تذهب أميركا الى الانتخابات الرئاسية فيذهب العالم معها. ويتابع الناس في أقاصي الأرض المهرجانات والدعايات والمناظرات. فشخص الرئيس مهم جداً وصلاحياته واسعة وخيارات بلاده تعني الدول القريبة والبعيدة. وفي العقد الماضي بات باستطاعة العالم ان يتابع السباق الى الرئاسة. أما في العقود السابقة فقد كان العالم يعرف بولادة "قيصر" الكرملين من خلال جملة مقتضبة في وكالة "تاس". وحدها الصين بقيت بعيدة عن هذه اللعبة المفتوحة. تبلغ العالم بالنتائج ولا تشرك الصحافيين والمصورين بالصراعات التي تسبق الاعلان عن ولادة الزعيم الجديد للحزب. لا يجد ساكن "القرية الكونية" نفسه مضطراً لحفظ اسم الزعيم الجديد للحزب الشيوعي الصيني والذي يفترض ان يتولى رئاسة الدولة أيضاً بعد أربعة أشهر. ولو حفظ الاسم فهو لن يعرف الكثير عن الرجل الذي سيمسك بمصير 1.3 بليون شخص. وان عرف ستقتصر معرفته على رواية رسمية لصعود "الرفيق" الذي بدأ في أسفل الهرم ثم تسلقه صعوداً الى القمة. وحتى الساعة تبدو الصين بعيدة فعلاً حتى ولو ارسلت مبعوثاً الى هنا أو هناك أو تذكر العالم انها صاحبة الحق في ممارسة "الفيتو" في مجلس الأمن اسوة بباقي أعضاء نادي "الخمسة الكبار". طوّب الحزب الشيوعي الصيني هو جينتاو 59 عاماً زعيماً له. وثمة من يقول ان كلمة السر التي ساعدته على الصعود كانت جملة مقتضبة من الزعيم الراحل دينغ هسياو بينغ حين وصفه ب"انه رفيق جيد". انتخب الرجل ولم يبق أمام العالم غير أن يتعايش معه ويعتاد عليه وسط تساؤلات الصحافيين والديبلوماسيين والخبراء عن شخصيته ومقدار الحذر والانفتاح له ومدى استعداده للخوض في مزيد من الاصلاحات على المستوى السياسي. تبقى ملاحظات سريعة على نتائج المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني. أولها ان جيانغ زيمين الذي غادر قيادة الحزب ويستعد لترك الرئاسة احتفظ لنفسه برئاسة اللجنة العسكرية ونجح في زرع مقربين منه حول خليفته. وبدا جيانغ كمن يقلد دينغ لجهة الاصرار على الاحتفاظ بقدرته على تحريك الخيوط وإبقاء الوضع الجديد تحت الرقابة. والملاحظة الثانية ان الصين التي هزتها في 1989 احداث تيان ان مين تمكنت من عبور التسعينات من دون انهيار على الطريقة السوفياتية وحافظت على معدلات عالية للنمو الاقتصادي من دون ان تسمح للاصلاح الاقتصادي بالنيل من الاستقرار وقبضة الحزب. والملاحظة الثالثة هي ان الزعيم الجديد يجد نفسه أمام تراكم هائل للمشاكل الاقتصادية ولا يستطيع ان يرجئ الاصلاحات السياسية الى الأبد. والملاحظة الرابعة ان جيانغ زيمين الذي نجح في ادراج فكرته حول "التمثيل الثلاثي" في الخطوط الموجهة للحزب الى جانب الماركسية - اللينينية وفكر ماو تسي تونغ ونظرية دينغ هسياو بينغ لم يستطع ادراج اسمه الى جانب اسلافه وكأن مهمته كانت التحضير لوصول "الجيل الرابع".