النصر في اختبار الأخدود.. والرياض يخشى الخليج    مشعبي يطالب بإيقاف أفراح «الكأس» والتركيز على «الدوري»    15 ظاهرة جويّة حادّة شهدها العام 2024    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    وزير الطاقة ونظيره الهيليني يترأسان اجتماعات الدورة الأولى للجنة الطاقة بمجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي الهيليني    الرماح والمغيرة يمثلان السعودية في رالي داكار 2025    الأردن: السجن ل 3 متهمين في قضية «حج الزيارة»    النقش على الحجر    من أنا ؟ سؤال مجرد    رابطة العالم الإسلامي تُدين وترفض خريطة إسرائيلية مزعومة تضم أجزاءً من الأردن ولبنان وسوريا    ولي العهد وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية الروسية    الاحتلال يواصل الإبادة الجماعية في غزة لليوم ال460    ولي العهد عنوان المجد    "حرفة" يعرّف بدور محافظات منطقة حائل في دعم وتمكين الحرفيين    هوبال    إطلاق الوضيحي والغزال والنعام في محمية الإمام تركي بن عبدالله    ما ينفع لا ما يُعجب    نائب أمير منطقة تبوك يطلع على تقرير عن موشرات الأداء للخدمات الصحية    345.818 حالة إسعافية باشرها "هلال مكة" 2024    أمانة مكة تعالج الآثار الناتجة عن الحالة المطرية    بيئة الجوف تنفّذ 2703 زيارات تفتيشية    11,9 مليار ريال إجمالي تمويل العقود المدعومة للإسكان في 2024    مفاوضات إيرانية صينية لتخليص صفقة بيع نفط بقيمة 1.7 مليار دولار    تعزيز التعاون السياحي السعودي - الصيني    بلدية محافظة الشماسية تكرّم متقاعديها تقديرًا لعطائهم    برشلونة يتأهّل لنهائي كأس السوبر الإسباني على حساب أتليتيك بلباو    تدشين المرحلة الثانية من «مسارات شوران» بالمدينة    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    طالبات من دول العالم يطلعن على جهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    67 % ضعف دعم الإدارة لسلامة المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينجح في استئصال جزء من القولون مصاب بورم سرطاني بفتحة واحدة    2.1 مليون مستفيد في مستشفى الملك خالد بالخرج    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل حملة "التوعية باللعب الالكتروني الصحي"    انطلاق المهرجان الأول للأسماك في عسير    "القادسية" يحقّق بطولة "طواف الأندية السعودية" 2025    دور سوريا المأمول!    أمير المدينة يطلع على مشاريع تنموية بقيمة 100 مليون ريال    «ترمب شايل سيفه»    الاتحاد يوافق على إعارة "حاجي" ل"الرياض" حتى نهاية الموسم    تحرير الوعي العربي أصعب من تحرير فلسطين    التأبين أمر مجهد    الاتحاد والهلال    المنتخب الجيد!    وزير الخارجية ومفوض"الأونروا" يبحثان التعاون    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    إنتاج السمن البري    المملكة تتصدر حجم الاستثمار الجريء في عام 2024    تعزيز الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    دكتور فارس باعوض في القفص الذهبي    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    على شاطئ أبحر في جدة .. آل بن مرضاح المري وآل الزهراني يحتفلون بقعد قران عبدالله    اطلع على إنجازات معهد ريادة الأعمال.. أمير المدينة ينوه بدعم القيادة للمنظومة العدلية    يهرب مخدرات بسبب مسلسل تلفزيوني    قصة أغرب سارق دجاج في العالم    هل تعود أحداث الحجْر والهلع من جديد.. بسبب فايروس صيني ؟    نائب أمير منطقة تبوك يزور مهرجان شتاء تبوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الظروف الداخلية والإقليمية والدولية مهيأة لعملية إسقاط صدام والقوات المسلحة عنصر أساس فيها . تطوير مناطق الحظر الجوي الى مناطق خالية سيتسبب بانهيار كبير في القوات العراقية قبل المواجهة
نشر في الحياة يوم 10 - 03 - 2002

لا يزال الحديث مستمراً ومتصاعداً حول أساليب وسيناريوات تغيير النظام العراقي، خصوصاً احتمال تطبيق ما يسمى ب"السيناريو الافغاني" مع بعض التعديلات وفقاً لخصوصية الوضع في العراق واختلاف طبيعة النظامين.
وقبل إصدار المواقف من هذا السيناريو، مؤيدة كانت أم معارضة، أو معرفة صلاحيته من عدمها، لا بد من تحليل واقع نظام صدام: معرفة نقاط ضعفه وقوته، ظروفه السياسية والاقتصادية والعسكرية والمعنوية، واقعه المحلي وعلاقاته مع الشعب، وحجم معارضيه ومؤيديه، إضافة الى علاقاته الدولية والاقليمية.
تحدث بعضهم عن الحجم الكبير للقوة العسكرية التي يملكها الرئيس العراقي مقارنة مع حركة "طالبان"، وخبرة صدام ومن معه ولا سيما في مجال البقاء في السلطة والمناورات وشراء الولاءات والتضليل برفع الشعارات البراقة والزائفة.
لا يختلف اثنان في تفوق صدام على "طالبان" في موضوع الخبرة وإجادة اللعب على مختلف الحبال والمناورات من اجل البقاء في السلطة، كما لا يشكك احد في ان العراق يمتلك قوات مسلحة كبيرة اذا حسبت بالارقام كانت حركة "طالبان" تفتقر اليها. وتتألف هذه القوات من الجيش العراقي الاساس، وقوات الحرس الجمهوري والحرس الجمهوري الخاص والاجهزة الامنية المتعددة، والتشكيلات المستحدثة والمصطنعة الاخرى كجيش القدس وجيش تحرير مكة وتشكيلات عقارب الصحراء.
ان هذه القوات "المليونية" الارقام والمتنوعة المسميات تظهر لغير المطلعين ببواطن الامور وحقائقها ان عملية اسقاط نظام صدام صعبة جداً لأنه سيكون محمياً بطوابير من الجيوش التي ستقاتل من اجله. لكن الحقيقة غير ذلك تماماً. فالجيش الذي سميناه "جيش الدولة العراقية" بفيالقه الخمسة وقواته الجوية والبحرية، اصبح حالياً شبه جيش من حيث قدرته القتالية المتدنية والنقص الكبير في التسليح والتجهيز وقطع الغيار، إضافة الى استشراء الفساد الاداري وغياب الانظمة والانضباط من جراء تعمد نظام صدام اهماله لقناعته بعدم ولائه له. لذلك أبعدت تشكيلاته الى الحدود الدولية والمناطق النائية، علماً ان معظم منتسبيه، ضباطاً ومراتب، يشعرون بمسؤولية وطنية عن مدى الدمار الذي لحق بشعبهم ووطنهم جراء سياسة صدام.
يعيش منتسبو الجيش، اذاً، حالاً نفسية ومعنوية متردية نتيجة معاناتهم اليومية وتردي الوضع العام، ويشعرون بالمهانة والعار الذي لحق بهم من جراء سياسات النظام القمعية مع شعبه والعدوانية مع دول الجوار التي اوصلت العراق الى هذا المستوى المتدني. وهم فوق كل ذلك يشعرون بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهم تجاه وطنهم وشعبهم لانتشالهم من هذا المأزق، اذا سنحت لهم الفرصة. ويسود الآن لدى معظم ضباط القوات المسلحة شعور بالندم لعدم استغلال الفرصة لمساندة الانتفاضة الشعبية عام 1991 لاسقاط النظام الحاكم، لذلك فإنهم يتوقون ويتشوقون الى اية فرصة سانحة جدية وواضحة لاستثمارها مع ابناء الشعب للقيام ولو بجزء من المسؤولية الوطنية لانقاذ وطنهم من حكم جائر ومن ظروف استثنائية لم يسبق للعراق ان مر بها. سيقف منتسبو الجيش الى جانب الشعب لاسقاط الطاغية، وسيكون معظمهم مادة التغيير، وفي أسوأ تقدير سيترك بعضهم وحدته وموقعه والعودة الى مناطق سكنه.
بعد هذا العرض لواقع حاله، هل يحسب الجيش، بأعداده التي قد تصل الى 450 ألف جندي، في كفة نظام صدام عند حساب ميزان القوى؟ لا، بكل تأكيد. انه في حقيقة الامر محسوب لمصلحة كفة قوى الشعب والتغيير التي ستساهم في اسقاط النظام في شكل مباشر او غير مباشر.
أما قوات الحرس الجمهوري فتبدو للوهلة الاولى وكأنها موالية تماماً لصدام ونظامه وتشكل الحرس المخلص له. قد يكون الامر كذلك الى حد ما قبل غزو الكويت عام 1990، خصوصاً من حيث ظروف تشكيلاتها ومواصفاتها وانتقاء منتسبيها والامتيازات التي كان يتمتع بها افرادها تبعاً للوضع السياسي القائم آنذاك، إذ كان معظم افرادها من ابناء العشائر والمناطق الموالية للنظام. اما الآن فأصبحت الأمور مختلفة. لقد تغيرت خارطة الولاءات للنظام خلال العقد الماضي في شكل كبير. فالعشائر والمناطق التي كانت موالية للنظام اصبحت مناهضة، وفقد بذلك صدام تأييدها له. حتى مدينة الرئيس العراقي تكريت فقد صدام ولاء الكثير من ابنائها نتيجة التصفيات الجسدية والاعدامات والتشريد وإبعاد أبنائها. وأفراد عائلته لم يسلموا من ذلك نتيجة المنافسات والخصومات ورغبة الاستحواذ على مقدرات العراق وخيراته. كما أحدث غزو دولة الكويت الشقيقة، وما أعقبها من تداعيات ونتائج سيئة للغاية خلال العقد المنصرم، تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية كثيرة تركت أثرها في قوات الحرس الجمهوري نفسها، من حيث قدرتها وامتيازاتها، ما دفع بصدام الى استحداث "قوات الحرس الجمهوري الخاص" الاكثر ولاء وخصها بامتيازات وصلاحيات وامكانات مميزة.
يلاحظ ان صدام يعمد الى تجديد أو تفريخ أجهزة وتشكيلات أمنية وعسكرية بديلة كل بضع سنوات لضمان ولائها بعد استنفاد غاية الجهاز السابق وعندما يساوره الشك بولائها له. فبعد الجيش العراقي شكل صدام قوات الحرس الجمهوري حتى باتت بقوة فيلقين، ثم بعد بضع سنوات شُكلت قوات الحرس الجمهوري الخاص. أما في مجال الاجهزة الامنية ففي السنوات الاولى من حكم البكر - صدام كانت مديرية الامن العامة هي الجهاز الامني الرئيس. وبعد بضع سنين شكل جهاز الاستخبارات العامة الذي هيمن على الدولة أمنياً، وفي منتصف الثمانينات تم تأسيس جهاز الامن الخاص الذي اصبح الجهاز المهيمن على كل الاجهزة الامنية ويشرف عليه حالياً قصي صدام حسين.
ان ولاءات قوات الحرس الجمهوري، باستثناء بعض العناصر، ليست لصدام ونظامه. وهذا الامر يعرفه صدام نفسه قبل غيره، لذلك اتخذ عدداً من الاجراءات الأمنية والعسكرية في محاولة لتدارك ذلك، منها تغيير قادتها باستمرار وتعيين ضباط بمنصب "قائد رديف" مع كل قائد فرقة في الحرس الجمهوري وتعيين عناصر من جهاز الامن الخاص بمنصب "أستاذ" مع كل قائد فرقة له صلاحيات اعلى من صلاحيات القائد ويرتبط مباشرة بقصي صدام حسين. وإضافة الى إبعاد هذه القوات من بغداد فرض مراقبة مستمرة على تحركات الضباط وعلاقاتهم. تكشف هذه الاجراءات وغيرها مدى الشكوك، بل قناعة صدام بعدم ولاء الحرس الجمهوري له. وهذه هي الحقيقة، لأن معظم عناصر الحرس الجمهوري ناقمون على صدام ويتمنون الخلاص منه ومن نظامه.
قد يسأل بعضهم: لماذا لا تتحرك هذه القوات لتنفيذ رغبتها في الخلاص من صدام؟ الاجابة، ببساطة، هي ان الانقلاب العسكري ليس عملية عسكرية بحتة ومجردة، بل هنالك عوامل واعتبارات عدة لا بد من تأمينها، اهمها عوامل سياسية، محلية وخارجية، وظروف أمنية. وقد حال عدم تأمين الظروف الأمنية دون نجاح المحاولات الانقلابية التي جرت منذ 1989، والتي كان لبعض ضباط الحرس الجمهوري دور مهم فيها.
ان الخبرة الامنية لصدام التي اكتسبها خلال العقود الماضية من حكمه بعدما وظف لها كل امكانات وأجهزة الدولة والحزب الحاكم، جعلت الرئيس العراقي ضليعاً وخبيراً في كيفية كشف الانقلابات العسكرية ومنع وقوعها. ثم ان فرص نجاح الانقلابات العسكرية انحسرت في شكل كبير في العالم لما تملكه الانظمة من اجهزة أمنية واستخباراتية ووسائل استخبارية فنية متطورة قادرة على المراقبة المستمرة والدقيقة، إضافة الى ان التطورات الكبيرة التي حصلت في العالم وأنهت ثنائية القطبين ليحل محلها النظام العالمي الجديد الأحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة، أضعفت كثيراً صيغة الانقلابات العسكرية التقليدية في تغيير الانظمة.
برز ضعف ولاء قوات الحرس الجمهوري لصدام خلال الايام الاولى من الانتفاضة الشعبية عام 1991، إذ ترددت في قمع ابناء الشعب وحصلت فيها تمردات. فعلى سبيل المثال، رفضت مجموعة من الضباط في قيادة قوات الفاو من قوات الحرس الجمهوري الاوامر التي صدرت اليهم بالتحرك الى محافظات الفرات الاوسط لقمع ابناء الشعب الثائرين، وتمرد الضباط على قياداتهم وتركوا تشكيلاتهم في بغداد الى مناطق سكنهم في محافظتي نينوى والانبار، ثم خرجوا للالتحاق بالمعارضة خارج العراق، وتم اثر ذلك الغاء تلك الفرقة.
أما الحرس الجمهوري الخاص، فصحيح ان معظم افراده من "عظام الرقبة" كما يقولون، وقد يكون ولاؤهم لصدام، لكن هذه القوات أصابها أيضاً الاهتراء، بسبب الصراعات الداخلية العائلية والمنافسات المالية والتجارية والتصفيات بين المقربين وأفراد العائلة انفسهم. والأهم من ذلك، أن شدة ولاء هذه العناصر مرهونة بقوة الرئيس والقوى المناهضة له. فكلما كان صدام قوياً كان الولاء أقوى، واذا شعرت ان نهاية صدام وشيكة وان القوى المناوئة له قوية وحاسمة في سعيها لتغيير النظام ومدعومة من المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة، فإن ولاءها سيضعف كثيراً، بل ربما يتغير، ليؤدي الى انهيار غير محسوب ومفاجئ. وكلما كان الموقف السياسي والاعلامي الدولي واضحاً ودقيقاً في هدفه في إسقاط صدام ونظامه كلما ضعفت الولاءات.
والأمر نفسه ينسحب، وفي شكل اسرع، على التشكيلات الاخرى، كفدائيي صدام وقوات الطوارئ. اما جيش القدس فسيكون مصيره مصير الجيش الشعبي نفسه خلال الانتفاضة عام 1991، وسيشارك منتسبوه في اسقاط النظام عند اول فرصة سانحة.
اما الاجهزة الامنية، كالأمن العام وجهاز الاستخبارات العامة وجهاز الامن الخاص ومديرية الاستخبارات العسكرية العامة، فإن ولاءها الشكلي والفعلي مرهون كذلك بالموقف السياسي الدولي الواضح. فحين يتضح الهدف في شكل مركز وعلني لا لبس فيه، وهو اسقاط نظام صدام، سينفرط في حينه ولاؤها للنظام.
أما حزب البعث الحاكم فلم يعد حزباً تنظيمياً عقائدىاً هدفه الدفاع عن النظام. فقد أصبح، خصوصاً بعد عام 1979، جهازاً أمنياً تنفيذياً كأي جهاز امني آخر، واجبه الاساس مراقبة المواطنين والتضييق عليهم وكتابة التقارير عنهم وملاحقة الهاربين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية. لقد أدركت غالبية عناصر الحزب الانحدار الذي يسوقهم صدام اليه بعدما باتوا عرضة للازدراء والكراهية والغضب من جانب أبناء الشعب، فباتت تتمنى التخلص من صدام ونظامه المتخلف. وفي أسوأ الحالات ستقاوم عملية التغيير أو تمتنع عن المشاركة فيها بضعة آلاف من الانتهازيين والنفعيين المستفيدين من هذا الوضع الشاذ الذي يعيشه العراق الآن. وحتى هؤلاء المستفيدون من المكرمات والرشاوى لا يضحون بأنفسهم من اجل صدام لأنهم طلاب حياة نفعية وليسوا من حملة المبادئ او المدافعين عن مصالح الشعب والوطن.
من جهة ثانية، العلاقات الاقليمية والدولية للنظام العراقي تمر بأسوأ حال. فالمجتمع الدولي يرى ضرورة انهاء صفحة هذا النظام الخارج على القانون والشرعية الدولية بسبب تهديده استقرار المنطقة والسلم العالمي، إضافة الى قمعه الشعب العراقي وانتهاكه أبسط حقوق الانسان.
من الذي سيقاتل دفاعاً عن صدام إذاً؟ هل هو الجندي الذي يعيش حالاً مزرية من الجوع والمعاناة والاهمال، ويستجدي اجرة السيارة بغرض الوصول الى وحدته فيما تعاني عائلته البؤس والشقاء والجوع والمرض؟ ام الضابط الذي أهين في مهنته وشخصيته، ويقوم خارج ساعات الدوام بعمل لا يناسب وضعه الاجتماعي لتأمين لقمة العيش لعائلته؟ أم جيش القدس الذي أجبر منتسبوه على الانخراط فيه فيما يواجه المتخلفون عقوبات واجراءات تعسفية وحجباً للحصة التموينية؟ هل يقاتل بقوات الحرس الجمهوري التي تكشفت لها اللعبة وهي ترى اكثر من غيرها حجم الفساد الاداري والسياسي والاجتماعي والامني الذي استشرى في الدولة والمجتمع؟ أم هل سيدافع اعضاء الحزب عن النظام، وهم اكثر الشرائح المطلعة على حجم التدمير الذي اصاب العراق من جراء سياساته حتى اصبحوا يدفعون الرشاوى ويختلقون الذرائع المختلفة بغرض ترك الحزب والتنصل منه؟
إن محاولة اظهار نظام صدام على انه قوي يمتلك قدرات ومفاجآت، بعيدة كل البعد من الدقة والموضوعية. فهذا النظام لم يعد يمتلك اي قاعدة شعبية في عموم العراق، وأصبح معزولاً تماماً عن الشعب. لقد شكلت انتفاضة الشعب في آذار 1991، التي عمت معظم مناطق العراق، برهاناً ساطعاً واستفتاء شعبياً عاماً برفض نظام صدام. وحتى المناطق التي لم تنتفض كانت مهيأة للانتفاض. فمحافظتا نينوى وديالى كانتا على استعداد للاشتراك، الا أن اشاعات اجهزة النظام والاعلام العالمي حالت دون ذلك. كما ان محافظة الأنبار تمردت وخرجت على النظام في وثبتها البطلة عام 1995. ومحافظة صلاح الدين، معظم مناطقها معادية للنظام. ومدينة تكريت، مسقط صدام، غالبيتها غير موالية للنظام، اذ قام ابناؤها بمحاولات انقلابية للتخلص من صدام الذي اعدم الكثير منهم، امثال الفريق الركن عمر الهزاع التكريتي وأولاده والفريق الركن ثابت سلطان التكريتي والفريق الطبيب راجي عباس التكريتي وجاسم مخلص التكريتي وابن عمه صفر مخلص التكريتي.
نستنتج من ذلك كله ان حلقة الموالاة لصدام باتت ضيقة جداً ولا تتعدى في الظروف العادية بعض الانتهازيين والنفعيين والوصوليين. ولا يخفى ان صدام مستمر في السلطة بواسطة القمع والارهاب ونشر الخوف عبر الترويج لاشاعة عدم إمكان ظهور بديل واضح. كما ان صدام نجح من طريق استخباراته، الى حد ما، في تسريب الاشاعات بين اوساط الشعب بأن علاقته الخفية مع الولايات المتحدة جيدة، وانه باق في الحكم لأنه يؤمّن مصالحها. وأخذت هذه الاشاعة والترويج لها مأخذاً كبيراً بين اوساط الشعب، إذ منعت الكثير منهم من اتخاذ مواقف مناهضة للنظام، علماً أن حقيقة الامر غير ذلك. لهذا، فان اي موقف سياسي وعملي واضح وصريح لا لبس فيه من جانب الولايات المتحدة باستهداف نظام صدام سيقلب كل الموازين ويكشف الحجم الحقيقي لقوة النظام ومؤيديه. فصدام لم يراهن طوال الفترة الماضية على قوة الموالين له، بل راهن على تناقضات اعدائه ومعارضيه وعدم جديتهم فى العمل ضده بارادة قوية.
لا يعني ذلك ان عملية اسقاط النظام يسيرة وسهلة، أو انها لا تتطلب امكانات وشروطاً معينة. لكننا نعتقد ان هذه العملية ستكون مفاجئة اكثر مما حدث ل"طالبان" في أفغانستان وفي شكل دراماتيكي اسرع. إلا ان نجاح هذه العملية وانجازها بسرعة وبأقل الخسائر يتطلبان شروطاً معينة وتأمين ظروف سياسية واعلامية، أهمها وجود ارادة سياسية حاسمة ووضوح الهدف واعلانه، وهو اسقاط صدام واستبداله بنظام ديموقراطي تعددي، مع التشديد على المحافظة على وحدة العراق.
كما ان من الأهمية بمكان الاعلان، في الخطاب السياسي للمعارضة ومن ثم النظام البديل، عن حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم كافة، بمن في ذلك منتسبو القوات المسلحة والاجهزة الامنية واعضاء الحزب الحاكم، مع ضمان حقوق كل فئات الشعب بلا هيمنة من طرف على آخر، ومشاركة الجميع من دون الغاء او إبعاد او عزل لأي طرف، والمبادرة الى تشكيل دولة القانون.
أما المجرمون فتجب محاكمتهم محاكمة عادلة وفق القوانين، وعدم توجيه الاتهامات الجماعية جزافاً وفقاً للمهنة او الفئة او المنطقة او القومية او الحزب او المؤسسة... فمثل هذا المنطق مرفوض. والجريمة شخصية بحتة حيث لا تطاول العقوبة عائلة المتهم او اقرباءه كما فعل نظام صدام. وعلينا، كمعارضة وطنية بكل اطيافها وألوانها، محاربة هذا التوجه، وعلينا الارتقاء في خطابنا السياسي والاعلامي الى هموم أو معاناة العراقيين كافة. وكما ان القصاص قانون الحياة فإن التسامح من اخلاق الانسانية وقيمها.
قد يقول قائل: ولماذا الاستعانة بالدعم الخارجي؟ اعتقد انه في ظل سياسة الارهاب الداخلي والاستئصال والقمع اللامحدود التي مارسها صدام ضد شعبنا وضد كل قوى المعارضة بكل اشكالها، حتى المعارضة من ضمن النظام، حُُرم العراق والعراقيون من اي امكان أو قدرة على اجراء التغيير وانجازه بمفردهم من دون مساعدة خارجية. أما الكلام الذي يُطلق على عواهنه بأن "عملية تغيير النظام شأن داخلي" فهو كلمة حق يراد بها باطل وذر للرماد في العيون.
ان ما يسمى ب"السيناريو الافغاني" لا بد له من تعديل وفق خصوصية الوضع في العراق. وأعتقد ان قضية تطوير مناطق الحظر الجوي الى مناطق خالية من القوات العسكرية والاسلحة الثقيلة، كالموصل والبصرة، كي تصبح مواقع انطلاق لتحرير كل العراق، ينبغي ان تكون الخطوة الاولى في العمل الميداني. فهذه الخطوة ستؤدي، إذا تمت، الى انهيار نسبة كبيرة من قوات النظام قبل المواجهة، في حين سينهار القسم الآخر عند المواجهة الحاسمة والسريعة التي تعتمد في شكل اساس على تضافر جهود أبناء الشعب والقوات المسلحة، ثم على جدية الولايات المتحدة وتعاون دول الجوار واحترامها ارادة الشعب العراقي في التغيير، وأخيراً ضرورة وضوح ملامح النظام البديل الذي يجب ألاّ يضم أياً من رموز نظام صدام وركائزه الأساسية.
* عقيد ركن، عضو قيادة "حركة الضباط الاحرار" المعارضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.