتقاعد بيريشيتش حين كان رئيساً للأركان، وستقدم للمحكمة العسكرية". وأضاف ان الجنرال ميودراغ سيكوليتش، الذي اعتقل مع بيريشيتش ويوفر موقعه العسكري له الاطلاع على أرشيف الجيش "سرق وثائق سرية مهمة عن الأمن الوطني وسلمها الى بيريشيتش الذي قدمها بدوره الى جهة اجنبية، ما يشكل عملاً تجسسياً من كليهما". وأكد الجنرال بافكوفيتش، ان النظر في القضية سيتواصل في المحكمة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع "وأن عقوبة هذا التجسس بحسب القانون هي بحدود خمس سنوات". وتردد في بلغراد ان ميلوشيفيتش عزل بيريشيتش من رئاسة اركان الجيش وأحاله على التقاعد بعدما علم بتسريبه معلومات عسكرية، لكنه آثر عدم محاكمته لسببين: الأول كي لا يحدث مشكلات داخل الجيش حيث ان بيريشيتش لم يكن خالياً من المؤيدين، وثانياً، تجنب المحاكمة التي يمكن ان تستغلها الدول الغربية ووسائلها الإعلامية في اثارة ضجة وجعل بيريشيتش بطلاً عسكرياً ديموقراطياً. كما ظهر تساؤل في بلغراد عن سبب عدم اتهام بيريشيتش من جانب محكمة لاهاي في شأن حوادث البوسنة التي يحاكم ميلوشيفيتش بخصوصها، إذ كان رئيساً لأركان الجيش اثناء الحرب البوسنية، وأن صرف النظر عن بيريشيتش لا بد ان يكون لأسباب اميركية. ورد رئيس الحكومة الصربية زوران جينجيتش على تصريحات كوشتونيتسا ورئيس اركان الجيش، بأن الاعتقال "لم يكن صحيحاً، لأنه لم يراع القانون، خصوصاً ما يتعلق بشخص ديبلوماسي ومنعه من الاتصال بسفارته". وأضاف، ان "عدداً من العسكريين المعروفين باتجاهاتهم، تلاعبوا بسمعة البلاد، فأساؤوا إليها دولياً". ويتردد في بلغراد ان غالبية الشخصيات في "الحزب الديموقراطي" بزعامة جينجيتش وأحزاب "الحركة الديموقراطية الصربية" الحاكمة المعروفة بموالاتها للغرب، باستثناء "الحزب الديموقراطي الصربي" بقيادة كوشتونيتسا، تتلقى اموالاً من جهات اميركية ودول غربية اخرى، وتسجلها بأنها مساعدات وهدايا واردة من منظمات صربية في الخارج، وتؤكد الأحزاب القومية ان هذه الأموال "لا يمكن ان تكون من دون ثمن مقابل". ويذكر ان الإدارة الأميركية كانت تصرف حوالى 15 مليون دولار سنوياً الى المعارضة الصربية اثناء حكم ميلوشيفيتش، وليس معلوماً ما حصل لتلك المنح حالياً، هل هي مستمرة بأشكال سرية ام انها توقفت؟ وليس خافياً ان الأجهزة الاستخباراتية الأميركية متوغلة في مجالات الحكم في منطقة البلقان بذرائع مختلفة، سواء برضا حكوماتها، أو رغماً عنها، وأنها في صربيا وصلت الى ذلك من خلال حكومة جينجيتش، وأن الأميركيين من موظفي السفارة وغيرهم، يتجولون في انحاء صربيا ويتصلون على هواهم بمن يشاؤون بكل حرية. لكن يبدو ان الجيش بحفاظه على قيادته القديمة وموقف الرئيس كوشتونيتسا، لم يسمحا بالولوج الأميركي فيه "ما تطلب استخدام عملاء للوصول الى وثائقه وأسراره". وبحسب صحيفة "غلاس يافنوستي" الصادرة في بلغراد امس، فإن الديبلوماسي الأميركي جون ديفيد نيبور، الذي جرى اعتقاله مع بيريشيتش، مطّلع بشكل جيد على اوضاع يوغوسلافيا التي جاء إليها بشكل داعية لطائفة "كنيسة بينتيكوستالنا" عام 1980 وعمل سنوات طويلة في كرواتيا والبوسنة وكوسوفو، ثم انتقل موظفاً في السفارة الأميركية في بلغراد التي عمل فيها حتى إغلاقها عند بدء غارات حلف شمال الأطلسي، وعاد الى السفارة سكرتيراً اول بعد الإطاحة بميلوشيفيتش وإعادة فتح السفارة الأميركية. وساد الاعتقاد في بلغراد، ان اخلاء سبيل بيريشيتش وزملائه، تم رغماً عن إرادة الرئيس كوشتونيتسا، القائد الأعلى للجيش، اذ اضطر للرضوخ الى الضغوط الأميركية والأوروبية، التي وصلت حد التهديد "بعودة المشكلات الى جنوب صربيا والجبل الأسود ودعم الألبان في استقلال كوسوفو".