حوادث التاريخ تحمل في طياتها كثيراً من التناقضات، وتثير التساؤلات: - فلماذا يُقدم جنرال فرنسي مثل نابوليون، وهو الإبن الروحي للثورة الفرنسية المنادية بالحرية والمساواة والأخوّة، على تنصيب نفسه إمبراطوراً، ويخوض حروباً توسعية على امتداد أوروبا؟ - ولماذا تنتفض دول مستعمرة مثل لبنان على الحكم الأجنبي الفرنسي، ثم تعود الى تطبيق القوانين نفسها، ويملأها الحنين الى اللغة الفرنسية، من دون الأخذ، للأسف، بمزايا الحضارة الفرنسية؟ أم ان الإنقلاب على الإنتداب الفرنسي لم يكن ثورة إجتماعية شاملة، بل مجرد استقلال عن الارادة الفرنسية، ومحاولة استفراد بعض الأشخاص بإدارة السلطة والمشاريع التجارية وأرباحها؟ - لماذا جزء من العالم يكره أميركا وهي في الأساس، تاريخياً، لم تكن قوة إستعمارية مثل سائر البلدان الأوروبية؟ ويكفي ان تكون أميركا عانت من تجربتها في الصومال، حيث فشلت محاولاتها كفّ أيدي الميليشيات المحلية عن قوافل المؤن الغذائية، فعادت أميركا، في عهد كلينتون، الى العمل في الصومال تحت راية الأممالمتحدة. وهي لم تتدخل إثر المجازر التي حصلت في رواندا. ولم تتدخل في كوسوفو إلا ضمن قيادة الحلف الأطلسي. ولذلك فالذين يمارسون الحقد على أميركا لا يفعلون ذلك استناداً الى تراكمات ظلم، بل هم يعبّرون عن حقدهم من خلال انتقادهم لنمط العيش الأميركي. - لماذا التجربة الفلسطينية ليست معياراً قابلاً للقياس على بقية الشعوب؟ فالانتفاضة الفلسطينية تُسمى ثورة على المحتل. ولكن عندما يطالب شعب آخر بكامل سيادته على أرضه، وإذ يدافع عنها في المحافل العالمية، والأميركية بالتحديد، تُلصق به صفات العمالة والخيانة! رائدة الفضاء الروسية، تريشكوفا، رأت الأرض من بعيد "صغيرة... وجميلة... ومتحدة". والأرض، من قريب، كبيرة بمشكلاتها، وقبيحة بجرائمها، "وتمزقها النزاعات". وبعضهم يجعل من الأسباب ذريعة لارتكاب المجازر، وافتعال الإرهاب. والعالم اليوم يؤمن أن لا شيء يبرر الإرهاب. فهل إن البشر لا يستطيعون ان يجدوا طريقة أخرى للإصلاح بعضهم بعضاً، وإبعاد "المنحرفين"، عن "الرذائل والمحرمات"، غير نسف أنفسهم واغتيال حياتهم؟ سوق الغرب لبنان - بيتر قشوع