النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    "موديز" ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "aa3"    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الأخدود والشباب    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحت على الحجارة والحصى وحفر على الخشب كيف أبدع العرب في الفنون الاسلامية "الدقيقة" إبان العصر الفاطمي؟
نشر في الحياة يوم 01 - 01 - 2002

قد لا يختلف اثنان على غنى العصر الفاطمي بالفنون الدقيقة التي تركت أثرها على الفنون الإسلامية في شكل عام. في هذه المقالة عرض لجوانب من تلك الفنون كالنحت على الحجارة والحصى والحفر على الخشب وصناعة المحاريب أو القبريات.
يمتاز العصر الفاطمي بثروة من الزخارف الحجرية والحصوية المنحوتة التي لم يدثرها الزمن، بل ظلت حتى يومنا هذا... وتتميز زخارف هذا العصر بأنها اتبعت الأساليب التي وضعت أصولها في العصر الأموي وتطورت في العصر العباسي والفاطمي في مصر. وفي هذا العصر اتسعت مساحة الزخارف لتمكِّن الفنانين من مد تفريعات أعمالهم في اتجاهات مختلفة ساعدت على تغطية المسطحات المستخدمة بمساحات كبيرة من الزينة، كما تراكمت الزخارف وكُثِّفت حتى كادت تحجب الأرضية تماماً.
والظاهرة الواضحة في المنشآت الفاطمية عموماً، هي استخدام الحجر المنقوش بمقادير كبيرة، وبخاصة في واجهات المساجد التي يرجع الميل الى استخدامها بكثرة الى الطراز المغربي الذي كان يعتمد على البناء بالحجر. كما ظهر الميل الى اظهار فخامة الواجهات، فملئت واجهات المساجد الفاطمية بالزخارف والحنايا والبروزات المشكَّلة بالزخارف الهندسية والنباتية والكتابة المنحوتة نحتاً بارزاً. وأجمل ما ظهر في العصر الفاطمي الوردة البديعة في جامع الأقمر، المنحوتة بأسلوب التفريغ الذي يدل على دقة ومهارة كبيرتين. ووجدت قطعة من الرخام تمثل نحتاً غائراً دقيقاً على شكل أسد زاحف على مهل، وأظهر النحت العميق تفاصيل الجسم والمعرفة والذنب والأقدام. وتعود أهمية هذه القطعة الى انها مثال لأسلوب الحفر العميق الذي اتُّبع في العصر الفاطمي الذي تلاشى بعد ذلك وتحول الى الحفر غير العميق.
وأقدم المباني الفاطمية في مصر هو الجامع الأزهر، الذي ملأت نقوشه وزخارفه جدران القبلة بأشكال متنوعة من زخارف المراوح النخيلية. والتطور الجديد في الزخارف النباتية هو تفرّع السيقان في اتجاهين يمتد كل منهما منحنياً ومستديراً ومتقاطعاً، حاملاً أوراقه الزخرفية مستقلاً عن الفرع الآخر، وان كان متناسقاً في امتداده الزخرفي مع الفرع الآخر، بحيث يكوِّنان معاً شكلاً متكاملاً متآلفاًَ متناسقاً. أما جدران عقود المسجد فجاءت مليئة بالتوريقات والتفريعات التي تماثل ما هو موجود على واجهة القبة.
وفي هذا العصر انتشرت الكتابة الكوفية التي تنتهي أطراف حروفها بالتوريقات، والتي بدأ ظهورها في العصر الطولوني وأطلق عليها اسم الخط الكوفي المورق والمزهر. كما تطور فن الزخرفة بهذا الخط اذ ابتكر الفنانون أسلوب تشابك حروف الخط الكوفي بطريقة أخرجت منه زخارف هندسية بديعة على قاعدة من التوريقات الأرابيسك، فأحياناً تكوِّن الخطوط المستقيمة والمائلة والمتقاطعة أشكالاً مستطيلة أو مربعة، في داخلها تقاطعات هندسية فنية بديعة أو تتقابل الخطوط وتتقاطع مع بعض الانكسارات فيها فتكوِّن أشكالاً دائرية تتداخل الخطوط فيها مكوِّنة شكل نجمة مضلعة. وظهرت هذه النجوم في زخارف الخطوط تدريجاً، كذلك زخرفت جدران مساجد الحاكم والأقمر والصالح طلائع، وحصرت الزخارف النباتية والكتابية في أشرطة من الجص بحسب التقاليد المتبعة في المنشآت الفاطمية.
أما محراب مسجدي الجيوشي والصالح طلائع فقد جاء مسطحاً وليس مجوفاً وتحدّه الأعمدة من جانبيه، وحول محيط المحراب اطار زخرفي، كما ان حائطه زاخر بالزخارف النباتية والتوريقات المتطورة من العصر الأموي. وأفضل أمثلة الجص المفرّغ هي نوافذ مسجد الصالح طلائع 555ه.
وكانت زخارف ونقوش جامع الأولياء، الذي بنته الملكة تغريد، مطلية بمختلف الألوان. ولم تقتصر هذه الزخارف على المساجد، بل وجدت في القصور والدور والحمامات وسائر العمائر التي كانت تغطي جدرانها بالجص.
وفي متحف الفن الإسلامي في القاهرة عنصر معماري من الجص، مسجل تحت الرقم 12880، يمثل جنية ذات عقد مدبب عليه موضوع تصويري منفذ بالألوان المائية وبالأسلوب المعروف باسم "الفريسكو" الأسود والأحمر على أرضية بيضاء. ويمثل الرسم شخصية مهمة، ربما تكون أميراً في وضع جلوس جانبي، على رأسه عمامة كبيرة، وحول الرأس هالة تنم عن أهميته، وهو يرتدي ثوباً مزخرفاً بأوراق نباتية محوَّرة، ويحمل في يده اليمنى كأساً، بينما يمر شريط من تحت إبطيه. ويحيط بالرسم عقد من الحبات المستديرة. ويشبه الرسم الجداري الفريسكو تلك الرسوم الجدارية التي وجدت في سامراء في العراق، كما يشبه الرسوم الجدارية في العصر القبطي. وهذا العنصر المعماري جزء من أحد الحمامات الفاطمية التي اكتشفت في الفسطاط جنوب القاهرة أثناء أعمال التنقيب العام 1932.
وفي المتحف أيضاً عنصر معماري آخر من الجص، مسجل تحت الرقم 12882، يمثل حَنِيَّة على شكل عقد مدبب، عليه موضوع تصويري منفذ بالألوان المائية بالأسود على أرضية بيضاء. ويمثل الرسم حمامتين متقابلتين منفذتين بأسلوب قريب من الطبيعة، بينهما زخرفة نباتية خطية محورة داخل جامة على شكل قلب تخرج منه ورقة نباتية ثلاثية محورة.
الحفر على الخشب
من جانب آخر يحتفظ متحف الفن الإسلامي بمقدار كبير من القطع الخشبية التي تعود الى القصر الغربي الصغير، الذي بناه الخليفة العزيز بالله الفاطمي، وتعتبر هذه القطع نماذج للزخارف المحفورة على الخشب، والتي تشبه تلك المتبعة في الحفر على الجص، ومحفورة حفراً مشطوفاً. وتدلّ جميع هذه الزخارف على أنها وأسلوب حفرها لم تتأثَّرا بالأسلوب المغربي. ويضم المتحف باباً خشبياً بمصراعين من الجامع الأزهر، مسجلاً تحت الرقم 551، تدل زخارفه على أنه يشبه أسلوب الحفر على الخشب في العصر الطولوني، وان كان الحفر في العصر الفاطمي قد زاد عمقاً. وتدل الكتابة المحفورة على هذا الباب، الى انه باب جديد صنع خصيصاً للمسجد عند اعادة تعميره في عهد الحاكم بأمر الله. وأنه هو الذي أمر بإعداده.
وظهر تطور جديد في الحفر على الخشب، أبرز قدرة الفنان على اخفاء العرانيس بعمل حشوات متعددة الأضلاع. وهذه الحشوات أو الأربطة مزخرفة بتفريعات نباتية محفورة شبيهة بتلك الزخاف الجصية التي نقشت على جدران المساجد. ويحتوي كل رباط أو حشوة على تعبيرات زخرفية منفصلة. واستخدمت هذه الطريقة في عوارض السقوف وألواح الأفاريز والأبواب والمنابر والمحاريب، ويُلاحظ فيها تناسق امتداد والتفاف الأفرع النباتية وتوريقاتها الى درجة تبدو معها تقسيمات المساحة الزخرفية متساوية.
وفي المتحف، نموذج لذلك التطور الزخرفي في العصر الفاطمي، يتمثل في تفصيل زخرفي لأحد ألواح الخشب، مسجل تحت الرقم 3471، يكسو جدران ضريح السلطان المملوكي قلاوون الذي بني في شارع المعز في حي النحاسين في القاهرة 1284 - 1285م، على موقع القصر الفاطمي الغربي، وتبين هذه الألواح الخشبية نضج أساليب الحفر في تنفيذ الزخارف النباتية، واختفاء أساليب الزخرفة الطولونية. كما تُظهر نضج تنفيذ رسوم الحيوانات والطيور والأشكال الآدمية وقربها من الطبيعة الى حدٍّ كبير.
وتضم هذه الألواح، التي عرفت باسم ألواح قلاوون، موضوعات زخرفية متنوعة لأشكال آدمية في أوضاع صيد وموسيقى ورقص وطرب، وكلها موضوعات مستمدة من مظاهر الحياة اليومية المعتادة في بلاط الخليفة الفاطمي. ويدل أسلوب حفر وتنفيذ الزخارف الى المستوى الراقي الذي وصل اليه النحت على الخشب في العصر الفاطمي. وأظهرت المنتجات درجة كبيرة من الاتقان، لجهة استخدام الرسوم الحيوانية كعناصر زخرفية، كانت تتم على مستويين مختلفين وهو أسلوب يدل الى مقدرة الفنان ومهارته، وهي تمثل المرحلة الثانية من زخارف الأخشاب الفاطمية التي تغطي فترة حكم الخليفتين الظاهر والمستنصر.
وعلى رغم ان الألواح فاطمية المنشأ، إلا أنه عثر عليها مستخدمة في كسوة جدران ضريح قلاوون، وكانت الرسوم والموضوعات التصويرية الى الداخل، في مواجهة الجدران، والأسطح الملساء الى الخارج، نظراً لما عرف عن المماليك من كراهية استخدام الصور والرسوم في المباني ذات الطبيعة الدينية.
الى ذلك، يضم متحف الفن الإسلامي تفصيلاً زخرفياً على افريز طويل من الخشب من ألواح قلاوون، مسجل تحت الرقم 4063، يصور فارسين يتدربان على أعمال الحرب والفروسية، وبيدي كل منهما درع وسيف في حركة طبيعية على أرضية نباتية محورة.
وفي هذا العصر وصل النحاوون الى درجة عالية من الاتقان والتمكن، وغاصوا بأزاميلهم في أعماق مادة الخشب الجامدة وطوعوها حتى صارت بين أيديهم شديدة الليونة، معبرين عن روح الصوفية والإيمان العميق بالديمومة الإلهية.
ولم تقف زخرفة الخشب عند حد الزخرفة النباتية، التي كانت تشكل أحياناً موضوع الزخرفة، بل ظهرت الى جانبها في العصر الفاطمى زخرفة الحيوان والطير والشخوص، التي شاعت وكان لها تأثيرها الشديد على زخارف العصر المملوكي.
ويوضح تأثير الزخارف الآدمية والحيوانية الفاطمية، على الزخارف في العصر المملوكي، وجود الأفاريز الخشبية الكبيرة التي كانت تزين جدران القصر الغربي الصغير في بيمارستان قلاوون. وتحتوي هذه الألواح الخشبية والأبواب والأفاريز على زخارف محفورة بعمق لموضوعات تمثل مجالس اللهو والطرب والشراب.
ومن الملاحظ ان كل موضوع تشخيصي أو حيواني كانت تحيط به الزخارف النباتية لإظهار موضوع الرسم. وكانت هذه الزخارف تبدو كما لو كانت في خلفية الصورة، كما أصبحت من تقاليد الزخارف الحيوانية والنباتية أن تمسك الحيوانات بأفواهها أو خياشيمها أو مناقيرها فروعاً نباتية، حتى أصبحت هذه العلامة إحدى ميزات زخارف العصر الفاطمي.
وفي متحف الفن الإسلامي أمثلة لمحفورات خشبية ومنها لوحة زخرفية مستطيلة، مسجلة تحت الرقم 4062، يبدو انها كانت جزءاً من لوح أكبر، ما تبقى عليها من موضوع تصويري منفذ بأكمله بالحفر البارز، قوامه غزال يجري في اتجاه اليسار وفي فمه ورقة نباتية محورة، يقابله الجزء الأمامي من غزال آخر يجري في اتجاه اليمين غزالان متقابلان تفصل بينهما وحدة زخرفية على شكل شجرة تخرج منها فروع محوَّرة داخل شبه دائرة.
ويوجد في المتحف افريز مستطيل من الخشب، مسجل تحت الرقم 4061، عليه زخرفة منفذة بالحفر البارز مثل غزالين يعدوان في اتجاه عكسي وظهر كل منهما الى الآخر، وفي الفم ورقة نباتية محورة. ورسم الغزال قريب من الطبيعة، تظهر فيه بعض التفاصيل التشريحية التي ميَّزت الأشكال الحية في الفن الفاطمي. ورسم الغزالان على أرضية من الأوراق والفروع النباتية المحورة، وبينهما ورقة نباتية كبيرة محورة، داخل جامة على شكل قلب. وهو أسلوب في الزخرفة عرف في فنون العصر الطولوني 870 - 905م.
ويغلب على الظن ان الكنائس المصرية في العصر الفاطمي كانت تزين بالأسلوب نفسه. ونرى على حشوات حجاب هيكل كنيسة الست باربارة، المحفوظ في المتحف القبطي، زخارف نباتية وآدمية وحيوانية. وهذه الزخارف، تبعاً للأسلوب الفاطمي، تخرج تفريعاتها النباتية من القاعدة ثم تندمج فيها، وتتداخل رسوم الشخوص والطير والحيوان. وليس هناك شك في أن صنَّاع هذه الزخارف كانوا من الأقباط الذين ما زالوا متأثرين بتقاليدهم، مع تطور الزخارف الإسلامية. وفي المتحف القبطي قطعة من الخشب عليها بالحفر رسم لصياد يصوب سهمه لاصطياد غزال. وواضح من هذه القطعة اتباع الفنان للتقاليد القبطية الموروثة مع استخدام أساليب الزخرفة والرسم السائدة في عصره.
وفي متحف الفن الإسلامي باب خشبي يعود لكنيسة الست باربارة في مصر القديمة، الحيوانات والطيور والشخوص وطُليت بالألوان الزاهية. وكانت هذه الرسوم تشبه الرسوم والزخارف التي زينت جدران القصور الفاطمية. وفي أعلى جدران الكنيسة رسم لموضوعات أسطورية عن حواء وآدم وسيدنا ابراهيم واسماعيل الذبيح والطوفان وغيرها... ويذهب ارنست كونل الى ان السقف بأكمله صناعة اسلامية عربية خالصة أوصى بعملها الملك روجر الثاني لكنيسة قصره، كما ان بها اثنين وسبعين عموداً، مزخرفة جميعها بالفسيفساء، ولا يشبه أحدها الآخر.
كذلك، يضم المتحف الإسلامي حشوة زخرفية صغيرة مستطيلة من الخشب، مسجلة تحت الرقم 19973، عليها موضوع تصويري منفذ بالحفر البارز، يمثل رجلاً في القسم العلوي من اللوحة، يعزف على آلة موسيقية وهو يمشي في اتجاه اليمين، يرتدي لباساً يكشف عن ساقيه، وعليه زخارف خطية بسيطة منفذة بالحفر البسيط، بينما الأرضية مزخرفة بفروع وأوراق نباتية محورة. وعلى الجزء السفلي من اللوحة رسم حيوان خرافي مجنَّح، استخدم بكثرة في الموضوعات الزخرفية الفاطمية، ويعتبر آخر ملامح الفنون الكلاسيكية المتأخرة في الفن الإسلامي، إذ اننا لا نكاد نرى الحيوان المجنح في زخارف ما بعد العصر الفاطمي في مصر.
المحاريب والقبريات
وكان المسلمون الشيعة يستخدمون في العصر الفاطمي محاريب صغيرة لوضع الجباه عليها عند السجود. وكان معظم هذه المحاريب يعلق بخيط في رقبة أصحابها أو توضع في الجيب وتستخدم عند الصلاة، وتوضع تحت رأس صاحبها عند دفنه بعد الوفاة. وقد عثر على الكثير منها في مقابر الفسطاط موضوعة تحت رأس المتوفى. ولهذا أطلق بعضهم عليها اسم "قبرية"، ويطلق عليها لدى الشيعة في لبنان "السجدة". ومنها في متحف الفن الإسلامي محراب صغير من الخشب قبرية، مسجل تحت الرقم 15552، مستطيل مدبب من أعلاه، وعلى الحافة الخارجية للوجه كتابة بارزة بالخط الكوفي تقرأ:
"بسم الله الرحمن الرحيم محمد وعلي والحسن والحسين وعلي/ ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحُجَّة العالم".
وعلى الجانبين عند قاعدة الدائرة على اليمين اسم محمد، وعلى اليسار اسم علي. وعلى الحواف الخارجية تظهر القبرية شريطاً من زخرفة نباتية محورة منفذة بالحفر وهو يرجع الى العصر الفاطمي، تزخرفه ثماني حشوات مستطيلة متماثلة في كل من المصراعين. في الحشوة العلوية منظر صيَّاد على جواده يمسك بازاً ناشراً جناحيه، وأسفله رسم غزالين. وفي الثانية منظر لصراع بين أسد وصيَّاد، يعلوه رسم لغزالين. وفي الثالثة رسم لطاووسين متواجهين يليهما وعلان متدابران ورأساهما متقابلان. وفي أسفل الحشوة زهرة تخرج منها الأفرع النباتية المكوِّنة لأرضية الرسوم. وتمثل الحشوة الرابعة غزالتين أسفلهما رسم لحيوان مفترس ينقضّ على غزال، ثم طائران متدابران ورأساهما متقابلان. وجميع الرسوم على أرضية من أفرع نباتية دقيقة. وفي تفاصيل الحشوة الثانية من أعلى الباب المذكور يظهر رسم لغزالتين، في فم كل منهما ورقة نباتية، يليهما من أسفل منظر صراع بين أسد وصيَّاد على خلفية من التفريعات... والتوريقات محفورة بعمق لإبراز الزخارف والأشكال، وبالأسلوب لمشطوف لإظهار تفاصيل التوريقات وأعضاء الحيوان والصياد.
ولم تكن الأساليب المتبعة في الحفر على الخشب في العصر الفاطمي وقفاَ على مصر وحدها، فقد انتشرت الزخارف الفاطمية وتعبيراتها وأساليبها في سورية، التي كانت زخارفها الخشبية المحفورة لا تقلّ في مستواها عن الانتاج المصري، وأمثلة محفورات سورية الخشبية تبدو واضحة بدقتها في منبر جامع الخليل، وكان قد صنع في عسقلان، وزخارفه تتكوَّن من التفريعات والتوريقات النباتية دقيقة الحفر. كما صنعت سورية منبراً جميلاً وضع في الجامع العمري في "قوص"، ولا تختلف زخارفه وأساليبه عن مثيلاتها الفاطمية. ويمثل طراز الحفر على الخشب في العصر الفاطمي باب كنيسة الماراثونا في بالرمو في ايطاليا، فزخارف حشواته النباتية والحيوانية والآدمية انما هي امتداد لهذه الزخارف انتقلت الى صقلية في عهد الفاطميين فيها، وحتى بعد انحسار سلطانهم عنها وسيادة النورمان عليها، فالملك روجر الثاني أوصى بتزيين سقف كنيسة "الكلابيلابالاتينا"، وقام الأسرى المسلمون بزخرفتها بحسب الطرز الفاطمية، واستخدموا المقرنصات المتعددة الطبقات في قبو الرواق الأوسط، وجعلوا سقفها اقساماً نجمية محفورة حفراً غائراً، مثمنة الأضلاع كالنجمة الفاطمية. وزُخرفت المسطحات التي بين النقوش النجمية بالكتابة عن التوريقات النباتية الأرابسك.
وبلغ فن الزخرفة النباتية على محراب السيدة رقية في أواخر العصر الفاطمي قمة جماله، فقد ابتكر فنانو هذا العصر ما يسمى ب"زخرفة قرون الرخاء"، وهي زهريات على شكل القرون تخرج منها ساق نباتية تتفرع في اتجاهين، ينتهي كل واحد بما يشبه القرن الذي تخرج منه ساقان، كل منهما تمتد وتتفرع في شكل دائرة حلزونية وتنتهي في وسطها بورقة مروحية أو زهرة أو ورقة مفصصة أو ثمرة، ويمتد الفرع الأصلي لينتهي بقرن يخرج منه فرعان، وهكذا. وبتكرار هذه الوحدة الزخرفية يمكن امتداد السيقان وفروعها وتغطية مساحات كبرى بالزخرفة النباتية الجميلة، كما ظهر على السيقان عقد يشبه ذلك الذي اتبع في الزخارف النباتية على الخزف. ويعتبر هذا التطور الزخرفي للتفريعات والتوريقات المنبثقة من قرون الرخاء خير دليل على المهارة وعمق الفن والإحساس بالجمال الذي تمتَّع به فنانو العصر الفاطمي.
* كاتب فلسطيني مقيم في أبو ظبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.