يوم الجمعة 13 أيلول سبتمبر الماضي كتبت في هذه الزاوية عن النحس المضاعف الذي يفترض ان يرافق هذا اليوم، واعتبرته نوعاً من الخرافة أو الوسوسة غير المبررة. وقبل يومين وقعت فريسة نحس الجمعة 13 من هذا الشهر، اذ يبدو ان كلامي لم يعجب اليوم أو الرقم. عملت حتى الظهر في مكتبي في لندن ثم ذهبت الى المطار بعد ان حجزت للذهاب الى جنيف والعودة في المساء، فقد توقف فيها صديق من أيام المدرسة أجرى عملية قلب مفتوح في الولاياتالمتحدة، وبعد ان أصبح قادراً على السفر اختار ان يعود الى الوطن. وهو توقف في جنيف، واتفقنا ان نقضي بعد الظهر معاً. كان الجو مكفهراً في لندن الجمعة، الا انه مكفهر معظم الوقت فلم أعره انتباهاً، مع علمي ان شتاء لندن ينتهي في تموز يوليو ويعود في آب اغسطس من كل سنة. كذلك غاب عن بالي ان يوم السفر هو الجمعة 13 من الشهر، الا ان جريدة "الديلي ميل" ذكّرتني به، فقد خصصت صفحة لنحس هذا اليوم، ما كدت انتهي من قراءتها والطائرة تقترب من مطار جنيف حتى دخلنا منطقة مطبات هوائية، وأخذت الطائرة تهتز مثل نعش راقصة. الا ان تشبيه الاهتزاز بنعش أخافني، وقررت ان الطائرة تهتز كردفي راقصة، وسرح بي فكري الى فيفي عبده ودينا، ثم عدت الى واقعي مع ارتطام الطائرة بعنف بأرض المدرج. فوجئت بشكل الصديق، فهو في عمري، وقد تزاملنا منذ المدرسة الثانوية، الا انه بدا هذه المرة وكأنه هرم أو ان عمره زاد عشر سنوات أو عشرين. وفي حين رأيت نفسي فيه وغمرتني الكآبة، فقد كان واجبي ان أشجعه، وزعمت انه يبدو في أحسن صحّة، والدنيا ربيع و"الاشيا معدن". ودّعت الصديق وأنا أغالب الحزن، فقد ذكّرني بالصديق الآخر نزار قباني بعد عملية تغيير الورك، وذهبت الى المطار. القارئ الكثير السفر يعرف انه اذا كان مسافراً وعائداً في اليوم نفسه، ومن دون حقائب، فهو يستطيع ان يأخذ بطاقة العودة مع بطاقة الذهاب ويوفّر على نفسه عناء الوقوف مرة ثانية أمام موظفي الحجز. وبما انني حصلت على بطاقة العودة من لندن، فقد دخلت المطار بسرعة، وجلست في صالة الانتظار وأخرجت "الديلي ميل" مرة أخرى، وتوقفت عند الصفحة 13 وحديث الجمعة 13 من هذا الشهر، وأي شهر يتفق فيه الرقم مع اليوم. وأختصر للقراء بعض المعلومات: - مقابل كل ألف امرأة هناك 13 رجلاً زيادة على هذه الألف. وأكاد أسمع قارئة تندب حظّها الذي جعلها زوجة الثالث عشر. - تمثال الأوسكار طوله 13 بوصة. - برج لندن بُني في القرن الثالث عشر على 13 "ايكر"، ولا بد ان كل من اعدم فيه عرف ذلك متأخراً. - سجّل مايكل جاكسون أول أغنية ناجحة له وعمره 13 عاماً. وهو لا يزال ينحس الاولاد حوله منذ ذلك اليوم. - يقول علماء الأرصاد الجوية ان 13 كانون الثاني يناير هو أبرد يوم عادة في انكلترا، غير انني أعتقد ان كل يوم في لندن هو أبرد يوم. - كان ليو تولستوي، مؤلف "الحرب والسلام" 13 ولداً وبنتاً. وهو لا بد استوحي العنوان من وضعه العائلي. - هناك 13 بابا اختاروا بعد تطويبهم اسم "إنوسنت" أي بريء، ولا أفهم من اتهمهم وبماذا. - العسران بين الرجال 13 في المئة مقابل 11 في المئة بين النساء. - ولد فيدل كاسترو يوم الجمعة 13 سنة 1925، وأصاب بنحسه كوبا حتى اليوم. - في نيوزيلاند يزيد عدد الخراف على البشر 13 مرّة. في بلادنا الكل خراف. استفقت من القراءة على المذياع، فقد بدا لي انه أذاع رقم رحلتي. ونظرت الى الشاشة الكبيرة ووجدت ان الرحلة 731 التي كان يُفترض ان تقلع في السابعة و40 دقيقة مساء قد ألغيت. الرحلة ألغيت يوم الجمعة 13 من الشهر، ووقعت في حيص بيص، فقد وجدت في جيبي 50 جنيهاً كنت ادخرتها لتاكسي العودة الى البيت من مطار لندن، و30 فرنكاً سويسرياً بعد ان اشتريت شوكولا بحوالى مئة فرنك. ولم تكن معي أي بطاقة "كريدت"، فالرحلة كان يفترض ان تستمر خمس ساعات فقط. لم يكن المبلغ الذي أحمل يكفي لليلة في فندق، حتى لو كان غير محترم، وفكرت ان أبكي أمام موظفة الحجز لعلها تشفق عليّ. غير انني عندما عدت الى صالة المغادرة للبحث عن سفر بديل، وجدت ان مئتي راكب سبقوني اليها، وكان الصف الطابور بطول ميل، ويتعرج في القاعة الفسيحة، ما ذكرني بصور طوابير الخبز أيام الشيوعية البائدة في موسكو. ماذا أزيد؟ الجوع ذكّرني بعشاء كان يفترض ان أتناوله وزوجتي عند اصدقاء في لندن، واتصلت بها لأخبرها ما حدث، فلم تتعاطف معي، وإنما حمّلتني المسؤولية لأنني سافرت الجمعة 13 من الشهر، بعد ان كنت سخرت من الذين يصدقون هذه الخرافات. ولم افاجأ، فالعائلة تعتبرني مسؤولاً عن قضية الشرق الأوسط برمتها، وهطول المطر في لندن وانحباسه في بيروت أو دمشق، وبركان إتنا وزلزال المكسيك. شغلت بما أنا فيه، وفهمت من موظفي شركة الطيران ان سبب التأخر ضباب في مطار لندن انتظرنا خمس ساعات حتى انقشع وسمح برحلة جديدة. وفي حين لا أخاف من الطيران فأنا أعترف بالخوف من تحطم الطائرة. وكنت قررت مرّة ان أفضل شيء هو ركوب طائرة لشركة تعرّضت لحادث أخيراً، فهو يجعلها أكثر حذراً في الأشهر التالية. بما انني أكتب هذه السطور فالرحلة انتهت بسلام قبل منتصف الليل بقليل، وتركت مطار جنيف من البوابة "ألف 2" ودخلت مطار لندن من البوابة 56، وكلتاهما آخر بوابتين في المطارين. على الأقل الحقيبة لم تضع هذه المرّة... لأنني لم أكن أحمل حقيبة. والضباب عفا عن الطائرة، إلا انني قرأت أمس انه أسفر عن اصطدام سفينتي شحن بين بريطانيا وهولندا، وغرق واحدة تحمل ألفي سيارة جديدة. وهو حادث مرتبط بطموحي الباقي هذه الأيام، فأنا لا أريد ان أسافر "راكب" وأعود "شحن".