أخفقت الحملة الأمنية التي تخوضها السلطات الأردنية منذ أسبوع في مدينة معان في الايقاع بجماعة "التكفير والهجرة" السلفية المتشددة التي يقودها محمد الشلبي الملقب ب"أبو سياف"، الذي تتعقبه الشرطة في مناطق صحراوية وعرة في جنوب المملكة، فيما طغت مشاعر الاستياء والغضب على سكان المدينة الذين أكدوا ل"الحياة" أنهم "تعرضوا لعقاب جماعي". ففي جولة لمراسلي وسائل الإعلام العربية والأجنبية نظمها الأمن العام الأردني إلى المدينة، وحدد مسارها في أجزاء محدودة منها، روى السكان تفاصيل العملية الأمنية التي لم تشهد لها البلاد مثيلاً منذ أكثر من 32 عاماً، وقالوا إن الوحدات الخاصة من الشرطة والجيش "دخلت معان بحثاً عن خمسة أشخاص، ولكن واقع الحال أظهر أن المدينة كانت مطلوبة بأكملها"، مؤكدين أن "الأمر بدا وكأن الدولة تسعى لتأديبهم بالقوة، عقاباً على اضطرابات سابقة" شهدتها المدينة وقادت البلاد إلى عودة الحياة الديموقراطية العام 1989. وبغضب شديد، قال أحد شيوخ القبائل للصحافيين إن "الشرطة اطلقت النار على ديوان عشيرته، وعبثت بمحتوياته، عندما كانت تبحث عن المطلوبين"، وقال إن "بيوتاً كثيرة تعرضت لأضرار بالغة في حي الطور" الذي شهد أعنف المواجهات بين الأمن وأعضاء الجماعة السلفية، قبل أن يعتقل اثنان منهم، ويفر الآخرون في الأيام الماضية. وتقول السلطات إنها "اضطرت إلى دهم بعض البيوت التي لجأت إليها العصابة المسلحة، وحاولت استخدام المواطنين دروعاً بشرية لحمايتهم" في حين عرض السكان أمام الصحافيين ومصوري المحطات التلفزيونية آثار الرصاص الذي طاول منازلهم وخزانات مياه الشرب على أسطحها. وقال أحد الشبان الملتحين إن "ابا سياف ليس مجرماً ولا إرهابياً، فهو ببساطة انسان عادي يعيش مع زوجته المقعدة ... والحكومة افتعلت الصراع معه وجماعته، لأنه نظم تظاهرة تضامنية مع شهداء مذبحة مخيم جنين" التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية في نيسان ابريل الماضي. وأشار إلى أن الأهالي "باتوا على قناعة أكيدة بأن الحكومة تريده حياً أو ميتاً، بسبب ادعاءاتها بأنه يقوم بتهريب أسلحة إلى أبطال الانتفاضة الفلسطينية". وتتهم الحكومة الجماعة السلفية التي تصفها بأنها "عصابة أشرار خارجة على القانون"، بارتكاب جرائم ضد رجال الأمن وممتلكات عامة وخاصة، بينها مؤسسات حكومية وبنوك. وقال محافظ معان محمد بريكات للصحافيين إن هذه المجموعة "احتضنت تجار السلاح ومهربي المخدرات، وامتهنت الخروج على القانون، وباتت خطراً يهدد الأمن والاستقرار". واعتبر المحافظ أن "مجموعة القتلة تتستر بالدين لتنفيذ أهدافها الشريرة"، لافتاً إلى أن "الوضع في المدينة بات تحت السيطرة بفضل رجال الأمن الذين يعاملون الناس أفضل معاملة، ويقومون بواجبهم في الكشف عن مخابئ العصابة من دون الاضرار بحقوق المواطنين ومكتسباتهم". كما أكد مدير شرطة المدينة العقيد أحمد القضاة أنه "نجا شخصياً من محاولة اغتيال دبرها هؤلاء المجرمون، عندما اطلق أبو سياف النار عليه، وجرح ضابطاً برفقته" أواخر الشهر الماضي. وأكد أن الدولة "مصممة على مطاردتهم وإلقاء القبض عليهم". وفيما انسحبت وحدات الجيش من معان، بقي الأمن متمركزاً وكثيفاً في احيائها، وتحدثت السلطات عن اعتقال نحو 80 مطلوباً، وتواصلت عمليات التمشيط الواسعة لجمع الأسلحة التي شاهد الصحافيون كميات منها في مديرية الشرطة، بينها رشاشات ومسدسات ومواد كيماوية إلى ذخائر ومتفجرات، بعد إعلان المدينة الأربعاء الماضي منطقة خالية من السلاح. وأكد السكان أنهم "لن يسلموا إلا أسلحتهم المرخصة للحكومة"، التي أعلنت أمس أنها ستقدم "تعويضاً إلى كل من يبادر لتسليم سلاحه للأجهزة الأمنية". واعتبر مثقفون في المدينة أن "منع الأسلحة في منطقة عشائرية مثل معان سيضاعف عمليات التهريب، ولن يكون سهلاً على الشرطة مواجهة هذا الواقع مستقبلاً". ويرى محللون ان ملف الأحداث في معان سيبقى مفتوحاً مدة طويلة، وسيكون مرشحاً للمزيد من التعقيد، ما لم تبدأ الدولة سريعاً باحتواء أزمة هذه المدينة الصحراوية ثقافياً وتنموياً، وتبحث عن حلول سياسية جادة تتوخى التوازن بين الأمن والعدالة فيها.