رضا الناس غاية لا تدرك. لم أكن بحاجة الى المشاركة في برنامج تلفزيوني لأعرف صدق هذا الكلام، ولكن منذ مشاركتي حَكَماً في برنامج "الحدث" على الفضائية اللبنانية LBC بين الدكتور سعد الدين ابراهيم والأستاذ منتصر الزيات، والمفكّرون والمثقّفون يقولون انني لم أدافع عن رئيس مركز ابن خلدون كما يجب، والإسلاميون والمسؤولون يقولون انني تجاوزت التهمة الموجهة إليه لغرض في النفس... نفس الصحافي. من دون تواضع فارغ، ومن دون ديبلوماسية لا أتقنها، أصرّ على أنني مصيب وأن أنصار الدكتور سعد الدين ابراهيم وخصومه مخطئون. التهمة هي تزوير ونصب واحتيال، أو اختلاس أموال، وليست حرّية رأي وما كتب البروفسور المتهم. وأترك الحكم للقضاء، فما قلت على التلفزيون وما أقول اليوم يتجاوز التهمة والحكم المنتظر خلال أيام. أنا أقيم في لندن، وقد تنقّلت بينها وبين واشنطن على مدى ربع قرن، وأقول انه لن يصدّق أحد إطلاقاً في الغرب ان التهمة نصب واحتيال، لا حقوق إنسان وحرّية كلام، بل سيكون "الحكم" الغربي هو ان التهمة وسيلة لإسكات سعد الدين ابراهيم. ثقتي بالقضاء المصري المدني كبيرة، بل كاملة، ولكن أصرّ مرّة أخرى، ان المهم ليس ما أقول، وإنما ما تقول لندنوواشنطن وكل عاصمة غربية، لذلك فالموضوع يجب ان يعالج من هذه الزاوية مع الزاوية القانونية، لأن الحكم، إذا جاء بالإدانة، سيؤدي الى مضاعفات خطرة تظلم فيها مصر. وأكمل بقصص أخرى ذات علاقة: قلت انني تذكّرت جمال حسني مبارك مع وجود السيدة اسماء الأخرس الأسد في لندن، فكلاهما خبيران اقتصاديان عملا في لندن، واكتسبا فيها خبرة مفيدة لبلديهما. وفي اليوم التالي، كنت في جلسة مثقفين أو مسكّفين وانبرى لي واحد قال لي انني أروّج لجمال مبارك... أيضاً لغرض في نفس الصحافي. قلت للرجل ان ما كتبت كان صحيحاً مئة في المئة، وأنا لم أقل ان جمال مبارك ملتون فريدمان أو جون مينارد كينز، وإنما هو خبير اقتصادي، وهذا ما يحتاج إليه بلده. هناك عنصرية معكوسة في التعامل مع بعض الناس، فقد وجدت ان الرجل الذي انتقدني لا يعرف جمال مبارك، وإنما يعرف انه عمل في مجال الاقتصاد، غير انه يرفض ان أتحدّث عنه كأي انسان آخر لمجرد انه ابن الرئيس. عطفاً على ما سبق، سجل عليّ صحافي بريطاني من أصدقاء العرب أنني كتبت مرّة بعد مرّة أنه لا توجد قواعد عسكرية أو مسلحون للمنظمات الفلسطينية أو "حزب الله" في سورية، وأن الأمن السوري من الحزم والخبرة انه لا يمكن ان يسمح بوجود خارجي مسلّح على أرض سورية. قال الصحافي البريطاني أنه ربما كان كلامي صحيحاً، الا أنه يفترض فيّ أن أقوله. لا يفترض شيئاً، والصحافي العربي إذا أراد ان يحترم نفسه والقارئ إما أن يقول الحقيقة أو لا يقول شيئاً. وبكلام آخر فأنا أنفي وجود قواعد أو سلاح لأي منظمة في سورية لأن هذا صحيح، ولكن لو افترضنا ان القواعد موجودة وكذلك السلاح، فأنا عند ذلك لا أنفي وإنما أسكت، وهذا أضعف الإيمان. بالمعنى نفسه، زار الرئيس بشار الأسد لندن، وانتقَدَت اسرائيل الحكومة البريطانية لاستقباله. بشار الأسد طبيب عيون في الثلاثينات من العمر وآرييل شارون قاتل في السبعينات من الجريمة، ولا شيء في الدنيا أسهل من الدفاع عن الرئيس السوري في وجه مجرمي الحرب الاسرائىليين. وزير خارجية اسرائيل بنيامين نتانياهو انتقد بحدّة رئيس الوزراء توني بلير بعد ان زار لندن، ولم يستقبله بلير، وقال: "عندما تحارب الإرهاب لا تدعو حاكم دولة إرهابية...". وهذا صحيح وبلير لم يدع شارون لأنه رئيس حكومة دولة إرهابية نازية حقيرة. ونتانياهو فاجر داعر مهمّته الكذب دفاعاً عن هذه الحكومة التي تمارس الارهاب صبح مساء، وتحاول إبعاد الأنظار عنها باتهام غيرها. واختتم بصديقين هما جبريل رجوب ومحمد دحلان، الرئيسان السابقان للأمن الوقائي في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد كتبت سطراً واحداً في مقال عن وجودهما في لندن لسبب غير أمني، وحمل عليّ وعليهما فوراً زميل قال لي انهما في سياحة بينما يواجه شعبهما حرباً. الموضوع لم يكن سياحة، وإنما علاجاً، وأبو رامي أجرى فحوصات بسبب آلام داخلية، وأبو فادي يعاني من ألم رهيب في ركبتيه اللتين أخضعتا لجراحات عدة في السابق. ولا أفهم لماذا نسرع الى التهمة، بدل طلب الحقيقة المتوافرة بسهولة. أستطيع أن أنتقد جبريل رجوب لأنه حمل إليّ كتباً مريعة من مذكرات اسرائيلية وغيرها مترجمة الى العربية، بدل ان يحمل إليّ من زيتون الضفّة المشهور، وأن أنتقد محمد دحلان لأن مواعيده عرقوبية، فإذا قال "أخ" يريد ان يلتف الجميع حوله، ويمسكوا يده وإذا شفي تسلّل هارباً. والخلاصة ان ما نشر هنا هو الحقيقة، الاّ أنه قد لا يكون الحقيقة كلها.