في طوكيو اختلاف بين الموقفين الرسمي والشعبي حول كيفية التعاطي مع السفينة التي اغرقتها قوات حرس الحدود اليابانية قبل شهر لاعتقادها بأنها سفينة تجسس تابعة لكوريا الشمالية. وعلى رغم ان ادراج الرئيس الاميركي جورج بوش كوريا الشمالية في "محور الشر" مع العراق وايران، يقوي موقف حكومة جونيتشيرو كيوزومي بالتصعيد مع بيونغ يانغ، فان المسؤولين الرسميين يعطون اولوية للشأن الداخلي ولتجنب تصعيد اللهجة مع الجار الكوري. وقال مسؤول في الخارجية اليابانية ل"الحياة": "نحن متأكدون من ان السفينة تابعة لكوريا الشمالية لكننا لن نرفع حطامها لثلاثة اسباب: اولاً لا نريد توتراً ضمن الجالية الكورية التي يبلغ عددها نحو نصف مليون منقسمين في تعاطفهم بين سيول وبيونغ يانغ، وثانياً لا نريد اختلاق ازمة سياسية مع كوريا عشية استضافتنا معها نهائيات تصفيات كأس العالم في ايار مايو وحزيران يونيو المقبلين، وثالثاً ان حطام السفينة يقع في المنطقة البحرية التجارية الصينية وبالتالي لا بد من الحصول على موافقة بكين على ذلك". يدل هذا على ان كوريا الشمالية ترفع من حدة التوتر بين بكينوطوكيو. اذ ان اليابان لم تقم باغراق السفينة في المنطقة الصينية وحسب، بل ان ذلك يعني ان هذا البلد في صدد التحول الى "بلد طبيعي" يستطيع ان يستخدم قواته العسكرية رداً على اي تهديدات خارجية مثل اي دولة اخرى عضو في الاممالمتحدة، بعد القيود التي فرضت عليها من قبل الولاياتالمتحدة الاميركية بسبب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية. ويعني هذا ايضاً ان كوريا الشمالية تصرفت بطريقة لا تفيد كثيراً مصالح الصين الحليف الاستراتيجي، لذلك فان بكين بعد اغراق السفينة في نهاية العام الماضي قالت انها تريد ان تعرف "ماذا حصل بالضبط؟ ولماذا حصل؟" لأنها بدأت تتخوف من ان الهدوء الذي كان يخيم على حدودها لعام 1945، لم يعد مضموناً في ضوء تنامي الاتجاه الياباني نحو تعزيز القدرة الدفاعية وخصوصاً الجوية واستخدامها. كانت كوريا جربت في العام 1998 ثلاثة صواريخ فوق الجزر اليابانية، ما اعتبرته طوكيو خطوة استفزازية دعمت السياسيين المحافظين الذين طالبوا بضربة صاروخية عقابية، ورفع النفقات الدفاعية الى اكثر من 6 في المئة من اجمالي الموازنة البالغة نحو 630 بليون دولار اميركي. كما ان واشنطن نظرت بعين القلق الى ذلك، لأن تلك الصواريخ تطال القواعد العسكرية الاميركية في اليابان حيث تنتشر اكثر من عشرة قواعد و21 الف جندي منذ نهاية الحرب ًالعالمية الثاثية. لكن شيئاً لم يحصل على الارض في هذه المرة ولا في المرة الثانية عندما رصدت القوات اليابانية سفينتي تجسس كوريتين في آذار مارس 1999، اذ لم تقم بحرية طوكيو سوى برمي قذائف تحذيرية لأنها لم تكن مخولة سياسياً بغير ذلك. غير ان الامر كان مختلفاً في كانون الاول ديسمبر الماضي، ذلك انه عندما رصد الحرس البحري الياباني السفينة الكورية تبادل معها اطلاق النار الى ان فجر "الكوريون انفسهم في عملية انتحارية". وعلى رغم ان كيوزمي تحدث مع المسؤولين الصينيين قبل اعطاء الضوء الاخضر لقواته البحرية، فان اطلاق قوات بلده النار على السفينة بعد وصولها الى المياه الصينية يقلق بكين في المستقبل لأنها سابقة لم تحصل منذ نصف قرن. صحيح انها كانت موجهة ضد بيونغ يانغ، لكن الرسائل تستهدف ايضاً الصين التي يعتقد مسؤولون يابانيون ان سفنها غالباً ما تخرق المياه الاقليمية لبلدهم وتجول بين الجزر اليابانية من دون اي رادع. كانت بيونع يانغ تبرأت من السفينة متهمة طوكيو بشن "حملة تشويه" ضدها، لكن المسؤولين اليابانيين يؤكدون انها "سفينة تجسس كورية" وانهم عثروا على وثائق واوراق طفت على سطح المياه تثبت على انها كورية... وانهم ينتظرون التوقيت المناسب لإخراج بقاياها بالتنسيق مع الصين.