يغرق رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون نفسه يوماً تلو يوم في اوحال سياساته الاجرامية الارهابية بحق الشعب الفلسطيني مثبتاً بذلك على نحو لا يمكن ان يتطرق اليه أي شك انه مصمّم مع سبق الاصرار والعمد على التهرّب من أي فرصة معقولة لتحقيق السلام مع العرب، بل ويعمل على تدمير اي مسعى لتحقيق سلام شامل وعادل قائم على اساس القرارات الدولية. ويأتي العدوان العسكري الاسرائيلي الجديد الواسع على مخيمي اللاجئين الفلسطينيين قرب نابلس وجنين منذ ليل الاربعاء - الخميس نذيراً بمذابح من المحتمل جداً ان شارون يريد اضافتها الى سجله الاسود بدافع "التطهير العرقي" المتأصل في نفسه ونفوس عدد من وزرائه المنادين بسياسة ال"ترانسفير"، أي حمل سكان فلسطين العرب الاصليين على مغادرة وطنهم التاريخي. وليس هذا العدوان الاخير على مخيمي بلاطة وجنين عدواناً معزولاً او رد فعل على عملية فدائية فلسطينية معينة ضد جيش الاحتلال او المستوطنين اليهود في الاراضي الفلسطينية. انه حلقة في سلسلة سياسة مرسومة اخذ شارون يبرز عمداً تنفيذها المتسارع المحموم وكأنه يقول للعرب والاوروبيين ودول كثيرة في انحاء العالم ايدت مبادرة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز انه هو، شارون، عازم على مواصلة سياساته التي كادت ان تبقي مبادرة الأمير عبدالله مجرد مسودة مركونة في درج مكتبه. لقد جعل شارون تطبيق وثيقة تينيت وتوصيات تقرير ميتشل أمراً مستحيلاً من خلال شروطه التعجيزية التي طالب الفلسطينيين بالتزامها، ومنها الهدوء التام لسبعة ايام كاملة فيما كان يواصل اصدار اوامره باغتيال النشطاء الفلسطينيين والتوغل في المناطق أ الخاضعة للسلطة الفلسطينية وتدمير منازل الفلسطينيين ومزارعهم وقطع اشجارهم. وها هو، بعدما نالت مبادرة ولي العهد السعودي السلمية المشروطة تأييداً عربياً وعالمياً واسعاً، يعلن انه يعتزم تنفيذ خطته لتوسيع الحدود البلدية لمدينة القدس بضم قرى مجاورة لها الى تلك الحدود لتشكل المدينة بحدودها الجديدة عشرة في المئة من المساحة الكاملة للضفة الغربية. واذ يزعم شارون، وساسة اسرائيليون كثيرون على شاكلته، ان "القدس الموحدة" هي عاصمة اسرائيل الى الابد، فإنه يضع اسرائيل على خط تصادم مع العالم العربي الاسلامي، وايضاً مع قرارات الاممالمتحدة، ومع مبادرة ولي العهد السعودي التي تشترط، ما بين ما تشترط، لاقامة العرب علاقات عادية مع اسرائيل انسحابها من الاراضي العربية المحتلة منذ 1967 بما في ذلك القدسالشرقية لتكون عاصمة الدولة الفلسطينية. لقد أفلس شارون سياسياً وعسكرياً بعدم تقديمه اي مشروع سياسي للسلام وعدم تحقيقه الامن للاسرائيليين الذين بات كثيرون منهم يدركون مدى تخبط سياساته واصدروا شهادة بإفلاسه خصوصاً بعد الخطاب التلفزيوني والاذاعي الاخير الذي وجهه اليهم ولم يذكر فيه اي جديد بل ظل أسير سياساته نفسها: مزيد من العدوان على الفلسطينيين وتشبث بالاحتلال البغيض والاستيطان اللاقانوني في الاراضي الفلسطينية. ان عين الصواب ان تكون مبادرة ولي العهد السعودي مشروطة كما هي، اذ ان مجرم حرب مثل شارون يسد آفاق الحلول السلمية ينبغي له ان يعلم ان ليس بوسعه المضي في فرض شروطه على الفلسطينيين والعرب، والعالم، من جانب واحد. وفي هذه المرحلة التي صار الفلسطينيون يثبتون فيها لشارون واتباعه انهم قادرون على زعزعة الأمن الاسرائيلي كلما اخلت اسرائيل بأمنهم، ينبغي تعزيز الجهود الفلسطينية والعربية الرامية الى مخاطبة المعتدلين في اسرائيل لتعميق اقتناعهم بأن شارون وسياساته كارثة يجب وضع حد لها.