فدوى مالطي دوغلاس باحثة أميركية مختصة بدراسة الأدب العربي، وهي نموذج لجيل جديد من الباحثين الأميركيين الذين يرجعون إلى أصول عربية، فهي لبنانية الأصل الذي يدل إليه اسمها الأسري فدوى مالطي، أميركية الجنسية التي يدل إليها اسم زوجها الأميركي - أستاذ التاريخ - آلان دوغلاس. شأنها في ذلك شأن بعض أفراد الجيل الذي سبقها، والذي تتلمذت عليه في الولاياتالمتحدة، لكن يميزها عن الجيل القديم تمردها على طرائقه المتبعة في دراسة الأدب العربي، وإعجابها بالطرائق الحديثة، وبخاصة ما يرجع منها إلى النظرية البنيوية، الأمر الذي جعلها مع الكثير من أبناء جيلها في الولاياتالمتحدة طليعة متميزة بخبرة المناهج المعاصرة، واتساع أفق الرؤية الذي يبدأ من الحاضر ليعود إليه مهما أوغل في حفريات الماضي، وشمول النظرة التي تجعل من الأدب العربي أدباً من آداب العالم، ينبغي أن يُدرس في علاقاته بها، وتفاعله معها. وتعمل فدوى، حالياً، أستاذة لدراسات النوع Gender Studies والأدب المقارن في كلية الفنون والعلوم بجامعة إنديانا. وقد تخرجت في جامعة ييل سنة 1970، وأكملت دراساتها العليا في باريس كلية الدراسات العالية في العلوم الاجتماعية لمدة عامين، من 1974 إلى 1975، كما عملت باحثة مساعدة، ثم باحثة في معهد بحوث النصوص وتاريخها في فرنسا إلى سنة 1976، وعادت إلى الولاياتالمتحدة لتحصل على درجة الدكتوراه سنة 1977، وظلت تتقلب في الوظائف التعليمية ما بين جامعات: سان دييغو، وفرجينيا، وأوستن - تكساس التي وصلت فيها إلى درجة الأستاذية سنة 1990، وأصبحت أستاذة للعربية والأدب المقارن في قسم دراسات الشرق الأوسط، وظلت كذلك إلى أن حطَّت رحالها في جامعة إنديانا في قسم دراسات الشرق الأدنى الذي ترأسته لسنوات 1994 - 1997، كما عملت رئيسة لقسم ثقافات الشرق الأدنى ولغاته من 1992 إلى 1997، وهي - فضلاً عن وظيفتها الحالية - مستشارة علمية للكثير من الهيئات البحثية والجامعية في الولاياتالمتحدة والنمسا وفرنسا. وحصلت فدوى دوغلاس على الكثير من الجوائز العلمية، أولاها من جامعة إنديانا سنة 1994، وثانيتها من جامعة كاليفورنيا سنة 1995، وثالثتها جائزة الكويت للفنون والآداب من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي سنة 1997، ورابعتها وخامستها من جامعة إنديانا مرة أخرى سنتي 1998 و2000. وقد تم ترشيحها من جامعة كولومبيا لجائزة بوليتزر سنة 2000. أما منشوراتها فكثيرة، أهم كتبها بالإنكليزية أطروحتها عن البخلاء في الأدب العربي التي نشرتها عن ليدن، بريل سنة 1985، وبعدها كتاب "العمى والسيرة الذاتية" الذي صدر عن جامعة برنستون سنة 1988، و"جسد المرأة، كلمة المرأة: النوع والخطاب في الكتابة العربية الإسلامية" الذي صدر عن مطبعة جامعة برنستون سنة 1991، وصدرت طبعته الثانية عن الجامعة الأميركية في القاهرة سنة 1992. وقد صدر كتابها "رجال ونساء وأرباب: نوال السعداوي والشعرية النسوية العربية" عن مطبعة جامعة بركلي - لوس انجلوس سنة 1995. وقد أصدرت روايتها الأولى عن مطبعة جامعة ولاية نيويورك سنة 1998. وأصدرت لها جامعة بركلي كتابها "أدوية وأرواح: أجساد نساء وجغرافيات مقدسة في إسلام متحول" سنة 2001، كما صدر لها في لندن كتاب "القوة والهامشية والجسد في إسلام العصور الوسيطة" سنة 2001. وقد أصدرت بمشاركة زوجها آلان دوغلاس كتاباً عن فن الكاريكاتير ودلالاته الثقافية والسياسية عن مطبعة جامعة إنديانا سنة 1994. وقد عرفها القراء العرب من خلال مجلة "فصول" القاهرية التي حرصت هيئة تحريرها على الاحتفاء بكتاباتها لما لها من قيمة، فنشرت لها المجلة مجموعة من الأبحاث التي كتبتها فدوى بالعربية، مع أبحاث أخرى مترجمة. ولم يتوقف المنشور من كتابات فدوى بالعربية على مجلة "فصول"، فقد نشرت مقالاتها العربية في مجلة "إبداع" وغيرها، كما نشرت لها الهيئة العامة للكتاب كتابها الأول في العربية سنة 1985، وظل لها حضورها البحثي المتصل في المؤتمرات الأدبية العربية إلى أن عاقتها ظروفها الصحية اخيراً عن المضي في ما اعتادته من مشاركة زملائها وزميلاتها من الإسهام في المؤتمرات الممتدة من المحيط إلى الخليج. وإذا أردنا أن نضع كتابات فدوى، بالإنكليزية بالدرجة الأولى، ضمن المشهد الجامعي الأميركي، فمن الممكن القول إن كتاباتها تنتمي إلى الاتجاهات الحداثية خصوصاً، في دراسة الأدب العربي داخل الأوساط الأكاديمية الأميركية. وقد تولَّدت هذه الاتجاهات نتيجة عوامل عدة، بعضها داخلي يرجع إلى متغيرات الثقافة الأميركية عموماً، ومتغيرات الأوضاع الفكرية للجامعات الأميركية خصوصاً. أما العوامل الخارجية فترجع إلى التحولات السياسية الاقتصادية - ومن ثم الثقافية - لأقطار العالم العربي الحديث في علاقاتها بالولاياتالمتحدة، وعلاقة الولاياتالمتحدة بهذه الأقطار من منظور مصالحها الخاصة. ولا تنفصل الأوضاع الداخلية عن الخارجية إلا على سبيل التوضيح الذي لا ينفي تبادل الأثر والتأثير بين العوامل كلها، وتداخل الداخلي والخارجي في غير حال. وأول ما يواجهنا من العوامل الداخلية راديكالية الستينات التي زعزعت الاتجاهات المحافظة، وفتحت المزيد من الآفاق الواعدة بالتحرر الثقافي، الأمر الذي أدّى - في الدوائر الأكاديمية - إلى دعم مناخ التمرد على المناهج المتوارثة في العلوم الإنسانية والاجتماعية، والإقبال على المناهج الجديدة المقبلة من فرنسا، وعلى رأسها البنيوية التي سرعان ما تبعتها التفكيكية وغيرها من المناهج والنظريات التي أحدثت تغيراً جذرياً في الدراسات الإنسانية والاجتماعية عموماً، والدراسات الأدبية خصوصاً: نقداً وتاريخاً ومقارنة. وواكب ذلك التمرد على ما آل إليه الاتجاه التاريخي الفيلولوجي من جمود في دراسة الأدب العربي، والتحول عن دراسة الأدب العربي القديم بصفته تجليات لغوية يتجسّد بها "الشرق" النائي، الأبعد زماناً والأدنى مكانة في علاقات التبعية، تلك العلاقات التي انبنت بها "نزعة الاستشراق" على نحو ما وصفها إدوارد سعيد في كتابه الشهير. ويوازي ذلك تحطيم الحواجز التقليدية التي ظلّت مقامة بين دراسة الأدب العربي، استشراقاً، ودراسة الآداب العالمية بمناهج النقد الأدبي الحديث أو المعاصر. أعني الحواجز التي ظلت مدعومة بنظرة دونية إلى الأدب العربي بالقياس إلى الآداب المعترف بعالميتها، والتي ظل درسها بمناهج النقد الغربي الحديث أو المعاصر وجهاً للاعتراف بتفوقها ومركزيتها، وفي مقابل الأدب العربي القديم الذي ظل - في الغالب - سجين النظرة إليه بصفته وثيقة تاريخية لغوية دينية لفهم حضارة مضى زمنها، ولم يعد لأصحابها حضور في خريطة الإبداع العالمى الذي انحصر في المركز الأوروبي - الأميركي. وقد تهاوت هذه النظرة، أو على الأقل أصابها التشقق، بعد أن تغيرت أوضاع الأقطار العربية، ووصلت حركاتها التحررية إلى ذروتها في الستينات، ونجحت في القضاء على الاستعمار القديم، واستهلت معركتها مع الاستعمار الجديد. وفي الوقت نفسه، تزايدت الأهمية الاقتصادية للأقطار المنتجة للنفط من بين هذه الأقطار، وتصاعدت أشكال الحضور العربي بعد حرب السويس، الأمر الذي فرض ضرورة الاهتمام بدراسة أوضاع الأقطار العربية الجديدة، وتحليل الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والثقافية الملازمة لصعود مشروعها القومي، والمناقضة له على السواء. وكانت النتيجة - في مجالات البحث الأكاديمي - التحول من دراسة الحضارة العربية القديمة بصفتها موضوعاً للاستشراق، في علاقته بزمن يسعى إلى تثبيته وأدلجة صورته، إلى دراسة الأوضاع العربية الحديثة في مجالاتها المختلفة، ومن حيث هي متغيرات تستلزم الفهم والسيطرة في الوقت نفسه. هكذا، حلَّت دراسات العرب المحدثين محل دراسات العرب البائدة، أو على الأقل وازنتها، لكن بما أكد أهميتها المتزايدة في ميادين البحث الأكاديمي. خصوصاً تلك الميادين التي كانت دراسة الأدب العربي الحديث فيها موازية لدراسات الأقطار العربية الحديثة، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. ولم يكن ذلك بعيداً من المتغيرات التي ناوشت نزعة المركزية الأوروبية - الأميركية في تجلياتها المختلفة، ومنها مجال النقد الأدبى. أعني المتغيرات التي اقترنت بمحاولات تقويض هذه النزعة، خصوصاً بعدما أخذ الوعي التابع للأمم المتحررة من الاستعمار يعي تبعيته، ويسعى إلى نقد أسطورة التفوق الملازمة لنموذج هذه النزعة، في موازاة التيارات الراديكالية داخل أقطار المركز، وما سعت إليه هذه التيارات من تحقيق هدف مماثل، هدف أولى علاماته نقض أحادية المركز من منظور معرفي جديد لا يعرف سوى الذات المزاحة عن المركز، والذوات المتكافئة الحضور، و"الأنا" التي لا تختلف عن "الآخر" في علاقات الحوار لا الهيمنة. وكما تولت نظريات "التفكيك" Deconstruction نقض معنى المركز الثابت، في موازة التمرد على مركزية اللوغوس أو العلة الأولى، تولت نظريات "الخطاب" Discourse تأسيس الممارسات اللغوية التي تنزع الأقنعة الأيديولوجية البرَّاقة عن خطابات الهيمنة، وتقوم بتفكيك خطاب "الاستشراق" من حيث هو ممارسة خطابية لعلاقات القوة وأدوات إنتاجها وأساليب توزيعها وإشاعتها وتثبيتها في الوقت نفسه. وكان إنجاز الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو 1926 - 1984 الأساس الذي بنى عليه إدوارد سعيد، سنة 1978، نقضه الجذري لآليات الهيمنة التي ينطوي عليها خطاب "الاستشراق". وكان جهد إدوارد سعيد في هذا الجانب بمثابة تأسيس لما أصبح يعرف باسم "خطاب ما بعد الكولونيالية". وهو الخطاب الذي أكمل مهمة تأسيسه أبناء العالم الثالث الذين وضعوا العالم الأول موضع المساءلة، مع أشباههم من النقاد الجذريين في العالم الأول، وبخاصة الولاياتالمتحدة الأميركية. وكان القاسم المشترك بين هؤلاء وأولاء، ولا يزال، الكشف عن تحيزات العرق والجنس، وآليات القمع والاستغلال، وتخييلات الاستعلاء، وتمثيلات التابع في خطاب المتبوع. وإذا كان اتجاه خطاب ما بعد الكولونيالية يمثِّل الطرف الراديكالي من المتصل النقدي، أعني المتصل الذي يقترب منه النقد الثقافي والنزعة التاريخية الجديدة، وقبلها البنيوية التوليدية، في وحدة المنظور الذي ينقض معنى المركزية، فإن الاتجاه البنيوي اللغوي يمثِّل الطرف المقابل في المتصل نفسه الذي يضم خطاب التفكيك، وذلك في علاقات التجاور التي تنطوي على التقابل والتضاد والصراع، فضلاً عن أشكال التفاعل والحوار. وتتجسد بهذه العلاقات خريطة نقدية جديدة، اخترقت مؤثراتها الأقسام والمعاهد التي تنهض بدراسة الأدب العربي في الولاياتالمتحدة الأميركية، حالياً، وهي الأقسام والمعاهد التي تتجاوب مع نظائرها في القارة الأوروبية، خصوصاً من حيث الإقبال على ممارسة خطابات المتصل النقدي الذي أشير إليه، والتأثر بخطاب التعددية الثقافية الذي تطور في ما أصبح يعرف باسم خطاب التنوع الخلاق، وذلك جنباً إلى جنب الانصراف عن مناهج الاستشراق المتوارثة عن المدرسة الألمانية التاريخية الفيلولوجية من ناحية، وعن تقاليد مناهج التبعية أو خطاباتها من ناحية مقابلة.