الحسكة سورية - "الحياة" - في حلب والحسكة ودير الزور وعفرين، وصل عدد الشباب المنتحرين الى حوالى عشرين حالاً خلال سنتين. ويمكن حصر دوافع حوادث الانتحار هذه في الفقر والبطالة، والاكتئاب الشديد. وهناك من يرجع أسباب الانتحار الى الادمان على المخدرات. أما الطبيبة النفسية التي لا تريد ذكر اسمها فهي تقول ن عامل الوراثة له دور كبير في حدوث الاكتئاب. وفي الأعوام الأخيرة ازدادت أعراض مرض الاكتئاب وسبب ذلك هو الانفتاح على المجتمع الغربي بواسطة الفضائيات والانترنت. وأحدث الانفتاح هذا صداماً بين الثقافتين الغربية والشرقية. وكذلك يحدث الاكتئاب مع الشباب العاجزين عن تأمين العمل وتلبية متطلبات الحياة. وتضيف انها لاحظت ان أغلب الشباب الذين يعانون من الاكتئاب هم بسن يتراوح بين الرابعة عشرة والسابعة عشرة. فمن هو في الرابعة عشرة من العمر يمر بمرحلة انتقالية بالنسبة للتلميذ. ففي هذه المرحلة يتحدد نوع الدراسة فرع أدبي أو علمي، الذي سيتابعها. وفي كثير من الأحيان لا يدخل الطالب الفرع الذي يريده ويجبر على اكمال الدراسة بفرع قد لا يحبه. فيعجز عن اكمال الدراسة ويتحكم فشل الدراسة في مستقبله. ان مرض الاكتئاب لا يرحم الشباب ولا الفتيات. فهو مرض شائع بين أوساط الطلاب. لكن في مجتمعاتنا المشرقية يتبين أن نسبة الاكتئاب بين الشباب أعلى من النسبة التي تشكو منها الفتيات. وذلك على رغم كون الفتيات أكثر عرضة للاكتئاب في العالم. فقوانين المجتمع العربي تمنع الفتيات من الذهاب الى العيادات الطبية كي لا يصل الخبر الذي يقول "بنت فلان مريضة نفسية" الى الأقرباء والجيران. فالمرض النفسي في مجتمعاتنا هو اختلال عقلي. وهذا الأمر هو جريمة بحق الفتيات. تقول عائشة 18 سنة التي التقيتها بالمصادفة عند الصيدلي: انها تعيش حال "تشييع جنازة". فإبن جيرانها كمال مصاب بالاحباط. وهي تعتبر ملاحظة كمال أمراً مزعجاً ومحرجاً. فهو يجعلها قريبة من الأسباب التي دفعته الى الاحباط ويذكرها بالفقر وعدم قدرة الشباب على الحصول على ما يطلبونه. وتروي عائشة ما يجعلها معرضة للاكتئاب فتقول: "ألاحظ ان لباس أصدقائي بسن الشباب أفضل من ملابسي، وأن غيري لديه القدرة على الحصول على ما يريد بينما أنا أعجز عن اقتناء ما أريده". أما أبو أحمد، وهو شاب متوسط الحال، فيقول: "اليوم باتت الأزمات تمشي معنا كظلنا، فقدنا كل شيء: روح الحارة القديمة وسهراتها، والأصدقاء والمساعدة والمودة والقرابة. كل هذه الأشياء ولت الى غير رجعة. وجاء بدلاً منها جفاف الحياة. فالأصدقاء لا يضفون المعنى على الحياة والوحدة رفيق دائم للمرء، والمودة مزيفة، والأقرباء مشغولون. أشعر بالغربة عن الناس والأهل، وأفتقد الى لحظات المودة الخالصة. أما العمل فهو الروتين، والبيت هو المشكلات، والمستقبل غامض. إن طاحونة الروتين تطحن أيامنا بلا رحمة". ويقول عبدالله أنه شاهد مجموعة من الأولاد الذين تحلقوا حول جثة شاب انتحر بسبب زواج حبيبته القسري من ابن أحد أكبر أغنياء حلب. كان عمره في يومها ستة عشر عاماً ولم ينسَ عبدالله أبداً جثة الشاب الباردة بلونها الأصفر التي دخلت، بسبب الفقر، في سجلات دفن الموتى.