اعلنت بيانات اداء الخزانة العامة والاقتصاد في السعودية وسط انقباض يسود المنطقة العربية مصدره احتمال وقوع حرب على العراق وتطورات الحرب الاميركية على الارهاب بما في ذلك تداعيات احداث ايلول سبتمبر 2001 التي تتفاقم. ولا شك ان انحباس الافق السياسي في المنطقة يؤثر سلباً في الاداء الاقتصادي ويضيف ضغوطاً على الانفاق الحكومي. وتجاوزت الايرادات الفعلية لسنة 2002 الايرادات التقديرية بنحو 47 بليون ريال 12.5 بليون دولار، وعلى رغم تجاوز الايرادات الفعلية المصاريف التقديرية بنحو بليوني ريال 533 مليون دولار غير ان السنة انتهت بعجز فعلي قدره 21 بليون ريال، كما تجاوز الانفاق الفعلي لسنة 2002 نظيره التقديري بنحو 23 بليون ريال 11.4$ ما رفع اجمالي العجز منذ عام 1990 الى نحو 434 بليون ريال، اي نحو ثلثي الدين العام تقريباً بافتراض ان الدين العام يوازي اجمالي الناتج المحلي طبقاً للتصريحات الرسمية 695 بليون ريال تقريباً. ويعني ذلك ان انتهاء العام المالي 2002 بعجز اضاف نحو 3 في المئة الى اصل الدين العام. ولعل هناك اوجه شبه للفترة الراهنة واجواء ما بعد 11 ايلول من العام الماضي من القاء ظلال قاتمة على المشهد الدولي ما يضيف مزيداً من عدم التيقن عند اعداد التقديرات. وبخصوص موازنة العام المالي 2003 يبدو ان تقديرات الايرادات سادها التحوط لعدم اتضاح الرؤية في سوق النفط الدولية بسبب عدم استقرار الوضع في العراق وعدم حسم احتمال شن الولاياتالمتحدة حرباًَ عليه وعدم الاطمئنان الى آلية عمل القرار 1441 وفعاليته في نزع فتيل الحرب. يُشار الى ان حجم الايرادات النفطية بالغ التأثير على الخزانة العامة السعودية اذ يمثل ما لا يقل عن اربعة اخماس ايراداتها، وفي حال تحقق المستوى المنخفض من ايرادات الخزانة سيعني ذلك تراجع ايرادات النفط الى 128 بليون ريال 34.1 بليون دولار اي تحقيق الخزانة لايراد متوسطه 13.5 دولار للبرميل بانتاج متوسطه 7 ملايين برميل سنة 2003 مع افتراض ثبات الايرادات غير النفطية عند 42 بليون ريال 11.2 بليون دولار. وفي طبيعة الحال، لا تشمل هذه العائدات الايرادات المتوقعة 15.3 بليون ريال نظير بيع 30 في المئة من شركة "الاتصالات السعودية". ومع ان تحقيق توازن بين الايرادات والمصاريف شرط لتقليص الدين العام، غير ان على الحكومة التعامل مع اهداف تبدو متعارضة: النمو المرتفع للسكان والنمو المتدني للاقتصاد، وسداد الدين العام. ويتطلب التعامل مع الهدفين الاولين مزيداً من الانفاق الحكومي في حين ان الهدف الثالث يستوجب سياسات معاكسة، لذا لا يبدو ان هناك مخرجاً من هذا الكمين الا باحداث تغيير هيكلي في ادارة المالية العامة بما في ذلك التوجه لاطلاق موازنة صفرية، واستحداث صندوق احتياط لاستقرار ايرادات الخزانة، والتعجيل بتنفيذ برنامج التخصيص عبر تأسيس جهاز مستقل متفرغ يتمتع بالصلاحيات لان التخصيص اذا ما انجز بوتيرة ملائمة سيحقق جملة اهداف بالتزامن: تقليص الجهاز الحكومي، زيادة الايرادات غير النفطية، توسيع دور القطاع الخاص بما يستقطب مزيداً من الاستثمار ويؤدي لحفز عجلة النمو الاقتصادي المتباطئة. ومع تفحص البيانات المعلنة يبدو ان الزيادة في الانفاق بنحو 11.4 في المئة عما كان مخططاً عام 2002 ونحو 18.6 في المئة عام 2001 وقرابة 27.2 في المئة عام 2000، لم تؤد لحفز نمو الاقتصاد وخروجه من تباطؤ ادائه للعام الثاني على التوالي من معدل نمو 4.8 في المئة عام 2000 الى 1.1 في المئة عام 2001 والى 1.7 في المئة عام 2002. ولعل مرد ذلك، ضمن امور اخرى، تصدر الانفاق الجاري على المصاريف الحكومية اذ تمثل مرتبات الموظفين الحكوميين حوالى مليون موظف قرابة ثلثي الانفاق، وتدني الضخ الاستثماري نسبة الى اجمالي الناتج المحلي الذي لا يتجاوز متوسطه للفترة 1996 - 2002 نحو 18 في المئة. ومع عدم المساس بالعوامل الاخرى يمكن الجدال ان هناك مبررات لتحسين اداء الخزانة العامة عبر اعادة هيكلة الجهاز الحكومي وتقليصه لخفض كلفة البيروقراطية الحكومية من جهة ولتوجيه مزيد من الموارد لتنفيذ برنامج التنمية ومكافحة الفقر والجهل والمرض في البلاد، يضاف الى ذلك ان التعجيل باتاحة المجال للقطاع الخاص والسعي لتحسين سياسات استقطاب الاستثمارات الخاصة يساهمان في رفع نسبة الاستثمار الى حدود 25 في المئة من اجمالي الناتج المحلي، ما يحسن من فرص خروج الاقتصاد المحلي من ادائه المتباطئ ونموه الهامشي ليحقق معدل نمو لا يقل متوسطه عن 3 في المئة سنوياً. * كاتب سعودي متخصص في المعلوماتية والانتاج.