بدءاً من اليوم الأول لمعرض جدة الدولي الثاني للكتاب توافد جمهور كثيف لشراء الكتب قبل حدوث اي طارئ يؤدي الى سحبها من دور العرض. فذاكرة القراء تحمل ذكرى أليمة من معرض الكتاب الأول الذي اقيم قبل عامين في المكان نفسه وتدخل البعض مثيراً زوابع كلامية أدت الى سحب عدد من الكتب المعروضة. ويعزو البعض تأخر المعرض في دورته الثانية الى هذا السبب اذ كان من المقرر ان يكون معرض جدة الدولي للكتاب معرضاً سنوياً يدرج ضمن المعارض الدولية للكتاب إلا انه تأخر عاماً كاملاً ليقام اخيراً بعد غياب اسماء كثيرة ساهمت في انجاز المعرض الأول. وكانت الأحلام المؤسسة لهذا المعرض كبيرة وسعت منذ البدء ان يكون معرضاً ضخماً يقارع المعارض الدولية من حيث عدد الدور المشاركة والندوات والأمسيات المقامة على هامش المعرض. إلا ان التجربة الأولى واجهتها عراقيل عدة حالت دون توهج الأسماء المقترحة لإحياء الأمسيات والندوات المرافقة للمعرض. وكان الاعتراض منصباً على الأسماء المنتمية الى تيار الحداثة ما جعل الندوات والأمسيات المقامة مثار اختلاف من المناهضين لهذا التيار وبالتالي اسهمت هذه الأمسيات الى تأجيل موعد المعرض الثاني. ولم يقم هذا المعرض إلا بعد محاولات مضنية في التقريب بين وجهات النظر المختلفة. اما بعض المثقفين فيعزو تأخر موعد المعرض الى تعدد الجهات المعنية بالسماح بإقامته وتداخل الإجراءات بين هذه الجهات. هذه الهواجس "الماضوية" لم يحملها الوافدون الى المعرض معهم، إذ كان همهم الوقوف على الوعود التي تناقلتها الصحف من ان المعرض سيمنح تأشيرة دخول لكثير من الكتب التي يسافر القارئ السعودي طلباً لها الى المعارض الدولية العربية متكبداً خسائر السفر للحصول على بغيته... وتناقل المهتمون بالأدب السعودي المهاجر ايضاً بأن حظه في هذا المعرض سيكون افضل من بقية المعارض السابقة. وكان رأي احمد الزهراني المشرف على المعرض من قبل وزارة الإعلام انه لا توجد قيود او حجر على اي كتاب فليس هناك نيات مبيتة ضد اي مؤلف او دار نشر وإنما يقيّم الكتاب وفق مادته المطروحة ما لم يتعارض مع الثوابت والقيم السائدة في البلاد. هذه المقولة كانت محط اختبار إذ انطلق زوار المعرض في اتجاهات مختلفة. وكان نصيب الدور ذات السمعة الجيدة بيّناً في استقبال أرتال الزائرين وخصوصاً دور مثل المدى، والجمل، وورد، والمركز الثقافي العربي، والساقي، والحوار، والكنوز الأدبية، والحصاد، والآداب... كان لهذه الدور نصيب الأسد في الاستئثار بمعظم الرواد ويعود السبب الى كونها تمتلك سمعة جيدة لدى القارئ المحلي ولكونها نشرت اعمال الكتاب السعوديين الذين ظلت اعمالهم خارج البلد فترة طويلة وكذلك لكونها اهتمت بإصدار الروايات العالمية والعربية لكبار الكتّاب. تحولت دار الجمل والمدى والمركز العربي وورد الى مراكز رئيسة لتواجد الأدباء ليلياً، فمن هناك تنطلق التوصيات بشراء الكتب الحديثة والإشادة بكتاب ما لكي يقتنيه الأصدقاء او بإسقاط كتاب ليبتعد عنه البقية. هذا التجمع ايضاً منح كثيراً من الأدباء لحظات تواصل حميمة وأذاب كثيراً من المشاحنات التي كانت قائمة بين البعض، وأعطت فرصة لتبادل الآراء حول المعروضات وكثير من قضايا الأدب المحلي. فمع غياب الندوات المصاحبة للمعرض كان تواجد الأدباء في هذه الدور فرصة للحديث وإبداء الملاحظات على الحركة الأدبية. وأكد كثير من الناشرين على القوة الشرائية للقارئ السعودي بما لا يوازي القوة الشرائية لبقية القراء في المعارض العربية. وعلى رغم ارتفاع اسعار الكتاب إلا ان الإقبال كان كبيراً على الشراء، ويرجع اصحاب الدور ارتفاع الأسعار الى اسباب تتعلق بتكلفة الطباعة والشحن وتكاليف الحجوزات والسفر والإقامة. استأثرت الرواية بالرواج الكبير مقارنة ببقية الكتب المعروضة. ويبرر الكتّاب والناشرون هذا الإقبال في كونها غدت الحقل الأدبي العالمي الذي يسود المشهد الثقافي في العالم لأنها تحمل في داخلها بقية العلوم الإنسانية ولكونها جنحت الى كشف العوالم التي تختبئ في المجتمع وتظهرها من غير الحاجة الى المواربة او التدليس. ومن الملاحظات التي ظهرت، العزوف عن شراء دواوين الشعر على رغم حضور دواوين كبار الشعراء كأدونيس ومحمود درويش ونزار قباني وسعدي يوسف، إذ ظل الإقبال منصباً على الرواية او السير الذاتية او الكتب النقدية المنقبة بعين جديدة في الموروث العربي. وفي الجانب الآخر حظيت كتب التراث بجمهور كبير من فئات محددة على رغم توافر هذه الكتب في المكتبات السعودية وربما كان يظن البعض انها ستفيد من التخفيضات على تلك الكتب. وأظهر البعض استياء من توقيت المعرض الذي اقترن بليالي رمضان والتي ادت الى احتجاب اعداد كبيرة من القراء الذين دأبوا على التفرغ للعبادة في مثل هذه الأيام. وتغيب جزء آخر من القراء وهو شريحة كبيرة لارتباط ابنائهم بالمدارس وانشغالهم بالدروس لكي يتجاوزوا فترة الاختبارات التي قررت في هذه الأيام ولئلا يتهرّب الطالب من مقاعد الدرس. ولهذا السبب تعطلت مبيعات بعض الدور المهتمة بكتاب الطفل وكان الإقبال ضعيفاً ولم يواكب تلك الإصدارات التي قدمت لاستقطاب اهتمام الطفل. وأشار بعض الناشرين الى ان توقيت المعرض لم يكن مناسباً مع اوقات جمهور المعرض. ففترة الصباح اعتبروها فترة ميتة تماماً إذ يغيب الجمهور للصوم وقصر مدة العرض في هذه الفترة. واستغل بعض القراء وجود المؤلفين السعوديين الذين سمح لهم بعرض كتبهم لفترة المعرض فقط لطلب التواقيع على مؤلفاتهم.