موافقة واشنطن على طرح الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في مجلس الأمن مجدداً، مؤشر آخر إلى أنها لن تعطي رئيس الوزراء ارييل شارون ورقة نزع الشرعية عن الرئيس ياسر عرفات وسلطته. وهي كذلك رسالة موجهة إلى القادة العرب مع اقتراب موعد قمتهم في بيروت، توازي "انزعاج" وزير الخارجية الأميركي كولن باول من مستنقعات الدم، بعد صمت على شلالات الدماء التي حاصرت كل مناطق الضفة وغزة. واشنطن في حاجة إلى التهدئة بعدما تجاوز شارون الحدود المتفق عليها لاستخدام القوة، وبعضها سلاح أميركي، وإذ يعد باول باستئناف جهوده لتبريد الحرب الإسرائيلية الشاملة، إنما يخاطب العرب قبل بيروت كي يظهر أن الحرب الأميركية على "الإرهاب" حول العالم لم تنسِ إدارة الرئيس جورج بوش التزامها حيال السلام في الشرق الأوسط. وهو التزام كان موضع تشكيك منذ ما قبل 11 أيلول سبتمبر، وتبني الولاياتالمتحدة علناً الخيار الشاروني ضد ما تعتبره "إرهاباً فلسطينياً". والسؤال: هل دافع احياء الجهود الأميركية، بعد اعتقال السلطة الفلسطينية قتلة وزير السياحة الإسرائيلي، مجرد مخاوف من قرارات "متشددة" تتبناها قمة بيروت؟ والجواب لا بالطبع، لأن كل العرب بعد 11 أيلول محشورون في زاوية الغضب الأميركي وعاصفة الانتقام، شأنهم شأن الغرب الذي اعطى الإدارة شيكاً على بياض في انحيازها إلى الحرب الشارونية، ليكتشف لاحقاً أنه خان كل مبادئه الاخلاقية والإنسانية. الجميع، عرباً وغرباً وإسرائيليين وصلوا إلى مأزق شارون ذاته، الذي أقلقه تراجع شعبيته والأطماع الانتخابية للحلفاء والخصوم في إسرائيل، واجماع الصحافة العبرية على فشله في طرح أي مشروع سياسي، بعد فشله في تنفيذ وعوده الأمنية. الجميع في مأزق بمن فيهم عرفات، لا لأنه محاصر يدرك حقيقة المحاولات الإسرائيلية لشق قيادته من خلال زرع هواجس المحاور البديل، بل لمعرفته أنه مهما فعل لن يقوى على تلبية كل مطالب شارون والبيت الأبيض، ويعرف كذلك أن قبوله انتخابات جديدة لاستعادة شرعية السلطة الفلسطينية، أشبه بشيك من دون رصيد لدى حكومة ليكود - العمل التي تصر على سحق أي مقاومة بعدما نزعت شرعية الانتفاضة بغطاء أميركي. ومأزق العرب أن المطلوب منهم التفرج على حرب التدمير الشامل لمناطق السلطة والتنكيل بأهلها وشعبها... وأميركا وحدها المحصنة ب11 أيلول التي تختار أي توقيت لاسباغ الشرعية على أي حرب، تبدو خارج المأزق لأن شرعية قرارها فوق الشبهات. وبصرف النظر عن صواب تكهنات باقتناع إدارة بوش بأن دور حكومة شارون انتهى، ولا بد من إعادة ضبط ايقاع حربه على الفلسطينيين، فإن حاجة واشنطن إلى التهدئة للتفرغ ل"حرب العراق"، تملي احياء نوع من التمايز بين القرارين الأميركي والإسرائيلي، من دون إدانة "سحق الإرهاب الفلسطيني". في ظل الشلل العربي الذي راهن على وصول شارون إلى ورطة بعد استنفاده كل وسائل القوة، على مدى 17 شهراً، ربما ايقنت الولاياتالمتحدة أن لا شيء سيحول بينه وبين الدخول على خط أي تدخل عسكري أميركي في العراق، للهروب من تلك الورطة. ومن شأن ذلك أن يشوش على الخيار صفر في بغداد، ويزعزع القدرة على ضمان تمديد حال الشلل... والاذلال. إن "انزعاج" باول من بحر الدماء في الضفة وغزة وإسرائيل، ليس صحوة ضمير، بل جرس انذار لشارون: اقتربت حرب أخرى أميركية خالصة، تقتضي تبريد حمم البركان الفلسطيني.