مع ازدياد عمليات «القاعدة» في العراق واليمن والشيشان وتركيا... ازدادت التساؤلات حول صحة التهديدات التي وجهها اسامة بن لادن الى الشعب الفرنسي، وما اذا كان التسجيل الصوتي الذي بثته قناة «الجزيرة» اصلياً ام مزيفاً! ويحذر بن لادن الحكومة الفرنسية من عواقب ابقاء قواتها في افغانستان (3750 جندياً) ويطالبها بالانسحاب الفوري وعدم مشاركة الولاياتالمتحدة في احتلال البلاد وقتل العباد. ولم تخل رسالة التحذير من اقحام العنصر الطائفي في نص العبارة التي تشير الى اختطاف الخبراء الفرنسيين من قبل تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي». وهدد بتدمير مصالح فرنسا اذا استمرت في استغلال ثروات افريقيا، خصوصاً المناطق الهشة مثل النيجر ومالي وموريتانيا. وتؤكد السلطات الجزائرية وجود عدد كبير من المقاتلين ينشطون في منطقة الصحراء الشاسعة في شمال شرقي موريتانيا وشمال النيجر ومالي. والقائدان البارزان في هذه المنطقة هما: مختار بلمختار وعبدالحميد ابو زيد. وقد جمعا ثروة كبرى من وراء عمليات خطف الاجانب، وتسليمهم الى «القاعدة» بهدف الابتزاز وجني الارباح. وكان عبدالملك دروكدال قد انضم الى تنظيم «القاعدة» عام 2007 متخلياً عن تنظيمه السابق الذي عرف باسم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال». الرئيس الفرنسي ساركوزي انتقد اتهامات بن لادن ووصفها بأنها رسائل تحريض موجهة الى مسلمي فرنسا. وأسعفه في الانتقاد قائد القوات الدولية والاميركية في افغانستان الجنرال ديفيد بترايوس. فقد اعلن هذا الاسبوع ان الرئيس حميد كارزاي اجرى محادثات مهمة مع احد زعماء «طالبان» بهدف تحقيق مصالحة عامة بين كابول وحركة «طالبان». وقال في كلمة امام جمهور المعهد الملكي البريطاني للدراسات الاستراتيجية، ان افغانستان لم تعد ملاذاً آمناً لاسامة بن لادن مثلما كانت قبل هجمات 11 ايلول (ستبمبر) 2001. وأكد ان انسحاب قوات الحلف الاطلسي سيتم آخر السنة المقبلة، وان بن لادن سيظل هدفاً رئيسياً ولو لجأ الى مغاور «تورا بورا» او قمم وزيرستان. ويستدل من هذا الكلام ان مبادرة كارزاي تشدد على ضرورة تخلي «طالبان» عن تنظيم «القاعدة» مقابل مشاركتها في الحكم. ويبدو ان الحكومة الباكستانية هي التي رتبت هذه الصفقة بحكم اشرافها على المناطق المحظورة في وزيرستان. وهي بالطبع تستشير الملا محمد عمر حول هذا الموضوع الخطير، لان اسامة بن لادن عام 2010 لم يعد ذلك المطارد بعد احداث 2001. ويقال في هذا السياق ان التهديدات والتفجيرات التي تعرض لها العراق واليمن وشركات الطيران الاقليمية والعالمية والكنيسة القبطية في مصر واسطنبول والشيشان... كل هذه الاحداث التي تحمل بصمات «القاعدة» لم تكن اكثر من نماذج مقلقة لما يمكن ان يحدث لعواصم العالم في حال تخلت «طالبان» عن بن لادن. ويعيد هذا الاحتمال الى الذاكرة فصلاً مشابهاً لما حدث لمؤسس «القاعدة» يوم سهل له الملا عمر السفر الى العراق، قبل الغزو. وشعر في حينه ان الاميركيين كانوا ينتظرون خروجه من افغانستان لاختطافه ومحاكمته. لذلك طلب من حارسه ان يطلق النار عليه قبل وقوعه في مصيدة متعقبيه. وهنا تدخلت ابنة بن لادن لتناشد الملا عمر زعيم «طالبان» (وهي المفضلة بين زوجاته) عدم التخلي عن والدها، مذكرة انه ساهم في اخراج الشيوعيين الكفار من افغانستان. اجهزة الاستخبارات الغربية رصدت تحركات اسامة بن لادن بين عام 2003 و 2005. وعلمت ان فراره الى جبال «تورا بورا» افقده قدرة الاتصال مع معاونيه وأنصاره. وهو يفضل الابتعاد عن المدن الكبيرة، والسكن في المنطقة الحدودية بين افغانستان وباكستان. علماً أنه حلق لحيته وبدّل سحنته. وحدث اكثر من مرة ان اكتشف الجنود البريطانيون المغارة التي لجأ اليها، ولكن الاميركيين – لاسباب مجهولة – منعوهم من اقتحامها. بعد غزو العراق شكل بن لادن خلايا جديدة لمحاربة الاميركيين والشيعة، ولكنه آثر التواري في مكان قصي من وزيرستان، حيث انصرف لتقديم التوجيهات الاستراتيجية للتنظيم. وهذا ما دفع العديد من الكتاب والصحافيين الاجانب الى تشبيهه بحسن الصباح، زعيم فرق الحشاشين الذي عزل نفسه عن العالم في قلعه «علموت» عند جبال «البرز» قرب بحر قزوين. ويعتبر المؤرخون ان سلطته على انصاره تبدو من النوع الخرافي. فهم دائماً مستعدون للقتل والانتقام لأن الجنة تنتظرهم. وهو بالتأكيد لا ينتظر منهم الا الطاعة العمياء. تماماً مثلماً فعل ارهابيو 11 ايلول (سبتمبر) 2001 الذين خضعوا لارادة اسامة بن لادن. او كما فعل الانتحاري عبدالله عسيري الذي نجح في تخطي اجهزة التفتيش في مطاري نجرانوجدة، قبل ان يفجر نفسه امام الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية السعودي والمسؤول عن مكافحة الارهاب. وكتب اليستر هاريس، من «مؤسسة كارنيغي للسلام» عن تلك الحادثة يقول: ان اسامة بن لادن اراد تخويف الاسرة الحاكمة في المملكة، بعدما ضرب وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز خلايا «القاعدة» ضربة موجعة واعتقل مئات المشتبه بهم. ولكي يرضي معلمه القابع في اعالي «تورا بورا» اختار ابراهيم حسن العسيري، خبير المتفجرات، شقيقه عبدالله للقيام بمهمة «فأر الاختبار». وأثبت الانفجار انه زرع في امعائه قنبلة بحجم مئة غرام، جرى تفجيرها من الخارج ساعة اعلن امام الأمير عن استعداده «لاقناع رفاقه المتشددين بالعدول عن مسارهم». ويبدو ان هذه العبارة كانت بمثابة الرمز المشفر كي يضغط شقيقه في صنعاء على زر التفجير. ويقول الاطباء ان المتفجرة زرعت في الامعاء من طريق بلعها بواسطة الفم مثلما يفعل اختصاصيو تخفيف الوزن الذين يزرعون «البالون» في الامعاء، ثم ينفخونه بغرض سد الشهية. أكد مستشار الرئيس الاميركي باراك اوباما لشؤون مكافحة المخدرات جون برينان، ان معلومات البيت الابيض تشير الى خبير المتفجرات ابراهيم حسن العسيري (28 سنة) كمتهم رئيسي في اعداد الطردين المفخخين اللذين ارسلا الى الولاياتالمتحدة. كما ان المعلومات تشير اليه ايضاً، باعتباره صانع القنبلة التي استخدمت يوم عيد الميلاد الماضي في محاولة تفجير طائرة كانت في رحلة من أمستردام الى ديترويت. وكان الخبير يأمل هذه المرة ان ينجح في تفجير الطائرتين، او تفجير الطردين اثناء وصولهما الى الهدف. ويزعم بعض الاختصاصيين ان العسيري كان يتوقع ان تنجح هذه التجربة مثلما نجحت تجربة شقيقه، اي احداث التفجير بواسطة الهاتف الجوال. في اللقاء الذي تم بين الرئيس الفرنسي ساركوزي ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كامرون حول ضرورة تنسيق المسؤولية الجماعية من أجل مواجهة الحملات الشرسة التي تشنها «القاعدة»، قال الرئيس الفرنسي ان الانسحاب من افغانستان سيترك الساحة فارغة كي يعود اليها قادة «القاعدة» وعناصرها. وبفضل التقنيات المتطورة التي يستخدمها خبراؤها الجدد، فإن الحاجة الى رؤية المخاطر الامنية الجسيمة يمكن ان تخدم الدول المستهدفة. كشف وزير خارجية اليمن الدكتور ابوبكر القربي، ان افادات اجهزة الامن تحصر عدد افراد تنظيم «القاعدة» بأربعمئة شخص فقط. وقال ايضاً ان بينهم عدداً من السعوديين الذين يأتمرون بأمرة زعيم تنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب ناصر الوحيشي. وهو يمني سبق له ان عمل مساعداً لبن لادن. أما نائبه في التنظيم فهو السعودي سعيد الشهري الذي لجأ الى اليمن خلال حملات الملاحقة بين 2003 و 2005. ويستدل من قائمة السلطات اليمنية للمطلوبين ان هناك 104 يمنيين و 91 سعودياً بينما تضم القائمة السعودية 85 ناشطاً بينهم 26 لجأوا الى اليمن. تتناقل اجهزة الأمن في العواصم الكبرى معلومات مفادها ان ضغوطاً قوية من «طالبان» تمارس على اسامة بن لادن، من اجل تغيير مواقعه في افغانستان، على اعتبار ان الصفقة الجديدة لا تسمح بمزاولة نشاطه. وهذا معناه ان الملا عمر لم يعد قادراً على حمايته. كما معناه التحضير للانتقال الى مكان آمن، ربما يكون اليمن او الصومال او الشيشان. وقبل ان يقدم على هذه الخطوة اليائسة، امر انصاره بشن هجمات في اكثر من عشرين مدينة كانت ابشعها احداث بغداد التي حصدت نحو مئة قتيل خلال يومين. وقد جرت باسم الحفاظ على حقوق السنّة ضد الشيعة والمسيحيين. وفي حلقة أخرى من حلقات العنف دعا آدم غدن (عزام الاميركي) الناطق باسم تنظيم «القاعدة» في الولاياتالمتحدة، المسلمين المقيمين في الغرب الى شن هجمات ضد التحالف «الصهيوني – الصليبي» على أرضه. كذلك دعا الى «الجهاد» كل المهاجرين الذين يعيشون في الضواحي الفقيرة لباريس ولندن وديترويت. ويرى المراقبون في الأحداث الأخيرة «بروفة» حرب واسعة يمكن أن يشنها بن لادن ضد الأنظمة التي تحاربه، بهدف اثبات سيطرته على مفاصلها الحيوية. وربما تكون الولاياتالمتحدة الهدف الأول باعتبارها تمثل قوة الريادة في المنظومة الغربية. وهذا ما اشار اليه الزعيم الكوبي كاسترو الذي وصف بن لادن بأنه عميل اميركي من الدرجة الاولى. وفي تصوره ان عمليات الارهاب التي يفخر بها، تخدم اعداءه اكثر مما تخدم اصدقاءه. وفي تقدير بعض المحللين ان نجاح الحزب الجمهوري في انتخابات هذا الاسبوع يعود الى خدمات العنف المجاني التي نفذتها «القاعدة». وللتذكير بما اعلنه اوباما فور فوزه بالرئاسة، قال ان سلفه بوش اخطأ الهدف عندما توجه نحو العراق بدلاً من ان يتوجه الى افغانستان، حيث يقبع اسامة بن لادن. وفي آخر المطاف، سينسحب الاثنان من العراق وافغانستان، ولن يحل محلهما سوى الفوضى! * كاتب وصحافي لبناني