كنت يوماً في طريقي من لندن الى نيويورك عندما وجدت في صالة المغادرة في مطار هيثرو الصديق السير ديفيد غور - بوث، وكان في طريقه الى العاصمة واشنطن للتشاور مع المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية بعد تعيينه سفيراً لبريطانيا لدى المملكة العربية السعودية. واخترت ان اسافر بالكونكورد، لأنني كنت على موعد في الصباح مع الأمين العام للأمم المتحدة في حينه الدكتور بطرس غالي، واختار السير ديفيد، أو اختارت الخارجية البريطانية له، ان يسافر في طائرة "جمبو". واتفقنا على ان نلتقي في واشنطن لأسمع منه ما سمع من الأميركيين. لم نلتق في واشنطن، وقابلته بعد أشهر في الرياض فحكى لي ان عاصفة ثلجية ضربت شرق الولاياتالمتحدة، فهبطت طائرته في شيكاغو، وبعد تأخر يوم هبطت في فيلادلفيا، وبقي وزوجته في مطارات أميركا ثلاثة أيام، وأخذت الزوجة تبكي وتفقد اعصابها على السياسة وأهلها، وأخيراً عاد السفير المعين الى لندن من دون ان يقابل أحداً في الولاياتالمتحدة غير موظفي المطارات. اذكر ان العاصفة كانت هائلة، وقد وصلت قبلها بساعة فقط، وكان معي في الطائرة صديق من لندن، فنزلت في فندق "والدورف استوريا"، ونزل عبر الشارع في فندق "انتركونتننتال"، ولم نستطع التزاور لأن جرافات الثلج كانت تنقل الثلج من الشوارع الى الأرصفة، فاجتمع على هذه جبل من الجليد. كان هذا قبل سنوات، وعادت الي تجربة ديفيد غور - بوث وانا أقرأ عن مشكلات السفير في أوروبا هذا الصيف، فكل يوم هناك أخبار عدة في صحف لندن عن التأخير الرهيب، خصوصاً في الرحلات الخاصة تشارتر، التي قد ينتظر ركابها بين 12 ساعة و48 ساعة في مطارات الذهاب والاياب. أكتب وقد نجوت مرة أخرى، فقد كنت عائداً من روما الى لندن يوم الجمعة الماضي، وقرأت عن اضراب قادم في مطار فيومتشينو، فقربت السفر الى مساء الخميس ونجوت، وقرأت بعد ذلك ان مواجهات وقعت بين المسافرين وموظفي المطار وتدخلت الشرطة بعد ارتفاع الحرارة الى 33 درجة مئوية، مع نفاد المرطبات من المطار. كان أسوأ تأخير الأسبوع الماضي في مطارات جزر البليار الثلاث حيث وجد أكثر من مئة ألف مسافر بريطاني ان اكثر من نصف الرحلات الخاصة سيتأخر. ووقعت مواجهات هناك أيضاً، وتدخل البوليس للتفريق بين الطرفين، خصوصاً بعد ان ادرك الركاب ان شركات السياحة كانت تعرف عن اضرابات في اسبانيا الا انها لم تحذر زبائنها خشية ان يلغوا رحلاتهم. صحيفة "الصنداي تايمز" الرصينة نشرت في صفحتين كاملتين تحقيقاً عن اصول السفر من مطارات بريطانيا المختلفة، وكيف يمضي المسافر وقته، مع شرح للفنادق المجاورة للمطارات وتعليمات عن البحث عن الحقائب الضائعة. أفضل طريقة لعدم ضياع حقيبة في الطائرة هي ان تسافر بالقطار، غير ان السكة الحديد لا تصل الى مايوركا أو ايبيزا، لذلك فما على الراكب الا ان يسافر، ويدعو ان تصل الحقيبة معه. الراكب التقليدي يحمل معه أشياء كثيرة لن يستعملها مثل السترة والقمصان والكرافات... والزوجة، خصوصاً في ايبيزا حيث الجنون فنون، وما يمارس هناك لا يصلح للحديث عنه في جريدة محترمة مثل "الحياة". ويبدو ان ما لا يصلح للنشر يستحق عناء الاقامة في المطارات، بدل شاطئ جزيرة اسبانية. ونشرت "الاوبزرفر" مقالاً طويلاً بعنوان "خمس ليالٍ في مايوركا ويومان على أرض المطار". غير ان "التايمز" جعلت النسبة مختلفة. فقد كان عنوان تحقيق طويل فيها: "يومان في المطار، اسبوعان في الشمس. هل الرحلة تستحق العناء؟". ملايين البريطانيين يقولون "نعم"، ووجهة سفرهم المختارة اسبانيا، ثم فرنسا ثم الولاياتالمتحدة. والواحد منا المبتلي بطقس بريطانيا، لا يفهم كيف لا تخلو هذه البلاد من أهلها فراراً من الطقس. كان الطقس جميلاً في روما الأسبوع الماضي، ونجوت من اضراب اليوم التالي بمعجزة، الا انني وصلت الى مطار غانويك" وسط عاصفة مطرية، ولم نضع الحقيبة على الطريق، ولكن وصلت بوزن مضاعف لأن المطر بلل قماشها، ووصل الى الثياب في الداخل. وكنت أفكر في أن أشكو، ثم قرأت عن أحداث اليوم التالي في المطار واعتبرت نفسي محظوظاً. أدعو للقارئ العربي بالسلامة في حلّه وترحاله، وأنصحه بالسؤال قبل ان يقصد أي مطار أوروبي، ثم أدعو له بالصحة إذا أكل من طعام الطائرات، فقد قرأت عن طائرة سقطت في البحر، وأكل سمك القرش الركاب والملاحين، الا انه رفض ان يأكل طعامهم.