تتعدد الأحداث والمواقف التي تثير مشاعر الحزن والأسى لدى الإنسان، كما تتعدد أشكال استقبال الإنسان لها. والتعبير عن الحزن كان أحد موضوعات الفنون الإسلامية عبر التاريخ. وعن هذا الموضوع أعدت الدكتورة منى محمد بدر الأستاذة المساعدة في قسم الآثار الإسلامية في كلية الآثار في جامعة القاهرة - فرع الفيوم، دراسة تناولت فيها الأشكال والمظاهر التي تم استخدامها للتعبير عن الحزن في الفنون الإسلامية. ذكرت الباحثة أن أصداء الحزن والرثاء في الفنون الإسلامية تجلت في بناء الأضرحة الضخمة ذات الثراء الزخرفي والنقوش الكتابية عن حادث الوفاة، وهو ما يتجلى في كتابات بعض الفنون التطبيقية كالمعادن والزجاج والنسيج. وأشارت الى أن أكثر الفنون الإسلامية تعبيراً عن الحزن والرثاء تمثلت في المخطوطات والمنحوتات الإسلامية، وخصوصاً التوابيت والتراكيب الرخامية ذات الزخارف والشواهد الكتابية. وقالت انه على رغم أن المخطوطات تبرز مظاهر الحزن - كما ذكرتها المصادر المعاصرة - إلا أن التراكيب الرخامية بزخارفها وكتاباتها توضح مدى ثبات الإنسان المسلم ورضائه بقضاء الله تعالى، بل وإيمانه بأنه يهيئ لنفسه مرقداً جميلاً ينتظر فيه حساب الله في الآخرة. ثم عرضت مظاهر الحزن المبالغ فيها في الفنون الإسلامية عبر العصور. ففي العصور الإسلامية الوسطى كان يتم الإعلان عن خبر الوفاة في مآذن المساجد اذا كان المتوفى من علية القوم ثم تتعالى صيحات النساء بما يعرف "الولولة ولطم الخدود والصراخ" مع ارتداء ألوان الحداد المتعارف عليها في كل بلد إسلامي. وكان يتم ايضاً استدعاء النائحات المأجورات الندابات المدربات على العويل والبكاء، وكن ينشدن بنغمة بكائية حزينة ويرتدين ثياباً زرقاً طويلة وحجباً بيضاً ورؤوسهن معصوبة بنوع من الخمار الداكن أو الأسود حتى لا يتمكن المرء من كشف زيف بكائهن. أما "النياح" فقد عرف في مصر في عصور الولاة والطولونيين والأخشيديين والفاطميين وحتى الآن، ما يدل على أن بعض العادات والتقاليد كانت ذات قوة في الواقع الاجتماعي ويصعب التخلص منها، اضافة الى أن استمرار هذه العادة لم يكن يعني الاعتراض على مشيئة الله وإنما كان نوعاً من أنواع التعبير عن مكانة المتوفى في نفوس أهله. وأوضحت الباحثة أن عادة الندب انتقلت من مصر إلى دول إسلامية أخرى، وتجلت في حلب في بلاد الشام. وانتقلت أيضاً الى المغول، وهو ما يظهر في صور المخطوطات الإسلامية مثل تصوير وفاة ايفاخان احد سلاطين المغول في الهند، في حين لم تظهر الندابات في القسطنطينية. أما التعبير عن الحزن لدى أهل الشام فتمثل في كسر إناء خزفي على باب البيت عقب خروج النعش بالمتوفى اعتقاداً بأن هذا العمل يحول دون إلحاق احد من أهل المتوفى به. وهو تقليد يوناني أدخله الصليبيون الى بلاد الشام. أما التعبير عن الحزن والأسى عند الرجال فتمثّل في إطلاق الشعور واللحى وارتداء ألوان الحداد. ولدى المبالغة في الحزن يقومون بضرب رؤوسهم حتى تسيل منها الدماء. وعن الصورة التي كان عليها النعش ذكرت الباحثة أنه قد يكون تابوتاً من الخشب أو توضع الجثة في قفة كما وضعت جثة شجرة الدر، ويطلق على التابوت اسم "كُلية" اذا كان مصنوعاً من الخشب المبطن بالرصاص. ويغطى التابوت بقماش مطرز من الديباج أو بخشانة زركش أو شال أو ملاءة وذلك بحسب درجة ثراء المتوفى، مع وضع عمامة على النعش اذا كان المتوفى رجلاً وحلي وجدائل اذا كانت سيدة، وإذا كان المتوفى من الصوفية يغطى تابوته بمرقعة الفقراء أو الصوفية. أما الأشكال التي كانت عليها الجنازات فتتمثل في الجنازة العسكرية اذا كان المتوفى من الملوك أو امراء الطبقة العسكرية الحاكمة مثل جنازة الأمير عز الدين أيبك أمير جاندار 695 ه، أو جنازة الصوفية التي تتقدمها أعلام الطريقة الصوفية التي كان يتبعها المتوفى في حياته، أو جنازة العامة. ويسبق خروج النعش مباشرة إخراج الكفارة أو الرحمة المتمثلة في خبز أو تمر أو غنم. وأشارت الباحثة الى أن كثيراً ما يتحول ضريح المتوفى اذا كان من علية القوم الى متحف مثل ضريح الصالح نجم الدين أيوب وقلاوون، وتيمورلنك الذي نشرت اقمشته المزركشة والمرصعة بالجواهر على قبره، كما تم تعليق سلاحه وأمتعته وقناديل من الذهب والفضة على جدران قبره. وأوضحت الباحثة أن البلاد الإسلامية لم تلتزم ارتداء لون محدد للتعبير عن الحزن والحداد وانحصر ذلك في لونين اساسيين هما الابيض وبخاصة عند أهل المغرب، والاسود الذي ارتداه العباسيون حداداً على مقتل مروان إبراهيم محمد، وظل هذا اللون موجوداً في كثير من البلدان الإسلامية وخصوصاً في مصر حتى الآن.