بعد مرحلة من الغموض أصبحت عواقب الهجوم الانتحاري على واشنطنونيويورك في 11 أيلول سبتمبر 2001 واضحة بعد وضع ورقة تغيير النظام العراقي بل اسقاطه، بكل وسيلة، سياسة رسمية للإدارة الأميركية، وفقاً للتوجيه الذي أصدره الرئيس جورج دبليو بوش في 28 من شباط فبراير. أحداث النصف الثاني من السنة الماضية كانت أسرع في تواترها وأعمق في مغزاها من الأشهر السابقة، واطلقت المساعدات المالية الأميركية للمعارضة التي جمدت عملياً منذ نهاية عهد الرئيس السابق بيل كلينتون وضع نظام بغداد ضمن "محور الشر" مع كوريا الشماليةوإيران. على المستوى الداخلي، شهدت المعارضة تحديات واستحقاقات كثيرة نجحت في تجاوز بعضها وفشلت في الآخر. انقسام الصف القيادي و"المؤتمر الوطني" واندلاع حروب صغيرة، دامية بين المجموعات الكردية إثر بروز ميليشيات إسلامية متطرفة تحت يافطة "انصار الإسلام" وما رافقها من اتهامات وشهادات مضادة بأنها فرع من ميليشيات "القاعدة" وتأتمر بأوامر أسامة بن لادن، مما سخن الأوضاع العسكرية والأمنية في أعالي جبال كردستان. في المقابل، خرج الحزبان الكرديان الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني من جلسات المفاوضات الماراثونية لتطبيع علاقتهما المتوترة منذ 1995 باتفاق نهائي على عودة المياه إلى مجاريها تطبيقاً لاتفاق واشنطن الذي ابرم عام 1999. وافضى توافقهما إلى تعزيز الكثير من الآمال وأشاع ارتياحاً واسعاً في الشارع الكردي ولدى بقية أطراف المعارضة. وظلت قصة تنظيم "القاعدة" و"طالبان" واحتمال وجود خيوط تربط بينهما والنظام العراقي تحوم في الأجواء، وادخلت الحلقة الكردية بفعل وجود ناشطين إسلاميين عملوا سابقاً في الساحة الأفغانية، ضمن حلقات "محاربة الإرهاب". هنا عرض لأهم المفاصل الحاسمة لمسيرة المعارضة العراقية خلال عام 2002. "مجموعة الأربعة" تكسر الركود كانت بداية 2002 غير مشجعة للمعارضة العراقية لسببين: الأول عدم حسم الإدارة توجهاتها اثر انقسام اجنحتها حول عناوين كثيرة سياسية وتقنية. والثاني الشلل الذي عانى منه المؤتمر بسبب عدم التوافق على دور الدكتور أحمد الجلبي وطريقته في ادارة العلاقات الدولية والاقليمية للمعارضة. وكانت المساعي التي بذلتها واشنطنولندن خلال السنوات السابقة اصطدمت بجدار من المعوقات والخلافات لم يمكن تجاوزه مما أفرز تجمعاً سياسياً ضم الأطراف الكبار الأربعة وهي، الحزبان الكرديان وممثل الجناح الشيعي في قيادة المؤتمر المجلس الأعلى للثورة الاسلامية برئاسة السيد باقر الحكيم وحركة الوفاق الوطني العراقي برئاسة الدكتور اياد علاوي القريب الى الجناح العروبي في المعارضة. ونسجت المجموعة علاقات تنسيقية تطورت مع الزمن الى علاقات متميزة عززت العلاقات التنظيمية للمعارضة مع واشنطن الى ذروتها أواخر العام بلقاءات الأكراد والمجلس الأعلى للثورة الاسلامية والوفاق الوطني وجناح الدكتور أحمد الجلبي والشريف علي بن الحسين المعارضة مع نائب الرئيس في البيت الأبيض واخرى مع وزارتي الدفاع البنتاغون والخارجية ومجلس الأمن القومي. ومن ثم بعقد مؤتمر المعارضة في لندن في 15 كانون الأول ديسمبر وخروجه بوثيقة لشكل الحكم الذي ترغب المعارضة بتبنيه وقيادة سياسية لها صفة تمثيلية ورسم هيكل الشراكة السياسية بين المعارضة وواشنطن على اساس جديد. في العلاقات الداخلية واجهت المعارضة تحديات سياسية - تنظيمية لوقف الشلل في قيادة "المؤتمر الوطني العراقي" وبرز ما يعرف ب"مجموعة الأربعة" التي ضمت الحزبين الكرديين والمجلس الأعلى للثورة الاسلامية وحركة الوفاق الوطني، كطرف مستقل بنشاطه عن قيادة أحمد الجلبي عضو رئاسة "المؤتمر". وعودة الفريقين الكرديين الى التعاون والتنسيق بعد سنوات من المواجهة المتفاوتة الحدة استغرقت سبع سنوات، وصولاً الى التوجه لتوحيد الادارتين الكرديتين في السليمانية واربيل والعودة الى خيمة البرلمان الكردي وتحديات ميدانية حساسة خرجت من بعضها ولا تزال تسعى للخروج من الآخر. وللمرة الأولى في العقدين الأخيرين نجحت أطراف معارضة في القيام بمبادرة تنسيقية محسوبة لتجاوز استحقاقات وضمان مصالح بعضها، بعد انفتاح جناح الدكتور أحمد الجلبي على علاقات واسعة ومركبة مع أطراف في الإدارة الاميركية. المجموعة الكردية التي دأبت على عدم مقاطعة أي مبادرة أو اجتماع يكون الملف الكردي جزءاً منه وجدت نفسها ومعها المجلس الاعلى للثورة الاسلامية وحركة الوفاق الوطني متأخرة عن النشاطات المكثفة التي ادارها الجلبي مع الجناح المتشدد في الادارة الأميركية. وحملت تلك النشاطات مبادرات ومشاريع تحول بعضها الى تشريعات وسياسات لم يكن لهذه الاطراف يد فيها. وبدأت هذه التنظيمات الأربعة تشعر بالقلق، لا سيما بعد نقل فرانك ريتشاردوني من منصبه كمنسق للشؤون العراقية وتنفيذ "قانون تحرير" العراق الذي بدأ وكأنه هُمش وجُمد. وبادرت المجموعة الى سلسلة من اللقاءات المشتركة بينها واكتست بعد قليل طابعاً دورياً مما أسفر عن تقديم تصور موحد من العناصر المستجدة. هذا التطور التقطته الادارة الاميركية بعد تصعيد حدة لغتها وتعبيراتها إزاء النظام العراقي التي اسبغت على المواجهة ملامح استراتيجية وفرضت اعادة تنشيط المجموعات المعارضة بأي ثمن. يتعين هنا القول ان الصراعات شبه العلنية بين أجنحة الادارة عكست نفسها من خلال تفضيلات محددة تناسب مصالح وتوجهات كل جناح. ففي حين التزم البنتاغون و"المحافظون الجدد" وبعض الأطراف القريبة من اللوبي اليهودي في الكونغرس ومراكز البحث والدراسات المتنفذة بجناح احمد الجلبي تمسكت الخارجية الاميركية والمعتدلون في الادارة بالمجموعة الأخرى. هذه التعارضات على وجه التحديد أدت الى بروز الحاجة الى تجميع الجناحين المعارضين ضمن موقف موحد للادارة الاميركية ذاتها. وبذلت واشنطن مساعي مكثفة لاقناع الأطراف العراقية المختلفة وتبديد شكوكها في جدية النوايا الاميركية وتقريب وجهات النظر بين الجناحين. وتكللت هذه المساعي بالنجاح بعد سلسلة من المبادرات الاميركية لجلب الفصيلين الكرديين الأساسيين الى طاولة الاجتماع وكان اهمها المبادرة المتكتمة التي دعت واشنطن من خلالها الزعيمين الكرديين الى لقاء في أماكن غير معلنة وهو ما حصل في أواخر شهر تموز يوليو وحصل جراء ذلك اول لقاء مشترك لهما في واشنطن يومي التاسع والعاشر من آب اغسطس. ونقلت تقارير موثوقة ومعطيات حصلت عليها "الحياة" ان الزعيمين الكرديين جلال طالباني ومسعود بارزاني انتقلا سراً الى واشنطن عبر المانيا في طائرة خاصة لتلبية دعوة الادارة الاميركية. واعتبر المراقبون مجيء الزعيمين بمثابة اشارة واضحة الى انهما حصلا على ما يريدان من ضمانات سياسية وعسكرية من واشنطن في حال تعرض الاقليم الذي يديرانه الى هجوم عراقي مفاجئ أو ضربات انتقامية محتملة اذا فشلت الخطط الاميركية لتغيير النظام العراقي أو اسقاطه. واعطى المستوى الرفيع للحاضرين من الادارة للاجتماع دلالة لا شك فيها على أن المتحدثين هذه المرة لن يكرروا ما فعله الدكتور هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي منتصف السبعينات عندما تخلى عن الاكراد الذين وجدوا انفسهم ازاء هزيمة، بل نكبة سياسية دفعوا ثمنها غالياً على يد النظام العراقي. وكان من نتائج هذا اللقاء وما اعقبه من تفاهم مع اطراف اوسع من المعارضة ان فهمت القوى الاقليمية الاساسية كتركيا وايران الاشارات، انها لن تتساهل مع أي منها اذا ما حول استغلال التوترات لدخول الاراضي العراقية او مهاجمة اقليم كردستان او محاصرته. بعد حسم هذه الاشكالات توجهت واشنطن الى جمع جناحي الجلبي والاربعة في واشنطن واقناع الطرفين بالتحدث بلسان موحد وللعمل على ارساء "تعاون وشراكة" اميركية على حد قول ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي الذي التقى المعارضة في البيت الابيض يوم العاشر من آب. وكانت الثمار ابلغ مما يمكن تصورها اذ حضر ممثلو المجلس الاعلى للثورة الاسلامية من طهران للمشاركة في الاجتماع كطرف من الاطراف الستة التي ضمت الى الاربعة وأحمد الجلبي، الشريف علي بن الحسين ممثلاً للملكية الدستورية. اتفق المعارضون في لقائهم على هامش الزيارة على عقد مؤتمر موسع للمعارضة في وقت قريب وعلى عدم المساس بمرجعية المؤتمر الوطني العراقي في ذلك المؤتمر، أي: عدم الخروج منه بقيادة سياسية للمعارضة تكون بديلاً عن المؤتمر، واخيراً الاعتماد في توزيع التمثيل السياسي فيه وفقاً للنسب التي اقرها مؤتمر صلاح الدين لمعارضة عام 1992. وكان واضحاً منذ اللحظة الاولى ان الجلبي وشريكه الشريف علي وان كانا وافقا على عقد المؤتمر الا انهما لم يبذلا اي عمل مساعد للاسراع في الوصول الى هذا الخيار. ونجم عن الالتباس في مواقف الاربعة الراغبين بالتسريع بعقده والجلبي والشريف تأخير تكليف المعارضة ثلاثة شهور من الانتظار وسط حملات شنها مقربون من الجلبي وتسريبات ومناكفات ذات طابع طائفي وشخصي وصفها مصدر من الاربعة بانها "هوليغانس سياسي". وارتكزت الحملة اساساً على مقولة توسيع التمثيل ليصل الى 600 شخص بعد ان جرى الاتفاق على ان يقتصر المؤتمر على 70 شخصية عراقية أساسية. مؤتمر لندن: اميركا والمعارضة تمسكان العصا من الوسط في هذه الاجواء عقدت المعارضة مؤتمرها في لندن منتصف كانون الاول ديسمبر الماضي بعدما دفعت واشنطن الجميع الى قاعة اللقاء. التسويات التي توصل اليها الاطراف الستة جعلت عدد الحضور 350 شخصاً. لكن التسوية لم تنجح في جذب غالبية الاحزاب المعارضة فغاب عن المؤتمر، مقاطعاً، حزبان تاريخيان هما: الدعوة الاسلامية والشيوعي، فضلاً عن تنظيمات اخرى اقل شأناً. وكان واضحاً ان واشنطن ترغب في مؤتمر يعطيها ورقتين اساسيتين في تحركها السياسي والديبلوماسي. الاولى: وثيقة تبسّط رؤية العراقيين المعارضين لصدام الى مستقبل بلادهم بما في ذلك توافقاتهم على المرحلة الانتقالية، والثانية هيئة تمثيلية للمعارضة يمكن لواشنطن ان تلجأ اليها في حال حصول تغييرات مفاجئة كنشوب حرب او حصول انقلاب عسكري. ويرى الكثيرون ان واشنطن كانت تريد من هاتين الورقتين ان تبدد الشكوك التي جاءت بها السيناريوات المسرّبة في الصحافة لا سيما في "نيويورك تايمز" عن احتلال عسكري وجنرال يحكم العراق كما جاء في التسريبات التي أزعجت المعارضة وأحرجتها قبل ان تغضب دوائر عربية سياسية وشعبية واسعة. من هنا جاء اهتمام الادارة بقضية الهيئة القيادية المسماة "لجنة المتابعة والتنسيق" فهي تحولت من عامل للمتابعة الاجرائية الى اللجنة الأهم ويصفها بعضهم بأنها "حكومة امر واقع" او حكومة موقتة من غير اعلان الاسم. وكان صقور واشنطن من انصار الدكتور الجلبي القوا بثقلهم لمنع تحويل الهيئة الى جسم تمثيلي قد يضعف مؤسسة "المؤتمر الوطني" ولكن الظروف والوقت الضيق لم يسمحا بتدقيق عواقب انشائها على المؤتمر، ولا كان جناح الاربعة مستعداً للتعاون مع الصقور خلال عملية التحضير بل ان الوثائق التي أعدها جناح عراقي مقرّب من الصقور لم تجد طريقها حتى الى المناقشة. لكن نجاح اعمال مؤتمر لندن ما كان ممكناً من دون اقتناع واشنطن التي سمت الديبلوماسي الافغاني الاصل زلماني خليل زاد مندوباً للرئيس الاميركي لدى المعارضة، بضرورة العمل بعقلانية تبتعد عن تغليب طرف على آخر. وامسك المندوبون الاميركيون الذين تزايد عددهم من ثمانية، اول ايام المؤتمر، الى اكثر من 12 بعد تمديد اعماله يومين آخرين، العصا من الوسط وتجاوب معهم الاكراد والمستقلون وبقية اطراف الاربعة بقوة مما حفظ التوازن المطلوب والخروج بوثائق سياسية وهيئة متابعة وتنسيق من 65 شخصاً جرت تسميتهم على قاعدة نسب "صلاح الدين". نتائج المؤتمر كانت انتصاراً للمعارضة لأنها رسمت برنامجاً مقبولاً لديها للشراكة مع الولاياتالمتحدة وتوصل الحزبان الكرديان "الديموقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني" الى المصالحة في 8 آب اغسطس ولم ينته العام قبل ان يستقبل الاكراد البوادر الاولى للانفراج مع تركيا. بالنسبة الى الملف الاول تم تجاوز العقبة الاخيرة في طريق تطبيع العلاقات كما نصت "معاهدة واشنطن" في ايلول سبتمبر من 1998. والمعروف ان كل المشكلات المتعلقة بالمهجرين ومحاذير السفر بين المنطقتين وإعادة الممتلكات الى أصحابها وتوحيد عمل مجموعة من الوزارات الخدمية جرت قبل ذلك التاريخ، ولم يبق الا عقبة البرلمان الذي تؤول رئاسته دورياً الى أحد الحزبين، وسيركز على مهمة واحدة فقط اجراء انتخابات عامة خلال تسعة شهور والسماح بفتح المنطقة الكردية امام العمل السياسي. التطبيع انعكس ايجاباً وعزز مواقع الاكراد واعطى اشارة الى تركيا وايران بوقف اللعب على التعارضات. العامل الثاني المتعلق بتركيا سببه المباشر هزيمة حزب بولند أجاويد في الانتخابات ففي عهده وصلت العلاقات التركية مع الاكراد الى أسوأ حالاتها. وكان الانطباع السائد لدى قيادات كردية ان اي انفراج مع انقرة ليس ممكناً إلا بعد اجاويد. ومن المعروف ان المخاوف التركية من احتمال انشاء دولة كردية اجيب عليها من اطراف موثوقة ناهيك عن نفي الاكراد هذا الهدف، ولكن المعادلة السياسية في انقرة لم تحتمل مواجهة استحقاق مثل هذا لا سيما ان اجاويد استثمره بالتعاون مع خطوط عسكرية وامنية ليس لها مصلحة في الانفراج وراغبة في الحصول على اكبر ثمن له من واشنطن المتأهبة لضرب بغداد. وتحرص على ترضية حلفائها المحليين وفي مقدمهم الجنرالات الاتراك. الميليشيات الإسلامية هل تكون حصان طروادة؟ مع أجواء التقدم على صعيد المصالحة وتطبيع العلاقات بين الحزبين الرئيسيين، كانت هناك جذوة نزاع محلي لا تزال حية تهدد بالانتشار. الطرف فيها إدارة كردية لا تعترف بها مجموعات إسلامية مسلحة وتتبنى فكراً مثيلاً لفكر حركة "طالبان" التكفيري وترتبط به عضوياً، وتنتهج اسلوباً مماثلاً لأسلوب تنظيم أسامة بن لادن. هذه المجموعات الإسلامية الصغيرة، الناشطة في مناطق كردية فقيرة، حرمت من وسائل العيش والعمل لأسباب تاريخية، انتقلت بخطابها تدريجاً من الدعوة إلى التعبئة بفضل الخبرات التي توافرت لها في أفغانستان، ولكنها بعد مواجهات قصيرة انتقلت من مناطق تحت سيطرة الحزب "الديموقراطي" إلى مناطق محاذية للحدود مع إيران. المواجهات الأصغر بين هذه المجموعة المسماة "جند الإسلام" وقعت في اربيل خلال 1999 و2000 وصلت ذروتها بعد اغتيال فرنسو حريري، القيادي في الحزب لعقود من الزمن، وأحد أبرز المقربين من بارزاني. ولكن "جند الإسلام" تعرضوا لجملة من الضغوط التي وجهها الحزبان الكرديان مجتمعين وتعرضوا لانشقاقات أدت إلى اضعافهم وتغيير البقية منهم اسم تنظيمهم إلى "أنصار الإسلام" عام 2001. ونقل الكثير من أعضاء "أنصار الإسلام" مفرداتهم والتعاليم التطهرية المتطرفة المعروفة من أيام الصراع الأفغاني إلى كردستان. وتعد مرجعية "أنصار الإسلام" بالتالي قريبة مع "القاعدة". ولعل أهم عنصر من ملف "أنصار الإسلام" هو موقعها الجغرافي المحاذي لإيران التي تسرب منها ومن غيرها أكثر من تقرير عن استحداث طريق تسلل سلكه قادة "القاعدة" الهاربين من ميدان المواجهة مع الجيش الأميركي عبر إيران، مروراً بكردستان وانتهاء بفرضية خطيرة تشير إلى وسط العراق. من هنا دخل العنصر الدولي في المواجهات الدموية التي حصلت بين ميليشيات "الأنصار" وقوات "الاتحاد الوطني" المسؤول عن الإدارة الذاتية في تلك المنطقة في السادس من تموز يوليو 2002. ففي تلك المعارك جرى التنكيل بالجثث وقطعت رؤوس الأسرى كما في قرية خيلي حمه، وما إلى ذلك من تقارير مثيرة واجهتها المجموعة بالنفي. ووجدت الولاياتالمتحدة أكثر من رابط بين التيار المتطرف وحربها على الإرهاب في أفغانستان والعالم، كما أنحت الإدارة الكردية باللوم، ولو ضمناً، على الأجنحة المتصارعة اقليمياً وداخل بلدانها للتشويش على الملف الكردي وتعبيراته السياسية التي تقترب من السياسة الأميركية غير المحببة إلى نفوس أبناء المنطقة. وسعت واشنطن بقوة إلى اثبات علاقة النظام العراقي و"القاعدة" و"طالبان". والخلاصة المنطقية أن الملف قد يتحول إلى ذريعة خطيرة وحصان طروادة لزعزعة الاستقرار. فالإرهاب الذي وصل إلى كردستان قد يتوطن إذا استمرت رعاية الدول الاقليمية المتضررة أو المعزولة ربما عن الجهد الأميركي لتغيير النظام. وخلاصة القول إن قوس الأزمات الواصل بين باكستانوأفغانستانوإيرانوتركياوالعراق وسورية وفلسطين يمر من كردستان والعراق، وما لم يجر التعامل مع هذا الأمر بالحيطة الكافية، فإن الوسيلة المتاحة للتنفيس عنه هي المزيد من الحروب الصغيرة التي قد تتحول في لحظة ما إلى فتيل صاعق للمعارضة العراقية وغيرها من أطراف النزاع والشركاء.