ثمة قلق في عواصم الخليج من التلويح الأميركي المتكرر باستهداف العراق. قلق من حرب جديدة تبدو استكمالاً لحرب جرت قبل عشرة أعوام وظلت "ناقصة" بنتائجها، من سيناريواتها المرتقبة وتداعياتها المحتملة. في المرة السابقة كان استدعاء الولاياتالمتحدة والتحالف معها خيارين اضطراريين لتخليص الكويت من احتلال عراقي ابتلعها كاملة. هذه المرة لا تنتظر الولاياتالمتحدة دعوة ولا يبدو التحالف معها مرغوباً فيه بل قسرياً، بل اجبارياً. ولم يعد هناك سر، فالهدف هو اسقاط النظام العراقي وليس إعادة المفتشين الدوليين. وواشنطن باتت مسكونة بفكرة ان اسقاط نظام "طالبان" مهّد لاسقاط أي نظام آخر. في المرة السابقة كانت أكاذيب من نوع ان الجيش العراقي هو رابع الجيوش الأقوى في العالم، قابلة للتصديق وتنفع في صنع أجواء مواتية للحرب. هذه المرة، لا داعي للأكاذيب، فكل ما في الأمر أن الولاياتالمتحدة لا تجد في النظام الدولي الراهن ما يردع مخططاتها. فالانتقادات العقلانية والأخلاقية لحروب القصف الأهوج المفتوح بلا هوادة لم تتمكن من اقناع الأميركيين بالاقلاع عن هذا النمط العسكري الأحدث، من حرب الخليج الثانية الى حربي كوسوفو وافغانستان. ففي كل مرة أصبحت واشنطن تتذرع بأنها إزاء حرب "لا بد منها"، وانها إذ خططت لحروب بلا خسائر بشرية في صفوفها فمن الطبيعي أن تحمي جنودها، وهو ما لا يتأتى لها في حروب تقليدية تفترض حكماً مواجهة مباشرة بين الجيوش، وقد تطول المواجهة وتتطور على نحو غير متوقع أو تصعب السيطرة عليه. لا تكرار لتجربة فيتنام، ولا غرق في مستنقعات الجغرافية، فالنار كفيلة بإحراق أرض المعركة وإهلاك الدفاعات بشراً وحجراً. وبعد ذلك يجري الاعتماد على الآخرين للسيطرة على الأرض وتأمين الأمان قبل أي تدخل أميركي مباشر وبأعداد محدودة. المنسي دائماً في الخطط الأميركية، أو بالأحرى المتجاهَل والمحتقر، هو الشعب. وفي حال العراق جرت متاجرة في كل الاتجاهات بالشعب، بحرمانه ومعاناته ومستقبله. استخدمه نظام بغداد، واستخدمه خصوم هذا النظام. فالحصار فعل فعله في الفتك بالشعب العراقي، ووظف النظام النتائج الكارثية للحصار تدليلاً الى لاأخلاقية العقوبات، واستهزأ الخصوم بالوقائع التي أبرزها النظام وتبرأوا منها معتبرين أنه النظام مسؤول عنها. وفي مشاريع الحرب الجديدة، واحتمالات خروج المواجهة عن وسائلها التقليدية، ينسى الجميع ان المستهدف أرض مأهولة وليس صحراء خالية. وكما تساوى ممثلو "الشر" و"الخير" بوحشيتهم في افغانستان استطراداً للهجمات الارهابية في نيويوركوواشنطن، يبدو الطرفان متساويين أيضاً في استعداداتهما للحرب في العراق. وعدا اسرائيل، كدولة شاذة في المنطقة، تنظر الدول الأخرى الى بغدادوواشنطن كطرفين مكروهين ومتعنتين يأتي منهما أكبر الضرر للمنطقة. الأكيد ان بغداد فشلت طوال عشرة أعوام في اقتراح صورة جديدة تبرهن استيعابها ما حصل وابتعادها عن كل ما برر العقوبات المفروضة عليها. أما واشنطن فتحجرت بدورها في نقطة معينة لم تستطع أن تغادرها، الى حد أنها ساهمت بنفسها في تفتيت التحالف الدولي الذي آزرها تحت غطاء الشرعية الدولية، وما لبثت ان راحت تستخدمه لتمرير أغراضها أو لتمويه العقم السياسي الذي أصابها في الشأن العراقي. من هنا ان الحرب المقبلة هي مسألة حياة أو موت لنظام بغداد، وبالنسبة الى واشنطن تبدو هذه الحرب حاسمة لاثبات امكان - أو "صواب" - خوض حروب لتغيير الأنظمة حتى لو كان المعارضون أكثر عدداً من المؤيدين.