لم يعد غريباً أن يقام في باريس مثلاً معرض للأزياء تقيمه إحدى الجهات الاسرائيلية أو المنظمات الصهيونية وتدّعي أنه من التراث العبري، في حين تكون هذه الأزياء مسروقة من الأزياء العربية الفلسطينية الأصيلة والتي تعود حتى الى أيام الكنعانيين. ولعل فضيحة سرقة "ثوب القدس" العربي الشهير من قبل الاسرائيليين والإعلان عنه أنه ثوب من التراث العبري لا تزال ماثلة الى الآن بعد أن كشفت في الصحف. الى جانب هذا نرى أن الكثير من الأزياء التي تملأ واجهات المحلات في الأسواق الغربية هي عربية الأصل والجذور. في هذا المجال تقول الباحثة اللبنانية أمل مرعي في دراسة بعنوان "أزياؤنا العربية تعود إلينا أجنبية": "يعمد كبار مصممي دور الأزياء في العالم، في كثير من المواسم الى اعتماد الخطوط الأساسية للأزياء العربية في وضع تصاميمهم الحديثة التي يغزون بها العالم، في حين نحجم، نحن العرب، عن هذه المهمة باللهاث وراء صرعات الأزياء المستوردة، من دون محاولة استلهام أزيائنا الأصلية في التصاميم الحديثة. ثم تدعو هذه الباحثة للعودة الى اصالة التراث العربي وتدعم دعوتها بمعرض للأزياء العربية وخصوصاص اللبنانية، أقامته عام 1986. وأمل مرعي، واحدة من نساء عربيات عدة يحققن منذ سنين مهمة رائدة على المستوى العربي في جمع ونقل وتوثيق وحفظ وتطوير الأزياء العربية، التي ارتبطت تاريخياً بالمرأة وكانت ولا تزال، جزءاً مهماً من شخصيتها، وحضورها، وأناقتها، وحتى أحلامها. نبدأ جولتنا من مصر... في قرية صغيرة من قرى الجيزة اسمها "الحرانية" حيث يوجد أحد المتاحف الشعبية النادرة في الوطن العربي أقامته الفنانة رعاية النمر بجهدها الخاص، ونسقت بداخله مجموعة كبيرة ومتميزة من الأزياء العربية الشائعة في واحات مصر وصحرائها، وعدد من الأقطار العربية مثل: تونس، والعراق، واليمن، والجزائر، والمغرب، والسودان، وفلسطين. واعتمدت في التصميم والعرض والتوثيق أسلوباً علمياً متطوراً بإشراف عدد من الخبراء، وبالتعاون مع زوجها الفنان "أبو العينين" وتقول الفنانة رعاية إنها أمضت سنين طويلة في جمع وإعداد هذه الأزياء، فالأزياء الشعبية العربية تحتاج الى جهد كبير بسبب دقتها وتنوع ألوانها المبهجة، وما تحتاج من تطريزات وحلى وعملات معدنية، أو ترتر وأزرار، كما نجد أن أكثر الملابس التي تخرج بها النساء العربيات من الدار، باستثناء نساء المغرب العربي، هي من اللون الأسود، وهذا يتطلب تركيزاً خاصاً على هذا اللون. وتتحدث عن الأزياء الشعبية في مصر فتقول: إن هذه الأزياء تتأثر بالبيئة تأثراً مباشراً، فملابس بدو الصحراء صوفية لأنها تصنع من صوف الغنم ووبر الإبل، اضافة الى الجلود. والجو الحار في بلاد النوبة جعل الملابس أخف منها في سيناء حيث الجو صحراوي قاري، وفي سيناء لكل قبيلة ما يميزها في اللبس، ويتركز في لون البرقع ونوعه، وتختلف ملابس المناسبات عن الملابس العادية، كما أن ملابس المرأة المتزوجة تختلف عن ملابس الفتاة العذراء. أما تجربة الفنان "عبدالغني أبو العينين" في هذا المجال، ففيها نوع آخر من التفرد، إذ أصبحت له بصمة واضحة في ميدان تصميم الأزياء لفرق الرقص الشعبي وملابس الأفلام السينمائية، والمسرحيات، وأزياء العاملين في الفنادق الكبرى، وأيضاً بيوت الأزياء المحلية في مصر، ولكن في حدود التطوير للأزياء الشعبية التاريخية، مثل تصميم "الجلابية" و"الشال" وما شابه ذلك. كما امتدت تجربته في هذا المجال الى الاخراج الصحافي، واللوحات الزيتية، ووضع تصميمات ملابس فرق الرقص الشعبي في سلطنة عمان ودولة قطر، والجزائر بالاضافة الى فرق الاقاليم في مصر مثل "فرقة طنطا" و"فرقة بورسعيد" و"الفرقة القومية".. وسبق وأن قام بجولة في جميع الأقطار العربية في رحلات للتسجيل والدراسة والملاحظة، وتوصل، من خلالها، الى الميزات الخاصة لأزياء كل قطر، والميزات المشتركة بين الأقطار العربية، وكان يسجل ملاحظاته بالكلمة والرسم، ثم يعود الى المراجع التاريخية التي تناولت العادات والأزياء، كما قرأ وتأمل دراسات ورسوم المستشرقين الذين عاشوا في المنطقة العربية وسجلوا تفاصيلها، وأصبح لديه أرشيف ضخم للأزياء العربية على امتداد العصور، وقد استوحى من هذه الجولات مثلاً أزياء رقصة أفراح العربي الشهيرة التي يشارك فيها الزي المصري، والسوري، والليبي، والسوداني، والعراقي. وتقول اللبنانية أمل مرعي: "إذا عدنا الى التراث العربي نجد أن ما نرتديه اليوم ليس إلا تطوير لما كان يرتديه اسلافنا منذ مئات السنين، ففي القرن الخامس عشر مثلاً، كانت "الجبة" أو "العباءة" هي اللباس الخاص لجميع النساء العربيات، أما الأميرات في "جبل لبنان" فكن يضعن "التنطور" على رؤوسهن ليميزهن عن عامة الشعب. ومن "الجبة" جاء "الفستان" الذي نرتديه بعد أن أدخل عليه بعض التغيير ليتناسب مع روح العصر ومتطلباته... فأكمام الفستان مثلاً كانت واسعة جداً عند الزند، وهي مفصلة على شكل جرس "كلوش". وكانت السيدات يعمدن الى طي هذه الأكمام عند العمل، ولكن هذا النموذج من الأكمام لم يعد عملياً، لهذا بات اعتماده نادراً، وبصورة خاصة لدى المرأة الأم والمرأة العاملة، وكذلك "البنطال" الواسع و"الصدرية" وغيرها، مما جعل كبار مصممي الأزياء الأوروبية والعالمية يتسابقون الى نقل تصاميم الثياب العربية وتطويرها لتنتشر وتعم مختلف بلاد العالم بما فيها البلاد العربية من دون أن يدري احد أن هذا اللباس هو عربي الأصل، ولكنه غربي الهوية. والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها اعتماد المصمم العالمي "ايف سان لوران" الكشاكش في أكثر تصاميمه، وهذه من ميزات الزي العربي، بالاضافة الى استخدامه قماش "الموسلين" الذي يضفي على المظهر رواء يفتقر اليه اللباس الغربي. وهو ليس الوحيد الذي نقل عن التراث العربي، بل هناك كثيرون من كبار مصممي الأزياء في العالم حذوا حذوه في هذا المجال، وأكثرهم اعتمد الأقمشة العربية، المزركشة منها أو المطبعة. الرسم على القماش الفنانة اللبنانية رضا محمود مصممة الأزياء الشرقية التي تعتمد طريقة الرسم على القماش، تقول: كثر الحديث عن العودة الى التراث العربي... والحديث وحده لا يكفي، فمن حيث المبدأ، كل منها يحمل تراثه في طبيعة سلوكه، وفي التعبير عن هذا السلوك، ولكن المهم كيف يتم هذا التعبير؟. وبالنسبة الى تجربتي: أنا بدأت رسم الزي الشعبي الذي هو محصلة لتراثنا العربي، واعتمدت في الأساس على الخطوط الأساسية لأثواب عرب البادية التي كانت مهد الحضارة، ثم أحاول أن أطور هذه الأزياء بما يلائم روح العصر في دون أن تفقد أصالتها، فأنا أصمم مثلاً العباءات المطرزة، أي المشغولة بالإبرة، والمزركشة، واطبع الرسومات على القماش. توثيق الأزياء في سورية وثمة ثلاث تجارب في مجال توثيق الأزياء العربية في سورية: الأولى، للدكتورة وجيهة عبد الحق مخترعة الآلة الموسيقية الشرقية قيثارة دمشق "بيانو عربي". وقامت هذه الباحثة في السبعينات، بجولات في جميع أقطار الوطن العربي حيث جمعت نماذج متكاملة من جميع الأزياء والحلى والآلات الموسيقية والألحان الفولكلورية العربية، وأقامت معرضاً ضخماً لذلك في قاعة "اليونسكو" بباريس، كان حديث صحافة العالم. والتجربة الثانية لوزارة السياحة السورية التي قامت عام 1986 بتكليف أربعة مصورين فوتوغرافيين بتوثيق الأزياء العربية في كل المحافظات والمناطق السورية من خلال التصوير الفوتوغرافي، وقد بلغ مجموع الصور التي التقطوها خمسة آلاف صورة عرض قسم منها في معرض كبير، اقامته وزارة السياحة في صالة "أورنينا" بدمشق. أما التجربة الثالثة فهي دعوة بدأت في دمشق، وانتقلت الى الكويت، والى الأردن، والامارات العربية، وتتابع جولتها في عواصم عربية أخرى. الدعوة، باختصار، هي للأزياء العربية الأصيلة واستلهام خطوطها في الثياب العصرية للمرأة. وصاحبة الدعوة هي السيدة أميمة الألوسي التي قامت بعمل فردي تعجز عن تحقيقه مؤسسة كاملة، فصنعت نماذج مصغرة لجميع الأزياء الشعبية، وأزياء التراث العربي المعروفة، للرجال والنساء، في جميع أقطار الوطن العربي، في الأرياف والمدن، وصنعت مجسمات صغيرة من الجبس، ألبستها هذه الثياب، ثم عرضتها في معارض عربية متتالية. وعلى رغم اتساع جغرافية الوطن العربي، والاختلاف الظاهري في العادات، فهناك وحدة أصلية في الفنون الشعبية والأزياء العربية. ومن هنا نجد التشابه مثلاً بين بدو العراق وبدو سيناء وبدو المغرب، كما نجد في جميع أقطار الوطن العربي تشابهاً في أزياء سكان الجبال والاودية، وعدد الأردية التي يلبسها الشخص الواحد، كما نجد تشابهاً في ثياب المناسبات، مثل الأعياد والزواج والحج ورمضان إلخ.. ولكل تطريزة دلالاتها باللون والشكل والمكان، وكذلك امر الحلى والتزيينات الاضافية، فهي كلها تحكي أشياء كثيرة دونما كلام، فعصبة الرأس الحريرية أو المقصبة، اذا ما مالت على الجبين تقول إن صاحبتها عازبة، أما الغطاء الحريري، الأسود أو القطني الأبيض، إذا ما عصبته البدوية فوق رأسها، فلكي تقول انها متزوجة. من كتابها "حريم خارج الاسوار"