صعود رجب طيب أرضوغان ليس الحدث المؤسس. الحدث كان صعود نجم الدين أربكان قبل سنوات. يومها بدأت الثورة على جمهورية أتاتورك. اليوم يستأنف أرضوغان الثورة، ما يجزم بأن الاتاتوركية ليست بخير في تركيا. صحيح ان أرضوغان هو من سرّح الطبقة السياسية التقليدية بعدما جعلتها الاقتصادية تتعفّن. لكن الصحيح أيضاً ان اربكان هو من رسم حدود الاستئناف الثوري: استئناف لن يصطدم بالجيش. بالعلمنة. بأوروبا. بأميركا. باسرائيل. ولن يقيم "سوقاً اسلامية مشتركة". في هذه كلها سيلطّف جموح العسكر. سيراعي بعض الحساسيات الاقليمية. والسلام. لنتذكر محمد خاتمي الأول ومحمد خاتمي الثاني. الأول هو اربكان ايران الذي رسم حدود الاستئناف للثاني الذي هو ارضوغان ايران. إذاً: خاتمي الثاني لا يزال ضد الخميني لكنْ بالاستفادة من حدود خاتمي الأول. أرضوغان لا يزال ضد أتاتورك لكنْ بالاستفادة من حدود أربكان. بهذا المعنى: يستطيع ربما أن يلقي قصائد أكثر من ذي قبل، لكن عليه أن يتهيأ لملاقاة واقع أعقد من ذي قبل أيضاً. مع هذا تلتقي ايران التي تفرّ من الأصولية الدينية بتركيا التي تفرّ من الأصولية العلمانية والعسكرية. تلتقيان عند منتصف طريق له معالم. وأول المعالم أن الأصولية في بلدان تتعادل فيها الأمة والدولة غيرها في بلدان تفيض فيها "الأمة" عن الدولة وتفيض فيها الدولة عن المجتمع. في الحالة الأولى، الايرانية - التركية، يبدو انضباط الأصولية بالسياسة أرفع كثيراً منه في الحالة الثانية حيث التفتت والتفكك والعنف بلا ضوابط. وثاني المعالم ان أزمنة التحولات النوعية انتهت، ضداً على الفلسفة التي تحملها ادارة جورج بوش للعالم. فلا الأتاتوركية الجامدة تعيش في تركيا بسكينة ولا الأصولية المتحجرة تعيش في ايران بأمان. لكن أياً منهما لا تموت بضربة قاضية. انهما تشيخان وتهرمان وكلما كان المجتمع حياً كانت القدرة على تسريع الهرم أكبر. وثالث المعالم ان الديموقراطية في العالم الإسلامي صعبة ومتعرّجة وقد يكون الطريق اليها من نوع عجيب. لكنها ليست مستحيلة. والشيء نفسه يصحّ في الديموقراطية الإسلامية على وزن الديموقراطية المسيحية الأوروبية. والرابع ان استجابة أوروبا وأميركا حاسمة في هذا المجال. وهنا لا تزال الاشارات المتضاربة كثيرة. ولا يزال الانقشاع صعباً. وما سيحصل في العراق هو، بالتأكيد، الغيمة الأكبر. فما الذي سيهطل على تركياوايران، وعلينا جميعاً؟