عندما استقبل الرئيس الأميركي جورج بوش رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري قال له "لديك صديق حقيقي هو الرئيس الفرنسي جاك شيراك". وفعلاً يبذل شيراك جهوداً عملاقة لمساعدة الحريري سواء على صعيد مواعيد اللقاءات الدولية التي يجريها أو على صعيد الاتصالات الهادفة لدعم جهود الحكومة اللبنانية في سعيها الى تخفيف عبء خدمة دينها، التي تعادل سنوياً حوالى 70 في المئة من الموازنة اللبنانية. مشكورة الجهود الفرنسية، حتى ولو انها مبنية على دعم شخصي لرفيق الحريري، كونه رئيساً لحكومة لبنان، والجهود المبذولة تعيد وضع لبنان على خريطة العالم بعدما أصبح شبه منسي. فمشاركة الولاياتالمتحدة في اجتماع "باريس - 2" مهمة على رغم اصرار بوش لدى الحريري على ضرورة تعاون لبنان مع صندوق النقد الدولي. صندوق النقد يرى انه ينبغي على لبنان اعادة هيكلة دينه العام مع المصارف الخاصة اللبنانية، ورئيس الحكومة يعتبر أن مصداقية الحكومة في تسديد دينها أساسية ولا يمكن ضربها عبر مسعى يهدف الى تأجيل تسديد الديون للمؤسسات المصرفية الخاصة. وواقع الحال ان غياب تبني صندوق النقد الدولي لبرنامج للحكومة اللبنانية مشكلة أكيدة، إلا أن اجتماع "باريس - 2" ومشاركة الدول الغربية الكبرى والعالم العربي فيه على مستوى رفيع يشكل بحد ذاته دعماً أكيداً للبنان والشعب اللبناني. لكن هذا لا يعني أن مشاكل لبنان ستجد حلاً وأن شعبه سيكون مرتاحاً غداة انعقاد "باريس - 2". المسيرة طويلة لأن الشعب مستاء من وضع اقتصادي رديء، ومن هجرة شبابه المثقف، ومن فساد بالغ، ومن انعدام الثقة بطبقته السياسية، ومن التضييق على الحريات. صحيح ان الجهود الفرنسية أساسية وأن مسعى الحريري جدي، لكن خروج لبنان من محنته يتطلب أوضاعاً اقليمية سليمة. وكيف يمكن الأوضاع ان تكون سليمة بوجود رئيس حكومة هو ارييل شارون في اسرائيل، وبوجود وزير خارجية هو بنيامين نتانياهو؟ وكيف يمكن هذه أن تصطلح الأوضاع الاقليمية فيما العراق مستهدف وشبح الحرب مخيم عليه وعلى المنطقة؟ الأوضاع الاقليمية مثلها مثل الأوضاع الداخلية في لبنان مثيرة للقلق، لكن هذا لا يعني ان الجهود المبذولة حالياً يجب أن تتوقف بانتظار ان تمر الكوارث.