اذا كان من عزاء لياسر عرفات وقد دمّر آرييل شارون المقاطعة حوله فهو ان الوضع السياسي للرئيس الفلسطيني أقوى من وضع رئيس وزراء اسرائيل. أبو عمار اختار حكومة لم تلب جميع مطالب الاصلاحيين، الا انها كانت خطوة في الاتجاه الصحيح تمكن من القيام بها لأن لا مؤامرة عليه من داخل "فتح" أو خارجها. في المقابل انسحب حزب العمل من حكومة الوحدة الوطنية الاسرائيلية، ووجد شارون نفسه فوراً أمام خيارات أحلاها مرّ، مع تآمر بنيامين نتانياهو عليه ليخلفه في رئاسة ليكود، وتقديم أحزاب اليمين المتطرّف طلبات إجرامية يعجز شارون نفسه عن الالتزام بها علناً. شارون حاول نصب كمين لنتانياهو، غير ان هذا متآمر بدوره، لذلك فهو قبل منصب وزير الخارجية، شرط إقصاء ياسر عرفات، وإلغاء الموافقة على دولة فلسطينية، وإجراء انتخابات مبكرة، وتجنّب الاقتصاد لأنه كان سبب سقوط الائتلاف الحكومي، فإسرائيل تمرّ بأزمة اقتصادية خانقة، والنمو سلبي والبطالة مرتفعة، وقد انخفض الانتاج عشرة في المئة. وكان شارون ونتانياهو اجتمعا السبت فقامت قيامة الأحزاب الدينية عليهما، وقدّمت اعتراضات رسمية على انتهاك حرمة ذلك اليوم. وذكّرت الضجة من نسي بأن شارون يحاول ان يرأس حكومة يمينية ضيّقة، تعتمد على أصوات الأحزاب الدينية مع انه ليس منها. لو شكّل شارون مثل هذه الحكومة لكان أصبح "اليساري" الوحيد فيها، ولأصبح بالتالي رهينة الأحزاب اليمينية، ففي كل مرّة يتّخذ قراراً لا يعجبها تهدّد بالانسحاب أو يعود عنه. وزايد أفيغدور ليبرمان، وهو عنصري منحطّ يترأس حزب الاتحاد الوطني / اسرائيل بيتيني بيتنا، على نتانياهو فطالب مقابل الانضمام الى الحكومة باقصاء عرفات والسعي الى نصر عسكري على الفلسطينيين، ورفض قيام دولة فلسطينية ومناقشة "خريطة الطريق" الأميركية داخل الحكومة. وكان واضحاً خلال محاولات شارون اليائسة تشكيل حكومة يمينية ان موقفه ضعيف، فنتانياهو يريد ان يخلفه، لا أن يساعده، والأحزاب اليمينية تعتبر ان الفرصة باتت مواتية لتنفيذ استراتيجية متطرفة تشمل حلم "الترانسفير". ويبدو ان خطأ شارون الأساسي هو انه لم يتصور ان يخرج العمل من الائتلاف الحكومي، وخصوصاً ان خروجه جاء بسبب موضوع الاقتصاد، وهو نقطة ضعف واضحة، في الأداء الحكومي، فشارون كان يفضّل ان يفتعل معركة سياسية مع العمل، أو يدبّر خروجه عبر عملية عسكرية كبرى تدعم موقفه بين ناخبي اليمين. الا ان العمل استبق تآمره بالانسحاب لخلاف على موضوع الخلاف فسحب الهواء من شراع حكومته. والنتيجة ان هناك انتخابات من كل نوع في اسرائيل، فقبل الانتخابات النيابية التي يفترض ان تجرى خلال 90 يوماً من حلّ الكنيست، هناك انتخابات تمهيدية لرئاسة حزب العمل هذا الشهر، وانتخابات رئاسة ليكود الشهر المقبل. ويبدو ان وزير الدفاع المستقيل بنيامين بن اليعيزر، وكان المرجح للفوز برئاسة العمل، تراجع قليلاً أمام منافسه عمرام متسناع، رئيس بلدية حيفا، في حين أظهرت استطلاعات الرأي العام بعد سقوط الحكومة مباشرة ان نتانياهو متقدّم قليلاً على شارون بين اعضاء ليكود، الا انه عاد فتأخّر عنه. والاستطلاعات تظهر بوضوح ان العمل سيخسر من مقاعده في الكنيست في الانتخابات المقبلة، وسيعود ليكود بقوّة. ولا سبب الآن لتوقّع تطورات تعكس هذه النتيجة خلال شهرين أو ثلاثة. وأعود الى ياسر عرفات، فلعلّه يتصوّر ان هناك مؤامرة عليه، وأن بين قادة "فتح" من يريد ان يحل محلّه. الا انني أعتقد ان مخاوف أبو عمّار، إن وجدت، غير مبرّرة، فليس هناك بين كبار قادة "فتح" من يقبل ان ينافس أبو عمّار، فيما يتعرّض هذا لحملة اسرائىلية وأميركية شرسة عليه. ويفترض ان الرجل الثاني في "فتح" والسلطة الوطنية هو السيد محمود عباس أبو مازن، الا ان هذا المناضل الفلسطيني أبعد ما يكون عن التآمر، حتى وهو يعبّر عن عدم رضاه عن تصرّفات السلطة. وقد سافر أخيراً الى غزّة ليرتاح من وجع الرأس في رام الله. وأخيراً، نستطيع ان نقول ما نشاء في اسرائيل، ولكن تبقى فيها ديموقراطية، ليست في أي دولة عربية. والنائب العربي عصام مخّول، من حزب حداش، سأل في الكنيست "في تحالف بين شارون وإيتام ايفي ايتام، وزير البنية التحتية وموفاز، يسأل الانسان كم مجرم حرب يمكن ان تضمّهم حكومة واحدة؟". أما النائب أحمد الطيبي فقاطع موفاز وهو يقسم اليمين في الكنيست بعد تعيينه وزيراً للدفاع هاتفاً: "هل قسم اليمين يعني قتل الأطفال...". ولن أسأل ماذا كان حدث لو ان هذين الرجلين نائبان في برلمان عربي وقالا مثل هذا الكلام عن رئيس وزارة ووزراء فيها.