ليس هناك ما يدل الى تراجع للعنف المدمر الذي يقضي يوماً بعد يوم على أرواح فلسطينيين واسرائيليين، بل نجد بدلاً من ذلك تصاعداً في وتيرة الاشتباكات المسلحة والهجمات المتبادلة، ما ينذر برفع الصراع في وقت قريب الى مستوى حرب حقيقية. ومن الواضح الآن أن استراتيجية ارييل شارون التي تتلخص بالرد الساحق على كل هجوم - سواء كان عملاً ارهابياً ضد مدنيين أم مقاومة مدنية للاحتلال - لن تؤدي الى نتيجة. وينطبق الأمر نفسه على ياسر عرفات بمناوراته الدائمة وتحدياته وافتقاره الى الصدقية. السؤال الذي يطرحه الكل خلال الأسابيع الماضية بالطبع هو: "ما الحل"؟ واذ لم نجد حتى الآن اقتراحاً مقنعاً من أي من الطرفين للخروج من المستنقع فهناك ما يدعو الى بعض التفاؤل في ادراكهما أن الوضع الحالي يشكل خطراً حقيقياً على مصالح اسرائيل وكذلك على تطلع الفلسطينيين الى اقامة وطنهم المستقل. لكن سوء الوضع يعني أن بعض الأفكار الخطرة تكتسب قدراً متزايداً من الانتشار. وعلينا مواجهة اثنتين منها في شكل مباشر: من المؤكد أن اقصاء ياسر عرفات أو القضاء عليه لا يزيد عن ان يكون رد فعل غريزياً على ميله المزعج الى المراوغة. انها ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يضطر فيها العالم الى تحمل زعيم بصفات سلبية. لكنه من دون شك الرجل الذي اختاره الفلسطينيون لقيادتهم، ولهم وحدهم حق تحديد مستقبله. كما أن خطة شارون لانشاء مناطق عازلة بين اسرائيل والمناطق الفلسطينية محكومة بالفشل. انها ستأتي بنتائج عكسية لأنها ستفاقم من غضب الفلسطينيين وتقود الى المزيد من العنف بدل أن توفر الأمن لاسرائيل. وهكذا يستمر التساؤل عن السبيل الأفضل الى التقدم. يمكن القول ان ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز قدم جزءاً من الجواب أوائل الأسبوع الماضي. فقد حدد اطاراً لتسوية منصفة بين الفلسطينيين والاسرائيليين تقوم على العودة الى حدود 1967، مع التزام قوي من المملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات مع اسرائيل فور الاتفاق على تلك التسوية. ووافق ولي العهد السعودي للمرة الأولى على امكان اجراء مقايضة أرضية لأخذ مستوطنات حول القدس في الحساب. الهدف هنا هو السلام الشامل، وليس اتفاقات موقتة لا تقود سوى الى الخنق البطيء لآمال شعوب المنطقة وتطلعاتها. انني أسمع في كلمات الأمير عبد الله صدى جديراً بالترحيب لتصريحات وزير الخارجية الأميركي كولن باول أواسط تشرين الثاني نوفمبر الماضي. وكان باول دعا الدول العربية وحلفاءنا الأوروبيين للعب دور ناشط في انهاء الصراع. واعتبر محقاً أن التحرك الدولي المتعدد الأطراف، الذي ابتدأ في 1991 في مدريد، هو السبيل الصحيح للتقدم نحو سلام دائم وعادل في المنطقة. لكن دور الولاياتالمتحدة يبقى جوهرياً. ان مواصلتنا الصمت والمراوغة تجاه الدعوات الينا بمشاركة أكثر فاعلية لا تتناسب مع شخصية رئيسنا. انه شخص يحترم كلمته، لكن رؤياه لمستقبل الشرق الأوسط لم تجد حتى الآن دعماً بتحرك عملي فاعل ومتواصل. المطلوب من الرئيس بوش توفير العنصر الآخر الذي تحتاجه التسوية، وهو اعادة سياسة الولاياتالمتحدة الى خطها الأصلي والاعلان الصريح ان واشنطن تدعم اسرائيل ولكن ليس مستوطنات اسرائيل. نعم، هناك أقلية ملتزمة في كل من أميركا اسرائيل تثير ضجة كبرى كلما تجرأ أحد على الاشارة الى أن المستوطنات تشكل انتهاكاً للقانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة، كما انها تخالف أهداف السياسة الخارجية الأميركية وتحمل على المدى البعيد خطراً على مصالح اسرائيل الأمنية. لكن لا يجب لضجة كهذه ان تمنع الولاياتالمتحدة من اتخاذ هذا الموقف. وكان الرئيس بوش الأب في 1991 سلط الضوء على الدور التخريبي الذي تلعبه المستوطنات عندما واجه رئيس وزراء اسرائيل وقتها اسحق شامير وأرغمه على التراجع. وحظى موقف الرئيس بمساندة الرأي العام الأميركي، ولا شك ان الرأي العام سيساند الرئيس بوش الابن اذا اتخذ موقفاً مشابهاً. هكذا يحتاج الرئيس بوش الابن الى ان يوضح للاسرائيليين في شكل قاطع أن الولاياتالمتحدة تريد تجميداً حقيقياً للاستيطان: أي من دون استثناءات مثل السماح باكمال مرافق وصلت الى مرحلة ما من التخطيط أوالانشاء، أو اخذ "النمو الطبيعي" في الاعتبار، بالرغم من تحدي مراقبين فلسطينيين واسرائيليين موثوقين لجدية مقولة "النمو الطبيعي" هذه. بالمقابل على الرئيس أن يوضح للفلسطينيين توقعه لوقف فوري لكل اعمال العنف ضد اسرائيل - حتى تلك التي يعتبرها الفلسطينيون "مقاومة للاحتلال". ان من شأن سياسة أميركية كهذه أن تنعش خطة ميتشل المشرفة على الموت وان تبعد الطرفين عن حافة الهاوية وتعيدهما الى طاولة التفاوض. واحب تسمية موقف أميركي فاعل كهذا "خطة ميتشل المتقدمة". اذا كان لنا ان نتوقع من حلفائنا العرب دعم مبادرة الأمير عبد الله علينا ان ندرك في الوقت نفسه ان ترددنا في ما يخص المستوطنات يضعف من مساعي الآخرين للتقدم نحو السلام. وليس لنا ان نستمر الى ما لا نهاية في دعوة واحد من الأطراف الى تقديم المزيد من أجل السلام فيما نضرب صفحاً عن الممارسات التخريبية من الطرف الآخر. * رئيس "معهد الشرق الأوسط" في واشنطن. وزير الخارجية المساعد لشؤون الشرق الأدنى سابقاً.