طرح هشام شرابي في مقالته "ما العمل المطلوب الآن تجاه محنة فلسطين؟" "الحياة" 14/11/2002 فكرة مؤداها ان على فلسطينيي الشتات انشاء كيان اداري يكون من شأنه دعم فلسطينيي الداخل وتفعيل قدراتهم لتنفيذ مشاريع الإعمار والإصلاح وحماية الأمن الفلسطيني، ويقترح فكرة عقد مؤتمر عام لبناء هذا الكيان الإداري. هنا ردان على المقالة: وسط الركام من الآلام والمآسي التي يعيشها فلسطينيو الداخل، يكتسب اقتراح هشام شرابي اهمية خاصة، وهو بالتالي جدير بالاهتمام والمتابعة. ويصبح الاقتراح ثميناً جداً، وسط تخبط القيادة التاريخية وفقدان دليلها السياسي. ان تفعيل دور فلسطينيي الشتات امر في غاية الأهمية، ذلك ان اتفاقات اوسلو فصمت العلاقة العضوية ما بين فلسطينيي الشتات وفلسطينيي الداخل، وجاء تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني ضربة موجعة لتلك العلاقة. وفي الممارسة التي تجلت في ممارسات السلطة الوطنية الفلسطينية، اصبح الوضع اكثر خطورة حيث تجلى نشوء طبقة كومبرادورية ارتبطت مصالحها بمصالح الاحتلال، وتم توطين الفساد على نحو مقزز، وفي النهاية ادارت السلطة ظهرها لفلسطينيي الشتات، وأصبح فلسطينيو الداخل - في ظل سلطة اوسلو - بين سندان سلطة لم تستوعب دورها ومطرقة احتلال اسرائيلي شرس. والنتيجة ما نشاهده الآن من اوجاع وآلام اضافة الى تقطيع اوصال الأرض والمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية واستباحة الشعب الفلسطيني استباحة كاملة. وهذا ما يجعل دعوة هشام شرابي في مكانه وزمانها الصحيحين، إذ ان استنهاض دور الشتات هو اللجوء الى المخزون الاستراتيجي لفلسطينيي الداخل. ومن دون الانتقاص من وجاهة اقتراح هشام شرابي، فإن اقتراحه جاء خلواً من آليات تنفيذه عدا الدعوة الى مؤتمر عام. ويحاول هذا التعقيب المساهمة في وضع تصورات اولية لآليات تنفيذ الاقتراح. في ظني، ان عقد مؤتر عام ليس ممكناً في حال الرعب التي تسيطر على العالم العربي، وبعدما تحولت النخب الحاكمة فيه الى طلاب في "مدرسة المتوسلين" وسيكون محرجاً لأي نظام في العالم العربي القيام بمهمة رعاية مثل هذا المؤتمر العام. وقد يكون البديل لمؤتمر عام عقد مؤتمرات محلية في المناطق التي يوجد فيها الفلسطينيون بحيث يتم انتخاب لجان محلية. وتنشأ عن هذه اللجان المحلية لجنة عليا، تكون هي بدورها منتخبة ديموقراطياً. ربما لا تكون هذه هي الآلية الأمثل، إلا انها - وضمن ظروف الانسحاق العربي الماثل حالياً - قد تكون الآلية العملية او القابلة للتطبيق. ومن اولى مهام هذا التحرك شرح الخط البياني لمساره، لئلا تصاب القيادة التاريخية بالهلع والذعر من ان هذا التحرك يهدف الى خلق قيادة بديلة. ان تطمين القيادة التاريخية امر ضروري، ذلك ان القصد ليس مناطحة هذه القيادة، بل عقد المؤتمرات المحلية والوصول الى لجنة عليا. ومن المهم ملاحظة ان القيادة التاريخية اصبحت جزءاً لا يتجزأ من النظام العربي، فكراً وممارسة وهيكلة وتوسلاً، وفي إمكانها احباط اية محاولة تشعر فيها انها مهددة. ويجب ان يتبنى هذا التحرك برنامجاً محدداً مؤداه كيفية دعم فلسطينيي الداخل من حيث طرح السياسات البديلة، وتقديم معونات مقننة ووضع اسس المعاملات والتشريعات بعيداً من الارتجالية والمزاجية، ووضع اجراءات محددة لبناء مؤسسات تكون قادرة على تولي مهام "دولة" عصرية حديثة تعكس كفايات الشعب الفلسطيني وخبراته، وتحاول خلق اقنية لتوظيف الاستثمارات والمعونات في جو من الشفافية والمساءلة، وتطوير اجهزة اعلامية قادرة على ايصال رسالة شعب مقاوم وأعزل ضد سلطة احتلال خرجت على كل قواعد القتال وأخلّت بكل اعراف الحرب المتبعة لدى الأمم المتحضرة. ولن يكون خروجاً على القيادة التاريخية ان استطاعت هذه اللجنة العليا المنبثقة من الهيئات المحلية - على سبيل المثال - دعم قائمة مرشحين من القيادات الشابة التي افرزتها الانتفاضة الأخيرة، لا سيما تلك القيادات من الشباب والشابات الذين ظلوا اوفياء لقضية شعبهم وظلوا بعيدين من التلوث بربط مصالحهم مع مصالح الاحتلال، ولم تتسخ ايديهم بقضايا التعذيب ونهب المال العام. إن قيادات من هذا الطراز، جديرة بدعم فلسطينيي الشتات. ولن يكون تجريحاً في القيادة التاريخية ان قامت اللجنة العليا - على سبيل المثال - بتأسيس مركز اعلامي لنشر ممارسات الاحتلال اليومية على نطاق دولي وعلى اسس منهجية بدلاً من تلك المقولات المملة والسمجة التي يرددها ممثلو السلطة كالببغاوات إننا نحمّل اسرائيل المسؤولية، وعلى المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤولياته...، وهذا يدل الى أن شارون لا يريد السلام، وذاك يؤكد عدوانية السياسة الإسرائيلية... الخ، من هذه الكليشيهات الممجوجة. وقد يسأل البعض، هل ستكون اللجنة العليا المقترحة بديلاً من منظمة التحرير الفلسطينية؟ والجواب قطعاً بالنفي. إلا انه يجب التذكير ان المنظمة اصبحت، بفضل احتيالات اتفاقات اوسلو على الوضع الدولي لمنظمة التحرير، اسماً اكثر مما هي مسمى، وتم تفريغها من محتواها وإضعاف مؤسساتها الى درجة محزنة، لقد اصبح المجلس الوطني جسماً محنطاً، واللجنة التنفيذية اصبحت "وظيفة" اكثر مما هي مهمة وطنية، ولم نعد نسمع نشاطاً للمنظمة منذ ان قامت السلطة الفلسطينية كإنتاج اوسلوي مشوّه. وبالتالي تقع المبادرات التي يطرحها هشام شرابي في مجال تنشيط دور منظمة التحرير وبعث الحياة في شرايينها. * محام مقيم في الأردن.