أنهى المؤتمر العربي أعماله في ملبورن الأسبوع المنصرم وسط أجواء محتدمة بالنقاش الحاد ووطأة الأحداث المتسارعة على الساحة الأسترالية بُعيد انفجار بالي. وكانت "الحياة" علمت من مصادر موثوقة في سيدني أن السلطات الأسترالية تستعد لشن حملت اعتقالات، لكنها مقسومة الرأي حول الأسلوب: هل يكون سافراً مرفقاً بتغطية إعلامية مباشرة، أم هادئاً تحت جنح الظلام على الطريقة الانكليزية في إرلندا؟ ويبدو أن الأسلوب الأخير انتصر لأسباب عدة في مقدمها الحفاظ على سرية العمليات قدر الإمكان. غير أن قسوة المداهمات التي طاولت بيوت مسلمين أندونيسيين بصورة عامة في سيدني وملبورن وبيرث، أحدثت ضجة في صفوف الجاليات الاثنية عموماً مما دفع بممثلي المسلمين في أستراليا وعدد لا يستهان به من المدافعين عن حقوق الإنسان إلى استنكار تلك المداهمات. وبالتالي أصدر تجمع الناطقين باسم المسلمين الأستراليين بياناً شديد الوضوح يدين الإرهاب بكل أشكاله ويخاطب الإرهابيين بالقول: "انتم وحدكم في تصرفاتكم ولا تمثلوننا ولا علاقة لكم بالإسلام الذي يترفع عن قتل الأبرياء". والواقع أن الأيام الثلاثة للمؤتمر العربي في ملبورن لعبت دوراً محفزاً في تحريك روح الوحدة والشورى لدى أئمة المساجد ورؤساء الجمعيات الإسلامية، إذ تدفقت وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب على المؤتمرين، وبينهم ضيوف من مصر وبريطانيا ونيوزيلندا واليابان، وأمطرتهم أسئلة محرجة طاولت أسامة بن لادن والاستشهاديين الفلسطينيين وصولاً إلى الحادي عشر من أيلول سبتمبر وانفجار بالي. وساد التوتر بعض المجابهات، الإذاعية بوجه خاص، لأن الضيوف لا يعرفون الخلفيات العنصرية لبعض مذيعي قنوات البث المباشر الذين ينقلون آراء المواطنين على علاّتها. إلاّ أن ظهور عدد من المؤتمرين أكثر من مرة على شاشات التلفزيون ضمن البرامج الإخبارية ذات التغطية الواسعة وإدلائهم بتصريحات متزنة، معتدلة، موضوعية، ادّى إلى الاسهام في تغيير لهجة الإعلام الأسترالي عموماً، وبالتالي دفع برئيس الحكومة جون هاورد إلى إطلاق دعوة لنبذ التفرقة بين الأديان والعودة إلى العيش المشترك في ظل القانون. أما الجالية الأندونيسية، فعبّرت عن خوفها من ردود فعل الشارع وطالبت بمعاملة أكثر ليونة وإنسانية، وتوجه عدد من أبنائها مع أطفالهم ونسائهم إلى منزل جون هاورد حيث اعتصموا وأدوا صلاة العشاء خارج المنزل في الهواء الطلق.