أثارت حوارات القاهرةالفلسطينية الأخيرة موجة من ردود الفعل المتباينة في فلسطين والشتات، لدرجة اعتقد البعض من أصحاب السياسات الانقسامية بأنها حوارات تهدف لاقتسام مغانم وكعك السلطة في محاولة لتقزيم العملية الحوارية التوحيدية، واعطائها مضموناً آخر. استطيع ان اجزم بكل شفافية ووضوح بأن مواضيع تقاسم كعكة السلطة لم تكن مطروحة ابداً على جدول أعمالنا في لقاءات وحوارات القاهرة. فنحن كنا مشدودين الى انقاذ الوضع الفلسطيني واطلاق العمل على بناء الذات الوطنية والعربية، وتحصينها، ووضع آليات العمل والاطار السياسي وتثبيت المرجعية الوطنية المشتركة والدولية لمفاوضات المرحلة النهائية، فضلاً عن النظر بأوضاع منظمة التحرير وهيئاتها المختلفة المجلس الوطني، المجلس المركزي،... اضافة الى أوضاع شعبنا في الشتات خاصة في لبنان. وعليه أدعو كل القوى ومنابر الرأي العام الوطنية والعربية لفحص البيان المشترك بين الديموقراطية وفتح والسلطة 23 آب/ اغسطس 99 ومراقبة درجة خطوات تطبيقه كما فعلت وتفعل منابر الرأي العام الأوروبية والاميركية. لذا، فإن ما يشاع عن مناصب قيادية وزارية للجبهة الديموقراطية لا صحة له على الاطلاق، وليس لدينا مشكلة أو تهيب في اعلان موقفنا تجاه أي مسألة طرحناها أو يمكن ان نطرحها في الاجتماعات والحوارات القادمة. وكما قلت، لم يكن أصلاً مدرجاً على جدول اعمالنا المشاركة بالسلطة أو اقتسام غنائمها أو هموم المحاصصة. فالمرحلة الحرجة التي يعبر فيها الشعب الفلسطيني الفترة الحالية تقتضي سمواً في المواقف وتجاوزاً للذات الفئوية التنظيمية على رغم نزعات الهيمنة والاستحواذ لقيادات من فتح على السلطة، والتي عبر عنها علناً للاعلام ... خارج طاولة مباحثات القاهرة، وتقابلها نزعات عبر عنها عضو مركزية فتح ... وهو خارج السلطة بادعاء الفصل بين فتح والسلطة، وبهذا النمط من الادعاء تكمن اساءة للأخ عرفات شخصياً، فضلاً عن تنظير الأخ ... لحزب فتح القائد ودقه الأسافين في صف حوار الوحدة الوطنية، وهو بهذا يتناسى ان كل نظريات الحزب القائد، أو الواحد انهارت من الاتحاد السوفياتي الى البلاد العربية وأدت الى الكوارث الماثلة أمام الجميع على رغم انه لا يزال في بلادنا من يصارع في خدمة هكذا سياسات من موقع "أكل البيضة وقشرتها" أو من الموقع الآخر الذي يفصل بين السلطة والحكم والحزب أو التنظيم الواحد ليجمع ايضاً بيديه "أكل البيضة وقشرتها". إننا ننظر الى القضايا الوطنية بمنظار المصلحة العليا للشعب الفلسطيني أولاً وللعرب ثانياً، وليس اقتسام الكعكة كما ذكرت. ويمكن العودة الى جميع الأخوة المشاركين في الاجتماعات التي جرت وتوجيه السؤال لهم، كي نلحظ سوياً بأن الهم الوطني وانقاذ الوضع الفلسطيني وحده شكل جدول اعمال الحوارات التي عقد يومين 22 و23 آب، ولقاء مغلق بين الأخ أبو عمار وبيني. من جانب آخر نتمنا لو جرت الحوارات بلقاءات جماعية تشارك بها القوى الرئيسية المؤسسة لائتلاف منظمة التحرير ليتم لاحقاً توسيع دائرة الحوار بين الجميع ومع الجميع. هذا ما كنا نأمله ونتمناه وعملنا له قبل ثلاث سنوات منذ ان اطلقت الجبهة الديموقراطية المبادرة الوطنية التوحيدية في شباط فبراير 1997 بعد مراجعة نقدية ذاتية ووطنية شاملة أمام وفود حزبية عربية ومؤسسات الاعلام العربية على مساحة دورة اللجنة المركزية الموسعة، ومنذ ان جددنا وطورنا هذه المبادرة عبر قرارات مؤتمرنا الوطني العام للجبهة الديموقراطية في ايار مايو 1998. وما زلنا الى الآن نعتقد بأن الحوار المشترك بمشاركة القوى الرئيسية المؤسسة لائتلاف منظمة التحرير كان يمكن ان يكون اكثر انتاجية وأكثر ثماراً منه على عقد حوارات ثنائية، وعليه كانت الدعوة المشتركة من فتح والديموقراطية يوم 23 آب لعقد جولة الحوار الوطني التمهيدي يوم 31 آب 99 في رام الله وبأمل وضع آليات الحوار الشامل في الوطن والشتات. نحن نرحب بالحوارات التشاركية الواسعة، ومع اعداد أوراق عمل تستوعب لقاءات القاهرة الأخيرة التي عقدت بين فتح والسلطة من جهة والجبهتين من جهة ثانية، فسياستنا المتواصلة تقدم المفاتيح الملموسة للحوار الوطني الشامل، والآن نأمل بالحوار التمهيدي الذي تم في رام الله في31 آب 99 بين جميع فصائل منظمة التحرير ان يشكل المدخل لحوار شامل يضم ايضاً حركتي حماس والجهاد الاسلامي يعقد في الوطن والشتات، وفي العواصم العربية التي تستضيف الحوار الوطني الشامل. ان دعوة الحوار الوطني الشامل ليست جديدة بالنسبة لنا كما قلت منذ لحظات. وأضيف مكرراً القول بأن الانقاذ الوطني للوضع الفلسطيني يتطلب وقف المكابرة وعودة الجميع الى البرنامج الائتلافي المشترك ومغادرة البرامج والمشاريع الفئوية والانانية الخاصة. أما ما صدر من تصريحات حول اجتماع رام الله فتم فعلاً في 31 آب، كما دعونا في البيان المشترك في القاهرة يوم 23/8/99، وتم اللقاء الوطني بحضور كل القوى والفصائل الفلسطينية الموجودة على الأراضي المحتلة بما في ذلك توجيه دعوة لحركتي حماس والجهاد الاسلامي. ونعتقد بأن تلك الجلسة الحوارية تأتي في السياق ذاته للحوارات الوطنية التحضيرية في رام الله وغزة وبعدها انتقلت الى القاهرة، ونعتقد بوجوب استمرارها وكسب عامل الوقت على طريقة تهيئة الوضع الفلسطيني أمام المرحلة القريبة القادمة بكل استحقاقاتها. وفي السياق ذاته، فإن مفاوضات المرحلة النهائية بدأت بواكيرها تطل على مصائر الوطن والشعب وحقوقنا الوطنية بتقرير المصير والدولة المستقلة والعودة وانهاء المرحلة الانتقالية الأوسلوية، أو التراجع تحت ضغط باراك والادارة الاميركية الى سياسة الخطوة خطوة التي لم تأت بالسلام الشامل طيلة سنوات اوسلو الست ولا تبشر بها حالها حال مصير صخرة سيزيف الشهيرة. ونعتقد بأن المعركة المقبلة ستتمحور على ماهية هذه المفاوضات وآلياتها وإطارها السياسي فضلاً عن مرجعيتها الدولية والفلسطينية. فهذه المسألة كانت عنواناً رئيسياً في حواراتنا في القاهرة. فنحن على إدراك بأن المرحلة القادمة تحمل استحقاقات كبيرة تمس مصائر ومستقبل الوطن والشعب الفلسطيني لسنوات طويلة قادمة ولأكثر من عشرية من السنين، بينما زحف التهويد والاستيطان لا يتوقف. ومن هذه الاستحقاقات مفاوضات المرحلة النهائية بعد ان انتهت المرحلة الانتقالية بسقف 4/5/1999 وبعد ان انتهى مفعول تواقيع من رعاها الولاياتالمتحدة، روسيا. لذا فنحن الآن امام منعطف جديد يتطلب اعادة توحيد كل الأدوات الكفاحية بيد الشعب الفلسطيني تحت راية وقيادة منظمة التحرير باعتبارها الاطار الائتلافي الواسع المعبر والناطق باسم كل الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل والشتات. إضافة الى ضرورة تحديد الآليات والإطار السياسي والمرجعية الدولية والفلسطينية لمفاوضات الحل الدائم. والآن نحذر من ضغوط باراك للربط بين و"اتفاق واي" وإعلان مبادئ أوسلوي جديد يدير ظهره لقرارات ومرجعية الشرعية الدولة ويحشر القضايا الكبيرة في عنق زجاجة ما يتفق عليه الطرفان الاسرائيلي والفلسطيني عملاً بميزان القوى المختلاً لصالح الاحتلال والاستيطان بديلاً عن الانتقال للمفاوضات الشاملة على أساس قرارات الشرعية الدولية 242 و338 و194 و237 والمرجعية الائتلافية الوطنية تحت اشراف منظمة التحرير الفلسطينية والمرجعية الدولية الاتحاد الأوروبي، الصين، اليابان، روسيا الى جانب الولاياتالمتحدة الاميركية، فالتراجع تحت ضغط باراك هو عودة الى مربع ترك زمام القوة مختل لصالح الدولة العبرية، وهذا هو السبب الرئيسي وراء تعديلات باراك لاتفاق "الواي" وتوقيع الواي رقم 2. نحن على قناعة كاملة بأن اعادة بناء عناصر التوازن الفلسطيني لمفاوضات الوضع النهائي تتطلب: 1- الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة ائتلافية بين الجميع في الداخل والخارج. 2- بناء استراتيجية نضالية سياسية وتفاوضية فلسطينية جديدة على قاعدة قرارات الشرعية الدولية واطار ورعاية المرجعية الدولية. 3- إشراف ائتلاف منظمة التحرير الكامل على مفاوضات المرحلة النهائية باسم الشعب الفلسطيني وتحت ادارة هيئة قيادية ائتلافية وطنية كما تقرر بالبيان المشترك في 23 آب 1999. هذه هي العوامل الرئيسية في رسم سياسة فلسطينية مغايرة لسياسة التنازلات والإملاءات. وهذه السياسة، هي التي تفتح على توليد مفاوضات اقليمية وعربية ودولية مساندة وداعمة وضاغطة على دولة الاحتلال لفرض قرارات الشرعية الدولية مثل بيان قمة برلين للاتحاد الأوروبي في آذار 1999، الخ. عند ذاك سنكون شركاء طبيعيين في أي مفاوضات للحل الدائم، فهذه المفاوضات مسؤولية جماعية ولا يحق لأي طرف فلسطيني مهما كان وزنه أو دوره ان ينفرد بها، وان يقرر مصير الوطن والشعب لوحده من دون العودة اليه. وفي السياق ذاته، طرحنا ضرورة استفتاء الشعب الفلسطيني لئلا يكون الشعب في وادٍ وحقوقه الوطنية في واد الآخر. هذه هي أدوات القياس التي حددها بيان القاهرة المشترك وهي ميدان الاختبار. ولا أخفي أن المسألة المتعلقة بالمرجعية الدولية لمفاوضات الحل الدائم بقيت من دون حل كامل بيننا في القاهرة، كما ان البند المتعلق باستفتاء الشعب الفلسطيني حظي بنقاش كبير قبل إقراره بالشكل الذي ورد في البيان الختامي لأعمالنا يوم 23/8/1999. * الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين