يدخل عامل النظافة الآسيوي الى محل صغير لتلحيم وصيانة الذهب في أسواق طيبة شمال العاصمة الرياض ويبدأ في تنظيف المحل بدقة وهدوء، وعندما ينتهي من عمله يجمع الغبار والمخلفات في كيس أحضره معه ثم يدفع لصاحب المحل مبلغ يراوح بين خمسة وعشرة دولارات ويغادر المحل من دون الحصول على أجر لقاء تنظيف المحل ... وسط دهشة من لا يعرف أسرار صناعة الذهب. عندما يقوم عامل بتنظيف محل يفترض ان يدفع له صاحب المحل أجراً لقاء ذلك، لكن في ورش الذهب واكشاك تلحيم وصيانة الذهب يحدث العكس، فمخلفات التنظيف التي يتم جمعها تحتوي ما بين غرام وثلاثة غرامات من غبار الذهب الذي يمكن استخلاصه بحرق المخلفات، التي يبيعها عامل النظافة بمكسب ضئيل، في الافران الصغيرة. ما سبق يصف أحد المظاهر المألوفة في صناعة الذهب في السعودية، لكن تجار الذهب والعاملين في صناعة المعدن الاصفر يترقبون خلال شهور تغير الكثير من مظاهر السوق وآليات التعامل فيها بعد تطبيق قرار سعودتها بالكامل. وقال منصور الزامل، وهو تاجر شاب ورث "الصنعة" عن ابيه وعمل في محلات الذهب منذ الصغر: "اننا سنواجه تغيراً ملموساً في طريقة العرض والطلب وادارة معارض الذهب لدى المحلات التي اعتمدت على الموظفين غير السعوديين". وأضاف: "في السابق كان المستلم، وهو المسؤول الذي يستلم محل الذهب في أول السنة بكمية معينة من الذهب تحدد بالوزن ثم يسلمه في آخر السنة عندما يفترض انه حقق للمحل مكاسب معظمها من الذهب، اذ تحسب ارباح المحلات بعدد الكيلوغرامات التي حققتها كزيادة". وأرجع الزامل التغير المتوقع في الصناعة الى ان موظفي المحلات الذين يقومون بشراء الذهب "الكسر"، وهو مصطلح للذهب المستخدم الذي تبيعه النسوة لتمويل مشتريات اخرى او شراء موديلات ونقشات جديدة من الذهب، يستطيعون تقويم القطع ومستوى نقاوة الاحجار فيها ويعرفون تقويم جدوى شرائها من عدمها "لكن الموظفين الجدد من الشباب السعوديين يفتقدون هذه الخبرة وبالتالي ستقل امكانات تمويل المحلات بالذهب المستعمل الذي يعد اهم مصادر دورة صياغة واعادة الصياغة في السوق". وترتفع قيمة المخلفات بحسب فترة التنظيف، فإذا كان عامل النظافة يمر على ورش الذهب الصغيرة كل اسبوعين او ثلاثة سترتفع قيمة المخلفات كلما ازدادت المدة. ويمر "مصلح" الذهب على المتاجر شبه يومياً في اول النهار ويأخذ القطع المطلوب صيانتها ويعيدها في المساء، وهذه ايضاً آلية ستفتقدها السوق عند سعودة جميع الوظائف المتعلقة بالذهب. وقال "معلم التصليح واللحام" الباكستاني الجنسية عبدالستار جاويد انه سينقل معداته الصغيرة الى المنزل وسيقوم بعمله من هناك "لأن كفيلي السعودي الذي يملك الورشة اشترى معدات الاصلاح على نفقته وهو لا يرغب في خسارتها وهو موافق على نقل العمل الى المنزل". لكن التجار يخشون من انهم سيتأخرون في تسليم القطع الذهبية الى اليوم التالي، الامر الذي قد يزعج الزبائن. كما يتوقعون ارتفاع تكاليف اللحام والاصلاح وتركيب الاحجار الكريمة خصوصاً احجار الماس. السعودية بدأت فعلياً العام الماضي في تطبيق نظام السعودة الكاملة على محلات بيع الذهب والمجوهرات وبعض وظائف مصانع ومشاغل الذهب، الامر الذي سبب ارباكاً موقتاً في واحدٍ من اكبر اسواق العالم استهلاكاً للذهب. وتنفذ بعض الغرف التجارية الصناعية برامج تدريب خاصة لقاء رسوم معينة لبائعي الذهب والمجوهرات، بعضها واجه انتقاداً من العاملين في القطاع "لعدم تغطيته جوانب العمل الميداني بدقة". وتبعاً لاحصاءات غير رسمية، يوجد في السعودية ما يقارب ستة الاف محل للذهب والمجوهرات يعمل بها حوالى 20 الف عامل تراوح اجورهم الشهرية بين الف وثلاثة الاف دولار، تبعاً للخبرة والوظيفة، اضافة الى نحو 350 مصنعاً نظامياً. وتتوزع المهن في المحلات والمصانع بين 20 مهنة سيصبح معظمها حكراً على المواطنين. كما يوجد في السعودية نحو الفي ورشة ومشغل للذهب من الحجم الصغير معظمها غير مرخص ويقدر عدد العاملين فيها بنحو 25 الف عامل. وما بين احلام عامل النظافة وطموحات الاف الشباب السعوديين العاطلين عن العمل وتوقعات العمالة الحالية وفرح ابناء التجار الذين مارسوا المهنة واندمجوا فيها و"شربوها"، سيبقى الذهب للنساء السعوديات "خزينة وزينة" وسيتعين على الجميع الانتظار لبضع سنوات قبل صقل الخبرات الجديدة وتدريبها على التمييز بين الذهب الحقيقي والفضة المطلية بالذهب، التي تعتبر وسيلة غش محترفة لا يعرف اسرارها الا الخبراء والمحترفون.