تقام منافسات الدورة الأولمبية الصيفية ال28 في أثينا بدءاً من 13 آب أغسطس 2004، لكن الاحتفالات الصاخبة التي رافقت الفوز بالترشيح منذ سنوات عدة، ظلت يتيمة، لأن اللجنة العليا المنظمة تحاشت او بالأحرى تناست إطلاق حملة العد العكسي لاقتراب موعد الدورة قبل ألف يوم على بدئها، والذي صادف في 17 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، والسبب أنها محرجة بعد تخبطها في مشكلات التأخير في بناء المنشآت وعدد من المرافق والطرقات. وفي سبيل تفادي جزء من هذا الإحراج، روّج المسؤولون مقولة أن الاحتفال المنتظر كان يصادف وذكرى الاضطرابات والاشتباكات عام 1973 التي وقع ضحيتها 23 قتيلاً. غير أن السبب الرئيس هو أن التأخير يطال أكثر من 11 مرفقاً وعلى رغم أن "الصورة النهائية" إيجابية كما يلخّصها "مفتشو" اللجنة الأولمبية الدولية لكنهم يضغطون "حتى نستفيد من الوقت الباقي ونؤمن لأثينا استضافة مريحة" كما يوضح دينيس أوزوالد عضو اللجنة الدولية. تجهد اليونان للحاق بالجداول الزمنية الموضوعة لإتمام المنشآت وتجاوز مشكلات الإقامة والنقل والمواصلات الخاصة بتنظيمها دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2004، في ضوء التحذيرات القوية التي وجهتها اللجنة الدولية لنظيرتها المنظمة التي تدفع ثمناً باهظاً للمشاحنات الداخلية والبيروقراطية، التي أدت آخرها برئيس الوزراء كوستاس سيميتس الذي يتولى شخصياً الإشراف على الاستعدادات للدورة أن يطلب من مجلس النواب باتجاهاته السياسية كافة منحه التأييد، ووضع يانا أنجيلوبولو داسكالاكي على رأس اللجنة العليا المنظمة، وهي التي يعزى إليها الفضل في منح العاصمة اليونانية شرف التنظيم بعد إخفاقها في استضافة دورة 1996. وكان مسؤولون متعاقبون في اللجنة اليونانية قدموا استقالتهم بعد خلافات علنية مع وزراء في الحكومة، واضطر سيميتس الى إجراء تعديل وزاري أواخر العام الماضي، وعين مجموعة من نوابه مسؤولين عن مشاريع "الأولمبياد العتيد". ويبدو موقف اللجنة المنظمة صعباً وكأنها "تخوض معركة جديدة في سهل الماراثون" على حد تعبير أحد الإعلاميين المحليين الخبراء في خفايا الإدارة السياسية والرياضية في اليونان. وتقول "السيدة الحديد" داسكالاكي أن هناك حلولاً كثيرة يمكن أن تتخذها اليونان للتغلب على "القائمة السوداء" المتضمنة مشكلات الإقامة والنقل والمواصلات. وإزاء عدم التمكن من تأمين 2800 حجرة التي لم تجهز بعد، ستوضع 11 عبارة سياحية في ميناء بيرايوس لتستخدم في الإقامة بدلاً من العبارات الخمس الراسية حالياً، علماً أن النفقات ستتضاعف من دون شك. وعرض أوزوالد موضوع سرعة بناء الفنادق الجديدة، وذكر الجانب اليوناني أنه ستؤمن 1100 حجرة جديدة، في وقت يدرك الجميع أن المشكلة لا تتمثل في إقامة أفراد البعثات فقط، بل في إمكان إيواء أسرهم والزائرين والسياح. ويؤكد أوزوالد أن "هناك أكثر من مليون زائر يريدون مشاهدة الدورة ميدانياً إن وجدت أماكن لإقامتهم". ومن تداعيات التأخير الذي يؤرق اللجنة المنظمة طرد رئيستها داسكالاكي ثلاثة من أعضائها الكبار بسبب "تسريب وثائق تثبت التأخير في عمليات الإنشاء، أثار جلبة في البرلمان". بطاقة حمراء وكان المركيز خوان انطونيو سامارانش الرئيس السابق للجنة الأولمبية الدولية رفع البطاقة البرتقالية في وجه اللجنة المنظمة، نظراً للتأخر في برنامج الإنشاء، وجاء ذلك بعد عام من التحذير، وقد أصبحت هذه البطاقة حمراء في أكثر من مرفق، وخصوصاً قاعة غالاتسي كرة الطاولة والجمباز الإيقاعي ومركز الفروسية في ماركوبولو ومركز كرة المضرب في ماروسي، وقاعة آنولوسيا المصارعة والجودو. وإزاء هذا الاستياء سمى الرئيس سيميتس وزراء الثقافة والدفاع والداخلية والتطوير والصحة والتربية لمعالجة الثغرات، غير أن البيروقراطية وتنازع الصلاحيات عرقلا مهماتهم، وهذا ما اشتكت منه داسكالاكي تحديداً. وتضاف الى هذه العوائق تحركات هيئات وجماعات المحافظة على البيئة والمواقع التاريخية، الذين طالبوا الحكومة مثلاً ألاّ تشاد مرافق مسابقتي التجذيف والكانوي في شينياس حيث جرت معارك بين الفرس والإغريق قبل 2500 سنة. وفي حين شارفت أشغال المطار الجديد على الانتهاء، وأيضاً الطريق السريع التي تمر بجوار مجمع مارسوي حيث ستقام منافسات ألعاب القوى والسباحة والدراجات وكرة السلة، فإن ورشة جادة كيفيسو عالقة بين الشكاوى والاعتراضات. متعة التحدي! وعلى رغم ذلك، يبدو اليونانيون متفائلين، علماً أنه إضافة الى المعوقات الإدارية والإنشائية، تواجه اللجنة المنظمة مشكلة الإقبال على التطوع في مناسبة الألعاب، وهي تحتاج الى خدمات 60 ألف شخص، ويرى أحد الباحثين الاجتماعيين أن اليوناني بطبعه مضياف لكنه غير معتاد على التطوع "لذا يرجح أن يلجأ المنظمون الى التفتيش في مناطق انتشار المهاجرين في أوروبا والولايات المتحدة، والعقبة في وجه هذه الخطوة أن المختارين لا يعرفون أثينا جيداً، وقد يتوهون كما حصل مع سائقي الحافلات وسيارات الأجرة في دورة أتلانتا 1996". ويضع عدد من أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية العارفون ببواطن الأمور أيديهم على قلوبهم خشية أن تكون دورة أثينا الأسوأ في تاريخ الألعاب الأولمبية الحديثة، بعدما اعتبرت دورة سيدني 2000 أفضلها. ويدافع أهل البلد عن حماستهم وتفاؤلهم بالرد "إن العادات اليونانية والطباع لا تحبّذ التخطيط والورش الطويلة الأجل، بل العمل بسرعة وتحت الضغط وفي سباق مع الزمن، إننا نعمل دائماً وكأننا في حال طوارئ رافعين التحدي"، وهم يضربون أمثلة في هذا المجال "عام 1997 استضفنا بنجاح منقطع النظير بطولة العالم لألعاب القوى وكانت البوابة التي عبرنا منها لاستضافة الدورة الأولمبية 2004، استلزم التنظيم والإعداد منا 11 شهراً فقط، وكان الاتحاد الدولي يهدد دائماً بسحب التنظيم منا. لذا نقول لا تستهينوا بالمعجزة اليونانية!". غير أن التسريع في إنجاز الإنشاءات يتطلب مضاعفة ساعات العمل وإعداداً أكبر من العمال ما يعني رفع المبالغ المخصصة لذلك، وهي مقدرة حتى الآن ب9 ملايين يورو، ومن ضمنها أشغال البنية التحتية والطرقات والمطار الجديد، وكانت ستنفذ حكماً حتى لو لم تفز أثينا بشرف تنظيم ألعاب 2004". والعاصمة الأكثر تلوثاً في أوروبا تريد أن تستفيد من إقامة الألعاب من أجل إيجاد برامج ناجعة لمعالجة التلوث. وينطلق "حماة البيئة" في ندائهم بأنه يجب العودة الى الجذور "عام 1896 نظمت أثينا الألعاب الحديثة الأولى، وأطلق شعار يجب أن تكون الألعاب نظيفة وغير تجارية في آن، على رغم أن تحقيق هذه المعادلة صعب جداً في الوقت الحاضر". وتقول فاني بالي بيترالياس نجلة عضو اللجنة الدولية الراحل ايبامينونداس بيترالياس "عند اليونانيين الجينات الأولمبية، وهذا سرهم الخاص وسيحققون المعادلة على الأصعدة كافة". وتقارن بين وضع أثينا حالياً وما كانت عليه مدن سيدني وأتلانتا وبرشلونة خلال استعدادها للاستضافة "وحدها الأعمال في سيدني تقدمت المواعيد المحددة بنحو ثلاثة أشهر، في أتلانتا كانت الأعمال جد متأخرة، ووضع الحجر الأول في الملعب الرئيس قبل 1100 يوم فقط من الافتتاح، وتخطوا روزنامة التسليم بمدة طويلة في برشلونة. وقد واجهت اللجنة المنظمة إضرابات عمالية، وغمرت السيول الملعب الرئيس، ثم عوّض كل شيء بسرعة قياسية، ونحن لا نشذّ عن هذه القاعدة". من جهتها، تلقي داسكالاكي اللوم كله على الحكومة محذرة من مخاطر التأخير "فكل يوم منه علينا تعويضه بثلاثة، وأعمال البنية التحتية ليست من مسؤوليتي، والقائمون على ملفات المشاريع لا يحترمون المواعيد". وتصف دورها بالمنسقة بين الوزارات والمراجع المعنية "أقدم التقارير وأسجل الملاحظات، والمهم عدم تنازع الصلاحيات، ولنخفف من الكلام والتصاريح ونكثر العمل. مسؤوليتنا مضاعفة، نحن نستضيف الألعاب في مهدها ورسالتنا سامية ومهمة، ويجب أن يسمو الدور الإنساني وتكون له الأولوية على حساب البنية التحتية والتكنولوجيا، لكننا مطالبون دائماً بالعمل ليلمس التقدم ميدانياً وليس عبر النيات والتمنيات، لذا من الأجدى أن يهتم كل منا بعمله ولا يتلهى بانتقاد الآخرين".