داخل مؤسسة لرعاية الاحداث يقبع فتيان وفتيات، قست عليهم الحياة، فلم يجدوا راعياً، وانتهى بهم المطاف في مؤسسات لرعاية الاحداث، يجدون فيها ما لم يجدوه في اسرهم الحقيقية، عيونهم تقول: نحن ضحايا آباء وامهات بلا رحمة. وصحيح ان الحكايات تنضح بأخبار سمعنا العشرات مثلها في السينما المصرية وفي الدراما الكلاسيكية، لكن الأقتراب منها يحولها الى حقيقة، او ربما تكرارها يشعرنا بأننا ازاء مسلسل مصري عناصره زوجة الأب أو الأم الجانحة، وتلك النهايات السعيدة التي طالما حفلت بها ايامنا في شهر رمضان المبارك. حكت فتاة تدعى نجوى عن الطريق الذي ادى بها الى مؤسسة رعاية الاحداث، فقالت: بقيت لمدة 14 عاماً اعيش مع سيدة اعتقد انها امي، ولم اكن اجد مبرراً لتلك القسوة الرهيبة التي تعاملني بها، الى ان صدمتني الحقيقة عندما اخبرتني انها ليست والدتي، وإنما اخذتني من احد الملاجئ. وهنا اكتشفت سر قسوتها فقد كنت اقوم بكل اعمال المنزل، وإذا اشتكيت من التعب تضربني من دون رحمة وتكوي قدمي بملعقة ساخنة. حاولت نجوى ان تهرب من المنزل وتستريح من تلك السيدة التي تتلذذ بتعذيبها، الا انها فشلت، وكانت النتيجة ان ربطتها المرأة من يديها وقدميها وظلت تضربها بخرطوم المياه بعد أن جردتها من ملابسها، ولم تكتف بذلك بل قامت بحلق رأسها وتركتها عارية حتى اليوم التالي من دون طعام ولا شراب، وعندما قامت بفك قيودها اجبرتها على تنظيف الغرفة وغسل الملابس مانعة الطعام عنها حتى غروب اليوم. ظلت نجوى تروي، وهي تبكي كلما تذكرت احد المواقف القاسية من تلك المرأة التي كانت تعيش معها وتعتقد انها أمها، وظلت تتساءل في حيرة: لماذا كانت تعذبني؟ وإذا لم أكن ابنتها فلماذا اخذتني من الملجأ، ولماذا لم تتركني لغيرها؟! وإذا كنت ابنتها فلماذا تحرمني من حنان الام؟ فلم ألق منها اي لمسة او نظرة عطف او حنان، كأنني عدوتها. استطردت نجوى تائهة شاردة: شعرت بالسعادة عندما فوجئت في يوم ان هذه السيدة لا تتحرك ولا تنطق في فراشها، ولا تستيقظ من نومها! ناديت على جارتنا فأخبرتني انها فارقت الحياة! فلم اتردد في اخذ ملابسي والهروب من هذا السجن الذي ظللت اعاقب داخله على جريمة لم ارتكبها، وساقتني قدماي الى احدى مؤسسات رعاية الفتيات فوجدت معاملة مختلفة، معاملة حسنة، وتعلمت الحياكة، وتجاوزت مراحل متقدمة في تعلم القراءة والكتابة، واستقرت حالي النفسية. الام انحرفت... فضاعت الاسرة وفي المؤسسة نفسها رأينا مأساة لفتاة عمرها 16 عاماً اسمها عزة كانت تعيش وسط اسرة مكونة من ثلاثة اولاد وأب وأم، وكان والدها يملك متجر خردوات ووالدتها تملك محلاً لشرائط الفيديو كاسيت، وكانت حياتها عادية الى ان ظهر في حياتهم شاب يدعى "كرم" عمل في متجر والدها، وبدأ الوالد يعتمد عليه في ادارة المحل، ومع الوقت تعرفت والدتها على هذا الشاب الذي يصغرها بعشرين عاماً، وبدأت الأم تقف في محل الخردوات وتترك محل الفيديو لفتاة صغيرة استأجرتها لتعمل معها، وبدأت العلاقات تتوطد بينهما الى ان شاهدتهما عزة داخل شقتهم بالصدفة في موضع مشين، وحاولت امها ان تستعطفها الا تبوح بما رأت، ووعدتها أن هذا الامر لن يتكرر مرة اخرى. لكن هذا لم يحدث وبدأت الام تقابل كرم داخل الشقة وفي الحدائق والكافتيريات خارج الحي، وبدأت سمعة الأم تسوء بين الناس خصوصاً انهم في حي شعبي، وبدأت والدة عزة تثير المشاكل مع زوجها من دون داع وتطلق الاشاعات بأنه غير قادر على المعاشرة، ولم تراع شعور اولادها ولا شعور اخوتها الذين يقيمون معها في الحي واصرت على الطلاق، ولم تفلح الجهود التي بذلها الجيران لإثناء الام عن طلب الطلاق، بل انها اخذت تثير الفضائح ضد زوجها بين اهل الحي بما جعل عزة واخواتها الصبية يتعرضون لمواقف سخيفة من اصدقائهم وزملائهم ادت الى انكفائهم ومقاطعتهم ليتجنبوا سماع الكلام السيئ. وعندما تم الطلاق اصرت الام على ان تعمل ليلة للحنة وليلة اخرى كبيرة للعرس، ولم تراع شعور اولادها، وبعد ذلك اليوم تركت عزة المنزل وبدأت مشواراً آخر في الحياة لانها نامت في احدى الحدائق العامة فأخذتها سيدة منحرفة الى منزلها واستغلتها في الاعمال المنافية للآداب، وبعد ضغوط واغراءات انساقت عزة في طريق الدعارة وقبض عليها داخل شقة تدار للاعمال المنافية للآداب، الا انها استطاعت ان تحافظ على عذريتها. وفي مؤسسة الاحداث تعيش عزة الآن وتتعلم فن التريكو وقد بدأت الدراسة في المرحلة الثانوية، وتقوم المؤسسة بجهود لدفع عزة الى نسيان مأساتها. ورفضت عزة مرات عدة زيارات والدتها إذ تشعر انها المجرمة الحقيقية لانها قضت على مستقبلها ومستقبل اخوتها ودمرت اسرة كانت سعيدة من اجل رغباتها ونزواتها. وائل واصحاب السوء وائل من أسرة كبيرة العدد، له اربعة اخوة وثلاث اخوات، كان يسكن في حي شعبي فقير ووالده يعمل نجاراً، وكان وائل في المرحلة الاعدادية لكن كثرة اخوته جعلت والده ينشغل بجمع المال لاطعام اولاده، فتعرف وائل على مجموعة من الاصدقاء المنحرفين وبدأ يهرب من المدرسة، وكان بينهم فتى يعمل والده في تجارة البانغو نوع من المخدرات. وبدأ هذا يعطي وائل لفافة بانغو ليوصلها لزبائنه، ولم يكن يدرك ان ما يقوم بتوصيله هو البانغو لأن التاجر أوهمه ان هذه خضروات ليست موجودة في السوق مستغلاً تشابه البانغو مع نبات الملوخية، وكان يعطي وائل خمسة جنيهات على كل لفافة يوصلها الى زبائن السوء، وفي احدى المرات أعطاه التاجر لفافة كبيرة، وضعها في محفظة كبيرة وتم القبض عليه وايداعه مؤسسة للاحداث. ويتذكر وائل احوال اسرته واخوته الكثيرين الذين يسكنون داخل شقة صغيرة، وهم يعيشون حياة حرمان كاملة فلم يكونوا يأكلون اللحم الا مرة واحدة كل شهر، وكانت ملابسه بالية ولم يكن يستطيع مجاراة اصدقائه، ويضيف قائلاً: كان طبيعياً ان افرح بالجنيهات التي كان يعطيها لي تاجر المخدرات، فكانت العشرون جنيها بالنسبة الي ثروة كبيرة لانني كنت محروماً من ابسط الاشياء، وعلى رغم انني حزين على ترك اسرتي لكني عندما اعود الى الحياة الطليقة بعد قضاء فترة حكم الاحداث سأعمل في مهنة النجارة. ضحية أب مزواج وفي وضع مأسوي آخر التقت "الحياة" داخل المؤسسة مصطفى وله من العمر 16 عاماً، توفيت والدته وعمره سبعة شهور، فتزوج الاب امرأة اخرى بدعوى تربية مصطفى لكن الزوجة اذاقت الطفل الامرين، فعندما انجبت هي اولاداً، كانت تفضلهم في المعاملة ما جعله يصاب بإكتئاب منذ الصغر، فلجأ للعيش مع خالته التي كان يلقى منها الحنان والعطف، ولكن لم تدم هذه المعيشة بعدما سافرت خالته الى احد البلدان العربية مع زوجها للعمل، وعاد مصطفى بمفرده في مواجهة زوجة الاب وانشغال الاب بمزاجه وزيجاته المتكررة، فتعرض مصطفى للرسوب اكثر من مرة في الدراسة وكان في المرحلة الاعدادية. ترك المنزل وذهب ليعمل في ورشة ميكانيكي، وصاحب الورشة كان يتركه ينام داخل الورشة كل يوم، ومع الوقت تعرف مصطفى باصدقاء السوء وبدأ يذهب معهم الى سينما الدرجة "التالتة"، ومع الوقت بدأ يتعلم تدخين السجائر وتعاطي البانغو بتشجيع من اصدقاء السوء.