في فندق الانتركونتيننتال في كابول، ثمة سيدة افغانية تدخّن. انه خبر في المدينة وتناقله كثر. سيدة افغانية غير منقّبة جاءت من احدى الدول الغربية ضمن مجموعة نسائية لمساعدة المرأة الافغانية في الخروج من النقاب الطالباني. "انها صدمة لنا" راح يقول كاتب افغاني، فالخروج من أسر الثقافة الطالبانية لا يكون بصدمة ثقافية كتلك التي يحدثها جلوس هذه المرأة سافرة في بهو الفندق. هذا ما حاول شاعر بشتوني آخر ان يفسّر به ادانة صديقه الكاتب لتصرف المرأة. الغريب ان الصحافيين، ومن بينهم الغربيون، لم يبدوا ارتياحاً لتصرّف السيدة الافغانية. بعضهم لم يرها اصلاً، ولكنه راح يسأل عن مكان وجودها، وفي كل مرة تسأل فيها عن اوضاع نساء كابول بعد ذهاب "طالبان" تستحضر هذه المرأة كنموذج لتسرّع الهيئات في تعاملها مع اوضاع المرأة في افغانستان. السيدة لم تأت بتصرف آخر، ولم يقل احد انها تجاوزت حدوداً اخرى، فقط هي تدخّن في "لوبي" الانتركونتيننتال، ويبدو انها تدخّن كثيراً، ومن المرجح ان احداً لم يتجرأ على ابداء ملاحظة لها، ولهذا فهي مستمرة في التدخين. الصحافية الفرنسية التي راحت تتحدث عن هذه السيدة اضافت معلومة جديدة، وهي انها قصّت شعرها "A la garچon" وفي هذا الامر استغراق في تجاوز الثقافة الافغانية، علماً بأن الانتركونتيننتال يعجّ بنساء افغانيات غير منقّبات، ناهيك عن الصحافيات الغربيات، ولكن هؤلاء جميعاً لم يقصّوا شعرهم على طريقة السيدة المدخّنة. وعلماً ايضاً ان الكثير من الصحفيات هن بدورهن مدخنات. الصحافيون العرب انقسموا حول هذا الموضوع، بعضهم اكد ان مجتمعاتهم لا تقبل تصرّف هذه السيدة، والبعض الآخر تحفّظ على تصرفها من غير حنق. الغربيون قالوا ان تدخين النساء في بلدهم يقتصر على المتعلمات، اما الصحافي الجزائري الذي عاش معظم حياته في اسلام آباد، فقد جزم ان نساء الجزائر لا يدخّن، وأشار الينا بما يشبه الاتهام بأن نساءكم المشرقيات نقلوا الى نسائنا بعضاً من تمرداتهن. ثمة تسليم في كابول بأن الظروف التي تعيشها النساء الافغانيات اعقد من ان يحلها خروج "طالبان" من المدينة، لا بل ان تواطؤاً ما حوّل هذه القضية الى صورة والى نقاب تتمسك به المرأة، والى جمعيات نسائية تحاول دفعهن الى خلعه. لم يرصد احد الى الآن أثر ست سنوات من التغييب الكامل ومن العيش على حافة الضوء والمرض والتجهيل. في بلد كأفغانستان لم تؤهل اجيال كاملة فيه من النساء لوظائف لا يمكن لغيرهن ان يؤدينها كالتمريض والتعليم، تختصر قضية من هذا النوع في حكاية امرأة تدخّن في صالون فندق، وتتحوّل الى نموذج للتعاطي الخاطئ. ويبدو ان إقامة الكثير من الصحافيين والاعلاميين لأسابيع طويلة في كابول، دفعت بعضهم الى التماهي مع الاوضاع التي حكمت على المرأة الافغانية بهذا المصير، وبعض آخر منهم جاؤوا مزوّدين بهذه القناعات. قد يبدو الامر غريباً ولكن اختباره في كابول امر مختلف، فهم يشعرون هنا بأن لقناعاتهم عمقاً اجتماعياً يسهّل اشهارها. اما الغربيون منهم فلصورة المرأة الافغانية المنقّبة بالكامل ولانعدام وظائفها طعم سيحملونه معهم الى بلادهم، فيكونون بذلك قد أكملوا سياحتهم في وسط آسيا. وفي هذا الوقت تعبّر ناشطات افغانيات في مجال اعادة المرأة الى المجتمع عن عجزهن الكامل عن الخوض في قضايا المرأة. فالجامعة التي خصصتها الحكومة الانتقالية للنساء لن تستقبل طالباتها لهذا العام كما في الاعوام القادمة بسبب عدم تدرّج جميع فتيات وشابات افغانستان في نظام مدرسي يؤهّلهن لدخول الجامعة. وغطاء الوجه بعد ان كان تقليداً يقتصر على بيئات محددة، اكتسب خلال سنوات حكم "طالبان" قوة وشرعية اجتماعية يصعب تجاوزها، والمستشفيات في المدينة خالية من الطبيبات اللواتي ترفض النساء الافغانيات اللجوء لغيرهن في حالات المرض والولادة. القضية كما تقول ناشطة افغانية تتجاوز ضرورة مراعاة التقاليد، ثمة وهم يجب تجاوزه.