أتاح لي حسن الحظ مبكراً في حياتي المهنية ان أعمل مع وزير الخارجية وقتها جيمس بيكر. كانت تلك أياما مثيرة. ولا أزال أذكر بوضوح جلوسي خلفه ضمن وفدنا الى مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، قبل 11 سنة بالضبط تقريبا، في جوّ مشحون بالتوقعات. كانت تلك مرحلة من الأمل في الشرق الأوسط. فقد تمكنت الأسرة الدولية لتوها من ازالة عدوان العراق على الكويت. وانتهت الحرب الباردة وعملت الولاياتالمتحدةوروسيا سوية نحو هدف مشترك. وتجرأ العرب والاسرائيليون على الاعتقاد بأن الخلافات المزمنة بينهم على وشك التسوية. وبدا ان لا نهاية للامكانات. المحزن أن تلك الآمال لم تثمر خلال السنين التالية. بل دخلت النظم السياسية والاقتصادية عهدا من الركود. فيما انهار التفاهم الأساسي بين العرب والاسرائيليين بأن لا تسوية منصفة للصراع بينهم الا من خلال التفاوض وليس العنف أو التخويف، وأن للطرفين مصلحة في التصدي للتطرف. خلال ذلك يستمر نظام صدام حسين في اضطهاده الوحشي للشعب العراقي، فيما يراوغ في تنفيذ مسؤوليته تجاه الأممالمتحدة بنزع سلاحه. وأطلقت مجموعات متطرفة تؤمن بالعنف هجمات دموية علينا وعلى اصدقائنا. النتيجة ان الغضب والاحباط يعمّان الشرق الأوسط اليوم، حيث لا يرى كثيرون حلولا ممكنة راهنا أو آمالا بها في المستقبل. ان شعوب المنطقة في حال من التململ والتوق الى التغيير. لكنها تخشاه في الوقت نفسه، بعدما علمتها التجربة المرة أن التغيير يحمل خطر الضياع والتفكك والاستلاب بمقدار ما يحمل الأمل بحياة أفضل. هناك في الوضع ما يغري بعض المراقبين بالدعوة الى الانسحاب وترك مجتمعات المنطقة لصراعاتها. لكن الحقيقة الصعبة هي ان الشرق الأوسط المتورط في صراعاته الداخلية يشكل خطراً على الشعب الأميركي مثلما هو خطر على شعوب المنطقة. الشرق الأوسط موطن بعض أقرب الاصدقاء الينا، وموقع ثلثي الاحتياطي العالمي للنفط، ومنبت ارهابيي 11 أيلول سبتمبر. أي ان الكثير يتوقف على أوضاعه، وسيكون للوقوف مكتّفي الأيدي أمامها عواقب كارثية. ان للولايات المتحدة والمجتمع الدولي واصدقائنا في المنطقة مصلحة قوية في استعادة الأمل من خلال جدول أعمال يقوم على التصدي للارهاب ونزع سلاح العراق والتوصل الى السلام بين العرب واسرائيل ودعم الاصلاح الاقتصادي والسياسي الداخلي. واذا كان لكل من هذه الأهداف أهميته الخاصة، فيجب ألا يوضع أي منها رهينة لغيرها أو تناولها متفرقة. بل علينا متابعتها كلها في شكل متزامن ومن خلال استراتيجيات متماسكة بعيدة المدى تبنى على الجهود الحالية لشعوب المنطقة وحكوماتها. هذا لن يكون سهلا. وعلينا، اذا كنا سننجح، أن نكون واضحين تجاه المنطقة وواقعها، وان نفهم ان الشلل عدو الاستقرار. علينا التركيز على علاقاتنا الثنائية الأهم، لكن علينا أيضا قول الحقيقة، من دون زيادة أو نقصان، للأصدقاء مثلما للاعداء. وعلينا ان نوضح ليس فقط ما نتصدى له، بل أيضا ما نريده. فوق كل ذلك يجب ان نفهم أن ليس بمقدورنا سوى دعم الجهود التي تبذلها شعوب وقيادات المنطقة لإزالة العوائق على طريق الأمل، لا أن نقوم بتلك الجهود بدلا منها. آخذا ً هذه الأفكار في الاعتبار، اسمحوا لي أن ارسم ملامح موقفنا تجاه القضايا الأربع التي ذكرتها أعلاه. الحرب على الارهاب بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر الارهابية أوضح الرئيس بوش مجددا بما لا يقبل الشك رفضنا للفكرة القائلة بأن قضية ما يمكن ان تشكل تبريرا لقتل الأبرياء. وهو لم يقم بذلك بل باسم الشعب الأميركي وحده بل باسم كل شعوب العالم المتحضر. وقد نظم الرئيس بوش منذ ذلك الحين التحالف الدولي الذي حرر أفغانستان. ونحن نواصل، مع شركائنا، استخدام كل الوسائل المتاحة - السياسية والديبلوماسية والمالية والاستخباراتية والأمنية والعسكرية - للقضاء على لعنة الارهاب الدولي. انها حرب على العنف المتطرف وليس على العالم الاسلامي أو العربي. ذلك أن ارهابيي 11/9 وبالي وأشباههم هم أعداء العرب والمسلمين. لقد دنّسوا ديانة عظيمة لكي يبرروا جرائمهم. ولاصدقائنا في الشرق الأوسط مصلحة خاصة في هذه الحرب. لقد عانى الكثيرون من الارهاب، وشاهد الكل تهديده للاستقرار والمجتمع والتقدم. انهم يواجهون التحدي ويلعبون دورا مهما في التحالف العالمي. وقد سمح كثيرون منهم باقامة القواعد لمساندة عملية "الحرية المستديمة" في أفغانستان، وبادلوا المعلومات الاستخباراتية والأمنية وقطعوا الامدادات المالية للارهاب. الارهابيون لا يقتلون الناس فحسب، بل يقتلون الأمل أيضا. وعندما نشارك اصدقاءنا في الشرق الأوسط في الصراع ضد الارهاب فاننا نشاركهم في تمهيد الطريق لمستقبل مليء بالأمل. العراق تواجه دول المنطقة، وأصدقاؤنا هناك، والمجتمع الدويل ككل، تهديدا حقيقيا متناميا من نظام صدام حسين في العراق. انه يشكل خطرا على شعبه منذ أكثر من عقدين. وقاد العراق الى حربين كارثيتين، واستعمل السلاح الكيماوي ضد النساء والأطفال العراقيين، ومارس كل ما يمكن تصوره من ارهاب الدولة. انه أيضا خطر على جيرانه. وقد طالبت الأممالمتحدةبغداد قبل 11 سنة بالتخلي عن أسلحتها للدمار الشامل. ووافق صدام على ذلك، لكنه منذ ذلك الحين يواجه قرارات مجلس الأمن بالخداع والانكار والمراوغة. ان تحدي صدام المستمر لهذه القرارات يشكل استفزازا لكل اعضاء الأممالمتحدة. وهذا سبب وقوف الرئيس بوش أمام الجمعية العامة في 12 أيلول سبتمبر وتحديه للأمم المتحدة ان تقوم بمسؤولياتها. وهو أيضاً السبب، بعد جهد مضن من الرئيس ووزير الخارجية كولن باول، في التصويت الاجماعي من مجلس الأمن على قرار جديد صارم يقدم للعراق الفرصة الأخيرة لتحمل مسؤولياته. ان على النظام العراقي إما التنازل عن سلاحه طوعا أو يُنزع سلاحه بالقوة. الخيار أمامهم، ولا مجال للتأجيل. الشعب العراقي يستحق السلام والرخاء والحرية. فيما تستحق شعوب العالم الأمن من الخطر العميق والمتنامي من النظام العراقي. وقد اتخذنا بإصدار القرار الحالي خطوة نحو الأمل. السلام العربي - الاسرائيلي الارهاب والعنف عقبتان على الطريق الى مستقبل واعد، خصوصا بالنسبة الى الفلسطينيين والاسرائيليين. ولأكن واضحا تماما: الطريق الوحيد الى ذلك المستقبل هو انهاء الارهاب والعنف. وليس هناك طريق آخر. قضيت شهورا كثيرة خلال السنة الماضية في رحلات الى الشرق الأوسط. ورأيت بنفسي مدى الغضب والاحباط لدى الأمهات والآباء الفلسطينيين والاسرائيليين. ورأيت بنفسي الدمار الرهيب داخل مخيم اللاجئين في جنين والآثار الفظيعة للتفجيرات الانتحارية في القدس. كما رأيت شيئا أكثر خفاء لكنه لا يقل عن هذين اثارة للقلق: انهيار الايمان بمستقبل أفضل تتعايش فيه جنبا الى جنب، وبسلام وأمن وكرامة، دولتا اسرائيل وفلسطين. لقد شهد الصراع ما يكفي ويزيد من المعاناة وما يكفي ويزيد من الموت. ويستحق الفلسطينيون والاسرائيليون أفضل من هذا. انهم يستحقون مستقبلا لا يخاف فيه الاسرائيليون اذا كان اطفالهم سيعودون من المدارس بسلام، مستقبلا يضمن لاسرائيل الاستمرار بدولة يهودية ديموقراطية تنبض بالحيوية. كما يستحق الفلسطينيون مستقبلاً خالياً من الاحتلال والنشاط الاستيطاني، مستقبلا تتوقف فيه المهانة اليومية للحياة تحت الاحتلال ويأتي لهم بدولة ديموقراطية لها مستلزمات البقاء. اننا نؤمن بعمق، كما أكد الرئيس بوش، بأن ليس من سلام لأي من الطرفين في الشرق الأوسط ما لم تتوافر الحرية لكل منهما. الطريق الى مستقبل كهذا بالغ الصعوبة، ويتطلب من القادة الرؤية والتعاطف الانسانيين، اضافة الى الشجاعة لمصارحة شعوبهم بالحقائق كما هي. ويتطلب من المجتمع الدولي الحماسة لبلوغ الهدف والعزيمة والسخاء لتحقيقه. كما يتطلب السلام من الناس "العاديين" من الطرفين - الأمهات والمعلمين والعمال ورجال الاعمال - رفض العنف والحقد، والمطالبة بتوسل السياسة دربا الى المستقبل الواعد. هذه كانت الروحية التي عبّر عنها الرئيس بوش في 24 حزيران يونيو الماضي عندما رسم رؤيته الجلية للسلام، وأصدر الينا توجيهاته بشق طريق عملي يقود خلال السنوات الثلاث المقبلة الى تحقيق تلك الرؤية. وقد تشاورنا بشكل مكثف مع الاسرائيليين والفلسطينيين، ومع شركائنا في "الرباعية" - روسيا والاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة - وأيضا، في المنطقة نفسها، مع المملكة العربية السعودية ومصر والأردن، على مسودة لخريطة طريق للقيام بذلك عبر مراحل ثلاث. المرحلة الأولى تقوم على انهاء العنف والارهاب اللذين فرضا تلك الآلام الهائلة على الأبرياء وأصابا تطلعات الفلسطينيين المشروعة بضرر كبير. الحقيقة البسيطة هي ان الارهاب والعنف طريق الى الكارثة للكل. ويجب أن يكون هناك، جنبا الى جنب مع بذل الجهد الأقصى لوقف الارهاب، تقدم مباشر للتخفيف من معاناة المواطنين الفلسطينيين واعادة الشعور بالأمل والكرامة اليهم. وقد أوضح الرئيس بوش أن ذلك يعني تحويل مداخيل الضرائب التي تحتجزها اسرائيل الى أيادٍ فلسطينية مسؤولة، كما يعني وقف كل النشاط الاستيطاني الاسرائيلي، من ضمنه "النمو الطبيعي" للمستوطنات القائمة، وذلك تماشيا مع تقرير ميتشل السنة الماضية. وعلى اسرائيل، مع استعادة الهدوء، سحب قواتها من المناطق الفلسطينية واعادة الوضع الى ما كان عليه في أيلول سبتمبر 2000، ما يسمح بالمزيد من الحياة الطبيعية للفلسطينيين. للفلسطينيين مصلحة عميقة في وضع أسس دولة مستقلة قادرة على البقاء من خلال اصلاح مؤسساتهم وتغيير قيادتهم. من مصلحتهم أيضا التحرك بسرعة في خططهم لتدوين دستور تقدمي ديموقراطي والتهيئة الدقيقة للانتخابات. كل هذه الخطوات يجب ان تأتي من الداخل، ويجب ان يتوفر للفلسطينيين للقيام بها المجال الكافي للتحرك، وكل ما يلزم من التشجيع. وبتحقق هذه الخطوات سيقوم مؤتمر دولي باطلاق المرحلة الثانية، الهادفة الى امكان اقامة دولة فلسطينية بحدود موقتة، كمحطة وسيطة نحو حل دائم يقوم على الدولتين. المرحلة الثالثة والأخيرة تتكون من المفاوضات بين دولتين، فلسطين واسرائيل، على اتفاق على الوضع النهائي يضع حدا نهائيا للصراع بينهما. وسيكون هذا السلام الفلسطيني - الاسرائيلي بدوره جزءا من جهد أوسع نحو سلام شامل بين اسرائيل وكل جيرانها، من ضمنهم سورية ولبنان، يقوم على الأسس المعروفة - مدريد وقرارات مجلس الأمن 242 و338 و1397 . ان لكل دولة في المنطقة مصلحة حيوية في هذا المشروع، ولا يمكن لأي حكومة ان تتخلى عن مسؤوليتها في المساعدة. وكان هذا السبب في ترحيب الرئيس بوش بمبادرة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله التي تبنتها قمة الجامعة العربية في بيروت، كما انه السبب في رفض أي دولة تلتزم السلام حقا ايواء مجموعات متطرفة تقوم بقتل المدنيين. السلام الشامل لا يمكن التوصل اليه أبدا من خلال العنف. يقول البعض ان هذا ليس وقت خرائط الطرق، وان ليس من أمل في التقدم نحو تسوية دائمة. لكنني أرفض ذلك. أنا لست ساذجا، والعقبات تبدو هائلة اليوم. لكن علينا ان نبدأ لأن التاريخ يعلمنا اننا اذا لم نتقدم سنعود القهقرى، وبنتائج كارثية. ان على كل الأطراف القيام بمسؤولياتها اذا كان لنا ان نتقدم، وقد أوضح الرئيس بوش أن الولاياتالمتحدة ستقوم بدور قيادي ناشط في هذا المجال. دعم الاصلاح محاربة الارهاب ونزع سلاح العراق والتوصل الى السلام العربي الاسرائيلي تمثل تحديات مهمة، لكنها رغم ذلك ليست التحديات الوحيدة التي تواجهها شعوب المنطقة وقياداتها. ذلك انهم يواجهون أيضا عوائق اقتصادية وسياسية كبرى على الطريق نحو الغد المؤمل به. والحقائق بذاتها مثيرة للقلق. فالدخل الفردي في عموم الشرق الأوسط يعاني من الركود أو التراجع. ويتأخر النمو حتى مع تزايد القوة العاملة. ويشكل الأطفال تحت 14 سنة 45 في المئة من سكان العالم العربي، فيما سيتضاعف عدد السكان في عموم المنطقة خلال الربع قرن المقبل. بالمقابل فان اقتصادات الشرق الأوسط غير مؤهلة للتعامل مع تدفق الشبيبة على سوق العمل. فيما تستمر في التراجع حصة المنطقة من مجمل الانتاج العالمي، ومن التجارة العالمية والاستثمارات. وتعاني غالبية اقتصادات المنطقة من الافتقار الى الشفافية وضعف أسواق رؤوس المال، والقيود على التجارة، وقوة العمل المفتقرة الى المهارات الحديثة. وبلغ مجموع الاستثمارات التي نقلها المستثمرون المحليون الى خارج الشرق الأوسط أكثر من تريليون دولار. واذا أخذنا في الاعتبار المصالح الكبرى المتوقفة على كل هذا، علينا بذل كل ما لدينا من جهد لدعم اولئك الذين يعملون لفتح اقتصاداتهم وتوسيع الفرص أمام مواطنيهم. ان هناك أكثر من نموذج واحد للتغيير، لكننا ندعو بقوة الى تعزيز دور القطاع الخاص، وتنويع الاقتصاد، وتعليم الأطفال لكي يستطيعوا التنافس في الاقتصاد العالمي الحديث. لكن الانفتاح الاقتصادي لا يمكن ان يحدث في فراغ. فالاقتصاد المنفتح يتطلب نظاما سياسيا منفتحا ومرنا. اذ لا فاعلية ل"اليد الخفية" المتمثلة بالنشاط وحرية الخيار الاقتصادي اذا لم تتوافر لها حرية الممارسة. لكن الكثير من النظم السياسية في المنطقة اليوم لا يعطي دورا لمواطنيه. وتعمل البنى السياسية في حالات كثيرة لعزل النظام والنخب الحاكمة عن التغيير. النتيجة هي تكلس المجتمعات ومقاومتها للتغيير السلمي التدرجي. وعندما تعتبر المعارضة ضربا من الخيانة يضطر المعارضون الى العمل السري. وتتحول المساجد الى مجالات سياسية، ولا يكون هناك تعبير عن الرأي المخالف سوى من خلال "حزب الله" أو "حماس". الجانب الايجابي هنا ان شعوب المنطقة بدأت بالتحرك. وتقوم اعداد متزايدة من المواطنين بتشكيل التنظيمات للقيام بدورها في المجتمع. وها نحن نرى، من جبل طارق الى الخليج، النساء والصحافيين والنقابيين والمعلمين يعبئون الصفوف، في أشكال تتلاءم مع مجتمعاتهم وثقافتهم، ليكون لهم صوت ضمن النظام، كما أن بعض الأنظمة السياسية بدأ بالانفتاح. ونأمل للانتخابات الأخيرة في البحرين، حيث كان للنساء حق التصويت والترشيح، أن تكون بشيرا بتوسيع المشاركة الشعبية. تبين هذه الأمثلة أنني لا أقول شيئا لم تدركه شعوب الشرق الأوسط بنفسها. اننا لا ندّعي التفرد بالحكمة في هذه القضايا، واعتقدتُ دوما، في ما يخص ممارسة أميركا لقوتها وسعيها الى أهدافها في الشرق الأوسط، أن قليلا من التواضع يأتي بالكثير من النفع. الحقيقة أن شعوب الشرق الأوسط لا تحتاج الى مواعظ عن مشاكلها، بل الى دعم لجهودها الذاتية للتقدم نحو مستقبل أفضل. وهي ستحصل على هذا الدعم. وقد قام وزير الخارجية كولن باول، بناء على تعليمات الرئيس بوش، بدور قيادي في تنظيم مبادرة للعمل مع تلك الأطراف في المنطقة التي تلتزم توسيع الفرص الاقتصادية وتوسيع المشاركة السياسية وتحسين تعليم الشبيبة. هذه المبادرة تتطلب شراكة ثنائية حقيقية في كل من هذه المجالات الثلاثة. ونحن نسعى حثيثا مع شركائنا في المنطقة، اضافة الى السعي مع الكونغرس، لتطوير هذا الجهد الذي سيتناوله الوزير باول بتفصيل أكثر في الشهور المقبلة. وسنقوم من خلال هذه المبادرة بمساعدة أي خطوات تتخذها البلدان العربية لفتح اقتصاداتها وتمويل ناشطيها الاقتصاديين والمشاركة على نطاق أوسع في نظام التجارة العالمي. ان دولا مثل المملكة العربية السعودية تريد الانضمام الى منظمة التجارة العالمية ونحن مصممون على المساعدة. كما اننا نستكشف مع دول اخرى، مثل المغرب والبحرين ومصر سبل توسيع العلاقات التجارية والسير على خطى اتفاق التجارة الحرة بيننا والأردن، الذي أفخر بدعمه منذ كنت سفيرا في عمان. كما نساند في الوقت نفسه مساعي تعزيز المشاركة السياسية، خصوصا للنساء. والواقع ان وزير الخارجية باول اجتمع مع وفد من القيادات النسائية من أنحاء العالم العربي زار الولاياتالمتحدة لتعلم المهارات اللازمة للحملات الانتخابية والاطلاع على عمليات الانتخاب. وقد أثارت حماسة وجدية القيادات النسائية هذه أشد الاعجاب، وأعطت مثالا حيا على ما يمكن انجازه عند اطلاق القدرات الانسانية الكامنة في المنطقة. كما سنعمل مع المربّين والآباء للمساعدة على تهيئة الأحداث لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين. اننا ندرك الحاجة الى ابقاء الباب مفتوحا أمام الطلبة العرب والمسلمين، بالتوافق مع متطلبات أمننا الداخلي. اننا لا نستطيع، ولا ننوي، الاستغناء عن التعامل مع جيل بأكمله من الشباب العربي والمسلم. ما أشير اليه هنا ربما يلخص التحدي الأكبر الذي نواجهه سوياً مع شركائنا في المنطقة. ان علينا التحلي بالواقعية ازاء العقبات على الطريق أمامنا، والزمن الذي يستغرقه بروز التغير الحقيقي، ومحدودية دور الأطراف الخارجية. لكن يجب في الوقت نفسه تجنب القناعة بأكثر التوقعات تواضعاً. وقد برهن تقرير التنمية الانسانية في العالم العربي لسنة 2002 على مدى انشغال شعوب الشرق الأوسط نفسها بهذه القضايا. وللولايات المتحدة، من جهتها، مصلحة عميقة في تشجيع هذه التغييرات البنيوية البعيدة المدى. ان غالبية هذه التحديات خارج دائرة سيطرتنا. لكنها ليست كلها خارج قدرتنا على التأثير. وهنا أيضا تبدو أهمية تقرير التنمية الانسانية في العالم العربي، لأنه يعطي المخطط العام لجدول اعمال العالم العربي اذ يحاول استعادة الأمل، وبمقدورنا دعمه، ونحن مصممون على ذلك. الغضب والإحباط يعمان الشرق الأوسط اليوم. لكنهما ليسا وحدهما، فهناك بوارق الأمل الى جانب ظلال اليأس. انني لم أنس أبدا، على رغم كل الانعطافات والانحدارات منذ ذلك الوقت، مشاعر التفاؤل التي سادت ذلك اليوم في مدريد قبل 11 سنة. وقد عدت من جولاتي في الشرق الأوسط مقتنعاً بأن شعوب الشرق الأوسط تصر على التمسك بالأمل وانها مستعدة لاتخاذ الخطوات اللازمة لايقاد جذوته. جدول الأعمال الذي حاولت وصفه واقعي تماما في ما يخص التهديدات التي يوجهها الارهاب ورفض العراق، حتى الآن، نزع سلاحه. وهو يوضح، أو هكذا آمل، مدى اهتماماتنا في الشرق الأوسط، ومدى الصعوبات أمام التوصل الى السلام العربي - الاسرائيلي، وأيضاً تصميمنا على مساعدة شعوب المنطقة على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية الحقيقية أمامها. لكنه أيضا جدول أعمال مؤسس على التفاؤل، وهو يخاطب أفضل ما فينا كأميركيين وأيضا أفضل ما في انسان الشرق الأوسط اليوم. واذ ليس بين نقاط جدول الأعمال هذا ما هو سهل، فمن المهم تماما متابعتها كلها، وبكل ما لدينا من طاقة وتصميم. * مساعد وزير الخارجية الأميركي. والمقال جزء من كلمة ألقاها في اجتماع لمجلس بالتيمور للشؤون الخارجية.