هارفي ماك جورج ليس اول "جاسوس" يمكن ان تلتقط اوراقه بغداد للتشهير بفرق التفتيش وحيادها ونزاهتها. هو بكل بساطة مؤسس نادٍ جنسي، بعدما تقاعد من صفوف "المارينز"، ولا علاقة بالطبع بين "خبراته الفنية" التي يدافع عنها رئيس لجنة التفتيش هانس بليكس وبين خبراته الاخرى. لكن المثير في "فضيحة" ماك جورج الاولى التي تواجه سمعة خبراء اللجنة، ان يتمسك به بليكس، على رغم استقالته، والاكثر غرابة ان تدافع واشنطن عن "حيادها" في ارسال ملفه الى الاممالمتحدة. اما بغداد فبديهي انها لن تفصل بين الامور "الشخصية" وبين مسألة تفتيش، يتوقف عليها مصير الحرب والسلام في العراق والمنطقة. واذ تذكّر قضية هارفي بالطروحات العراقية التي سبقت عودة خبراء "انموفيك" الى مزاولة خبراتهم ميدانياً، وكل تلك الطروحات يتهم الرئيس جورج بوش وادارته بعدم الحرص على مهماتهم واستخدامهم "ذريعة للحرب"، الا يثير موقف واشنطن من ملف رجل "المارينز" المتقاعد شبهات في السعي الى تفجير فضيحة في وجه بليكس، تستفز بغداد لتبدأ استفزازه… ومسلسل مواجهات مع لجنة التفتيش؟ السفير الاميركي السابق ادوارد بيك واثق بأن الادارة لا تريد النجاح ل"انموفيك" وبعيداً من الخبرات التقنية و"الاجتماعية" التي راكمها هارفي من دون اي شهادة علمية، على ذمة "واشنطن بوست" بديهي ان سجل بغداد ومفتشي اللجنة السابقة اونسكوم، وكذلك نيات "الصقور" في البيت الابيض والبنتاغون، لا تترك اي مجال لاستبعاد تأزم سريع بين السلطات العراقية وخبراء بليكس وزميله محمد البرادعي. واذا كانت ساعة الصفر لسحب "انموفيك" وفرق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من بغداد، لتعود اليها صواريخ "كروز" من حاملات الطائرات، مرجحة في غضون شهرين، ستحين قريباً ساعة انكشاف حقيقة ان الولاياتالمتحدة لم تذهب الى مجلس الامن الا لتهدئة حلفائها في الغرب وبعضهم بات مشاكساً في وجه مشروع الحرب وتبرير الخسائر البشرية المتوقعة بالقول ان بوش اتاح حيزاً كافياً من الوقت لكل الجهود السلمية، ولم يضرب بالاممالمتحدة عرض الحائط. ولا شيء يؤكد بالطبع ان العراقيين وحدهم سيحتكرون تلك الخسائر على رغم ما بشّر به وفد الكونغرس الى الكويت من ان الرئيس "صدام حسين سيواجه انواعاً جديدة من الاسلحة". ولعل ذلك هو مصدر الفزع في المنطقة، ولن يكون من شأن الترويج الاميركي لارسال عشرات الآلاف من "المارينز" الى الاراضي الكويتية المتاخمة لحدود العراق، سوى تقديم دليل آخر على نيات واشنطن… وهذه لو اضيفت الى خيار "انتحار" قد تلجأ اليه بغداد، يتضح حجم ذاك الثمن الباهظ الذي ستدفعه المنطقة والعرب في حرب الخليج الثالثة. قبل يومين تزامن نداء اطلقه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير من اجل خفض اسعار الادوية للعالم النامي حيث يموت الملايين بعد معاناة مع الايدز والسل والملاريا، مع دراسة لمعهد البحوث للطاقة والبيئة الاميركي، كشفت فظاعات الحملة العسكرية لحلف الاطلسي على يوغوسلافيا، وابسطها تلك الاطنان من المواد السامة والكيماوية التي تدفقت على نهر الدانوب اثر الغارات الجوية. والارجح ان بلير الذي يعدّ جيشاً لدعم الحليف الاميركي في "الحملة على صدام" لا يعرف بعد كم من العراقيين سيحتاجون الى الادوية ومضادات حيوية بعد كارثة دانوب ثانية، في دجلة… وكم منهم سيعاصر "مرحلة ما بعد صدام". وبصرف النظر عن تألم بلير، يبقى ان مهمة فرق التفتيش هي لدى واشنطن حرق مرحلة، بعيداً من خبرات مفتشي "انموفيك" بمن فيهم هارفي.