ترسم كل فتاة صورة لفارس أحلامها في مخيلتها تضفي عليها المواصفات التي تتمناها في شكله وتفكيره وسلوكه ورومانسيته وعشقه وهيامه بها، ولكن تدخل الأهل في اختيار الزوج "المناسب" لابنتهم سرعان ما يوقظ الفتاة من حلمها ويجعلها تعيش حالة من القلق والاضطراب حيال ما ترغب به هي، وما يرغب به الأهل من مواصفات معينة: وضع العريس الاجتماعي والمادي وحسبه ونسبه... متخذين هذه المواصفات معياراً أساسياً لنجاح ابنتهم في علاقتها الزوجية من دون أن يعيروا قلبها وعواطفها أي اعتبار. ومن الفتيات من تصرخ وترفض الزواج التقليدي الذي يحاول الأهل فرضه عليها، ومنهن من تسلم بالأمر الواقع وترفض تحمل مسؤولية اختيار الزوج خوفاً من الفشل وتترك الأمر للأهل. وترفض أماني خربوطي 20 عاماً - جامعية فكرة الزواج التقليدي لأنها تعتبره "كابوساً مرعباً مخيفاًَ فهو بمثابة السفر في المجهول الذي لا أضمن نتائجه. فمنذ سن مبكرة تأتي الخاطبة لخطبتي وأنا أرفض بشدة هذا الأسلوب لأن الزواج هو خيار تتحمل مسؤوليته الفتاة والشاب وحدهما فقط ولا يحق للأهل اطلاقاً ان يقحموا أنفسهم في حياة لن يعيشوها هم. دور الأهل يقتصر على تقديم النصيحة للفتاة، ولكي تتفادى الوقوع في الخطأ لما يمتلكونه من خبرة وحكمة، أما ان ينوبوا عنها في اختيار شريك حياتها الذي سيلازمها الى الأبد فهذا ظلم تخلف انتهت صلاحيته في عصرنا هذا الذي أبرز دور المرأة في كل الميادين وأوضح لها حقوقها، وأنا عندما أفكر في الزواج فمن المؤكد بأن اختياري للزوج سيكون نابعاً من صميم قناعاتي بعيداً عن مؤثرات خارجية قد يحاول الأهل فرضها علي". مثل البطيخة وترى ليديا منصور 20 عاماً - جامعية انه لا يوجد قانون ثابت في الزواج. الزواج مثل البطيخة التي لا نعرف ان كانت حلوة أم أنها من دون طعم حتى نفتحها ونذوقها. فلا نستطيع ان نقول ان الزواج التقليدي فاشل، لأن هناك الكثير من حالات الزواج التقليدي تكللت بالنجاح إذ عمَّ الود والانسجام بين الطرفين في فترة الخطوبة وتعمق أكثر في فترة الزواج، وكذلك هناك بعض الحالات الفاشلة التي انتهت بالطلاق. وكذلك الأمر بالنسبة للزواج القائم على للحب الذي يسبقه، فمنه الناجح ومنه الفاشل. ليس هناك إذاً قانون واضح في هذه المسألة لأن الزواج هو ضربة حظ ونصيب، وأنا قد أوافق على الارتباط بزوج يرشحه الأهل لي عندما أراه وأقتنع به مبدئياً، وفترة الخطوبة هي فترة مناسبة للتعارف. أما أن أفرض على أهلي زوجاً لا يرغبون به فهذه خطوة جريئة ومتهورة لا أضمن نتائجها، وأنا لا أستغني عن مساندة أهلي ورضاهم. وهناك الكثير من الفتيات اللواتي تحدين أهلهن وارتبطن بالشاب الذي يرغبن به رغماً عن الأهل وبعد فترة الزواج ندمن على هذا الارتباط الذي لم يكن ناجحاً كما توقعن وأبقين مرارة هذا الفشل في اعماقهن من دون البوح بها للأهل خوفاً من أن ينهال الأهل باللوم عليهن". زواج ممل وتؤيد داليا الجوهري 22 عاماً - جامعية الزواج القائم على الحب والمعرفة السابقة وتقول: "على رغم وجود حالات ناجحة من الزواج التقليدي الا انني لا أجد ان هذا الزواج قد يحمل بين طياته السعادة التي أرجوها مع زوج المستقبل، فالزواج هو من أصعب الخيارات التي يختارها المرء وأهمها، واعتبره أصعب موقف في حياتي، فعندما أفكر بالزواج التقليدي أجده مملاً ويتعامل به الزوجان مع بعضهما البعض في شكل مادي وروتيني. وقد تخلق العشرة الطويلة بينهما ألفة ومودة ولكنها في المقابل لن تخلق حباً حقيقياً صافياً ينبع من عاطفة خالصة، بل مجرد احترام عندما يؤدي الطرفان واجبهما بصدق، ونلاحظ أنه عندما ينشأ خلاف بين هذين الزوجين يتوصلان الى مرحلة الانفصال فوراً إلا إذا كان هناك الأولاد الذين يشكلون الرابط الأساسي بينهما، خلافاً للزواج الذي يكون متوجاً بالحب الموحد بين قلبين... تعتريني الفرحة والبهجة عندما أفكر به فيخيل لي أن هذه الحياة الزوجية التي جمعت حبيبين يحملان الحب الصادق في قلبيهما هي حياة يتذوق فيها الزوجان طعم السعادة الحقيقي، وتمتاز بالتجديد وبالصلابة والمتانة أمام كل المشكلات التي يواجهها الزوجان لأن التسامح يولد مع الحب وكل المصاعب تهون أمام الحب. وأنا شخصياً لا أستطيع ان أرتبط بزوج لا أشعر تجاهه بالحب لأن الحب هو غذاء الروح وأمل الحياة وبهجتها ولن أقبل بالزواج التقليدي إذا حاول الأهل ان يقنعوني به، فمن حق الفتاة ان تختار الزوج الذي تراه مناسباً لها". وتقول جزيل حبيب 25 عاماً - خياطة: ان الزواج التقليدي هو من خيار الفتاة نفسها ولا يستطيع أحد ان يفرضه عليها. "ففكرة الزواج التقليدي الذي يعني اختيار الأهل الزوج المناسب لابنتهم بحسب منظورهم الخاص لمواصفات العريس، لم تعد موجودة في عصرنا الراهن كما كانت سائدة في السابق، حيث كانت الفتاة جليسة المنزل لا تدرس ولا تعمل ولا تدرك حقيقة ذاتها ووجودها وتطلعاتها... وكانت تنتظر العريس الذي يختاره الأهل لها، أما الآن فقد اختلف الوضع، إذ نادراً ما نسمع عن حالة زواج فرضت على الفتاة رغماً عنها، لأن فتاة اليوم تفتحت ونضجت وأصبحت تفرض رأيها في ظل الانفتاح الذي تعيشه وتأخذه من العلم والعمل ووسائل الإعلام المختلفة التي نورت الفتيات على كل شيء في سن مبكرة، فحالات الزواج التقليدي التي قد تحدث الآن هي قائمة برضا الفتاة نفسها لأن هناك فتيات يرغبن بالزواج بأي طريقة، المهم ان تدخل الفتاة "عش الزوجية". وهذه الحالات من الزواج قد تقدم عليها الفتاة كرد فعل على علاقة حب فاشلة لتغيظ الحبيب، أو لخوف الفتاة من أن تفوتها فرص الزواج وتدخل في قائمة العوانس، ففتاة اليوم لديها من الوعي وقوة الارادة والشخصية ما يؤهلها لاختيار حياتها المستقبلية الا في حالات خاصة تكون الفتاة ضعيفة الشخصية مقموعة لا تستطيع ان تتحمل مسؤولية خياراتها". وتعتبر اليسار الشافعي 26 عاماً - مدرسة ان الزواج التقليدي هو الزواج الأكثر رواجاً، والزواج الذي تغمره مشاعر الحب والانسجام والتواصل هو أمنية تحلم بها كل فتاة في مراحل مبكرة من العمر تبدأ بوادرها منذ الطفولة وتنمو وتترعرع في مرحلة المراهقة التي تتوهج بها المشاعر الصافية الدافئة. وفي مرحلة النضج تدخل القناعات والتوجهات الفكرية التي تؤثر على هذه العاطفة التي تحملها الفتاة في جوانحها. وتساهم التجارب والخبرات بتغيير مسار ما كانت تفكر به الفتاة في مرحلة المراهقة فتصبح طرق الزواج الذي ترغب به نسبية وتختلف من فتاة الى أخرى، فهناك منَّ تفضل الارتباط بالطريقة التقليدية وفق مواصفات وشروط معينة في العريس من حيث دخله المادي ومستواه العلمي والثقافي ووضعه الاجتماعي، فتوافق الكثير من الفتيات على هذا العريس "المغري" من دون أن يكترثن بالحب الذي هو آخر ما يفكرن به وقد يفترضن وجوده بعد الزواج. بل هناك بعض الحالات التي تستغني بها الفتاة عن الشاب الذي تحبه في مقابل الارتباط بهذا العريس الثري. أما الفئة الأخرى من الفتيات اللواتي لا يقبلن الارتباط بالطريقة التقليدية فتمثل الأقلية لأننا لو أجرينا احصاء في واقعنا الحالي لوجدنا ان النسبة الأكبر من الفتيات تزوجن بالطريقة التقليدية، أما حالات الزواج التي تتضمن اختيار الفتاة للشاب الذي أحبته قبل الزواج فهي حالات قليلة جداً، والسبب في ذلك يعود الى ان معظم العلاقات العاطفية التي تنشأ بين الشاب والفتاة يكون مصيرها الفشل بسبب الظروف الاقتصادية التي تحول دون الزواج وبسبب المعتقدات المتخلفة التي يحملها الشباب في تفكيرهم وتمنعهم من الارتباط بالفتاة التي أحبوها قبل الزواج. وفي العائلات المحافظة تسود الطريقة التقليدية، إذ تربى الفتاة منذ الصغر على هذه الطريقة في الزواج وتشهدها في زواج اخوتها الأكبر منها سناً أو في زواج القريبات منها. وهذا النمط من الحياة المحافظة لا يتيح للفتاة الفرصة المناسبة لإقامة علاقة مع الشاب الذي تحبه، بل تكون هذه العلاقة جرماً ارتكبته الفتاة وتستحق عليه العقاب القاسي ما يخلق في داخلها خوفاً يمنعها من خوض مثل هذه التجربة ويوجه فكرها نحو الطريقة التقليدية التي يقبلها الأهل الذين لا تستطيع الفتاة الانسلاخ عنهم وليس في وسعها سوى تقديم فروض الطاعة لهم.