رفضت محكمة الإستئناف الاسكتلندية المنعقدة في قاعدة كامب زايست، وسط هولندا، الاستئناف الذي قدّمه الليبي عبدالباسط المقرحي ضد الحكم بإدانته بتهمة تفجير طائرة "بان اميركان" فوق بلدة لوكربي يوم 21 كانون الاول ديسمبر 1988. وقال رئيس المحكمة لورد كالين: "خلصنا الى ان اسس الاستئناف غير سليمة. وعلى هذا رفض الاستئناف". ويسدل الحكم الستار على قضية تُعتبر من الأكثر تعقيداً في تاريخ المحاكمات الدولية. إذ استغرق التحضير لها قرابة عشر سنوات، بعدما تخلّت بريطانياوالولاياتالمتحدة عن إصرارهما على إجراء المحاكمة في اسكتلندا، وأدّى ذلك بالتالي الى موافقة ليبيا العام 1999 على تسليم مواطنيها، المقرحي ورفيقه الأمين خليفة فحيمة، للمحاكمة "أمام القضاء الاسكتلندي" في "دولة ثالثة" هولندا. وكان ثلاثة قضاة أشرفوا على المحاكمة الأولى التي جرت أيضاً في كامب زايست وأصدروا حكمهم، في 31 كانون الثاني يناير 2001، بلسجن المؤبد على المقرحي لادانته في التفجير وتبرئة فحيمة. وعاد الأخير فوراً الى بلاده، في حين بقي المقرحي في سجن كامب زايست في انتظار بت طلبه استئناف الإدانة. وبدأ النظر في الاستئناف في 23 كانون الثاني يناير الماضي واستغرق الاستماع للدفوع وللادلة الجديدة 14 يوماً. ولا يزال أمام المقرحي فرصة ثالثة لاستئناف الحكم. إذ يحق له رفع الأمر الى لجنة لمراجعة الأحكام تابعة للحكومة البريطانية في لندن، على أساس المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان. ويخضع القضاء الاسكتلندي، بموجب قانون نقل السلطات في بريطانيا، لحكم اللجنة القانونية في لندن. ويفتح حكم المحكمة أمس الباب أمام الطي النهائي لملف لوكربي واستجابة ليبيا كل متطلبات مجلس الأمن في خصوص الغاء العقوبات المفروضة عليها منذ 1991. ويتطلب ذلك، بحسب التفسير البريطاني والأميركي، دفع تعويضات لذوي الضحايا، وقبول المسؤولية عن تفجير الطائرة، ودفع تكاليف المحاكمة 75 مليون جنيه استرليني. الحكم ولم يظهر على المقرحي الذي كان يرتدي الملابس الليبية التقليدية وغطاء اسود على رأسه، أي رد فعل خلال تلاوة لورد ماكلين، رئيس المحكمة المؤلفة من خمسة قضاة، قرار رفض الاستئناف وتثبيت الإدانة التي قضت عليه بالسجن المؤبد، اي بما لا يقل عن 20 سنة. لكن زوجته التي كانت جالسة في الصفوف الخلفية انطلقت بالصراخ واُغمي عليها قبل نقلها الى خارج المحكمة. وذُكر انه سُمح لها بلقاء زوجها قبل نقله، أمس، الى سجن "برليني" في اسكتلندا حيث سيقضي فترة عقوبته في زنزانة يطلق عليها اسم "مقهى القذافي". وعلى رغم ان مصادر قانونية اعتبرت ان الحكم "لم يكن مُفاجئاً" على أساس ان القضاة الخمسة لا يمكنهم رفض حكم توصل اليه بالإجماع ثلاثة من زملائهم، إلا ان خبيراً اسكتلندياً اعتبر القرار "مفاجأة للأسكتلنديين انفسهم". وقال البروفيسور جون غرانت، الأستاذ في كلية لويس اند كلارك ل"الحياة"، ان "كثيرين من المختصين كانوا يعتقدون بان الإدعاء لن يتمكن من اثبات التهمة على المقرحي في ظل غياب شهود عيان على انه وضع بنفسه القنبلة التي فجرت الطائرة". وانتظرت طائرة هليكوبتر وسيارة مصفحة أمس لنقل المقرحي الى مطار فولكينبورغ الهولندي حال انتهائه من لقائه العائلي والتشاور مع محاميه حول الخطوة المقبلة لمواجهة رفض الإستئناف. وقالت ناطقة بإسم المحكمة ان العمل في القاعدة سيستمر بضعة ايام حتى الإنتهاء من نقل الأجهزة والمعدات بكاملها. وعبر بيتر لوينستين، وهو والد احد ضحايا الطائرة، عن شعور بالارتياح للحكم. وقال ل"الحياة": "إن كنت واثقاً من ان أي حكم لن يعيد ولدي الي، الا انني كنت آمل ان يشمل الحكم فحيمة ايضاً واكثر من ذلك الرئيس المباشر لهما، الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي. ولكن الحكم انهى على أي حال مرحلة من العذاب والمعاناة العائلية ويمكننا ان نذهب الى بيوتنا الآن". وقال البريطاني جيم سواير الذي قاد حملة للمطالبة بتحقيق العدالة بعد ان فقد ابنته في حادث تفجير الطائرة، للصحافيين في كامب زايست: "هذا ليس وقت احتفال. حان الوقت لان نتكاتف معاً لنضمن عدم تكرار الحادث". وفي نيوجيرزي الولاياتالمتحدة، قال دانيال كوهين الذي فقد ابنته في تفجير الطائرة، "اننا كنا نتوقع هذا الحكم. لكن ذلك لا يعني انتهاء قضية لوكربي". وأضاف ان على ليبيا "تحمّل مسؤولية" التفجير ودفع تعويضات. وقالت الين كونيتي التي فقدت ابنها في الحادث، انها سعيدة بالحكم. أما جورج ويليام الذي فقد ابنه في الحادث، فقال ان "حملاً ثقيلاً" رُفع عن كاهله.