ازدحام الأسواق طيلة ساعات ما قبل الافطار ليس الشيء الوحيد الذي يميز أيام رمضان في الشام، بل ان آذان الافطار المبكر نتيجة قدومه في بداية فصل الشتاء ساهم في طقوس حياة مختلفة لها نكهة خاصة تختلف عما هو سائر الأيام. وتبدو أيام رمضان في حلة جديدة وتتحول إلى خلية نحل لا سيما في الأسواق التجارية الشعبية المعروفة مثل "الميدان" و"باب سريجة" و"الشيخ محيي الدين" و"مخيم فلسطين"، حيث تعرض المحلات ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات المخصصة لشهر رمضان. والزائر لدمشق هذه الأيام يلفت انتباهه انتشار البسطات في الشوارع التي تحوي أنواع الأكلات والحلويات الشعبية المعروفة، لا سيما وهذه الظاهرة بدأت في الظهور في الأعوام الأخيرة حيث تشكل فرصة لبعض الشباب العاطلين عن العمل في ايجاد "تحويشة العيد". وعلى رغم أن الصائمين لا يعانون مشقة كبيرة نتيجة أن موعد الافطار هو تقريباً في الخامسة والنصف، لكن الصائمين يعتبرون "رمضان هو رمضان" ويجب أن تراعى طقوسه في الطعام والشراب وتبادل الزيارات كاملة. وتقول ام ثائر: "رمضان كريم ننتظره كل عام لتتجمع أسرتي بشكل منتظم، لذلك لا أوفر جهداً في أن تكون سفرتي عامرة بأنواع المأكولات التي لا تجد طريقها إلى المائدة إلا في هذا الشهر الفضيل". والأمر اللافت أن معظم أصحاب المحلات في العاصمة دمشق تحدث عن "حركة بيع كبيرة" في بداية الشهر مترافقة مع ثبات في الأسعار إلى حد كبير باستثناء اللحوم التي زادت أسعارها بشكل كبير نتيجة تصدير أكثر من مليوني رأس غنم أخيراً إلى دول الخليج. وكانت معظم المحلات في الأسواق المعروفة استعدت قبل رمضان بأيام للموسم، فتحولت عملية بيع الحلويات إلى كرنفالات، في حين يفرش الباعة في سوق "البزورية" بضاعتهم من الحلويات والتوابل والزهور والمكسرات أمام أبواب الدكاكين. ويقول أحد الباعة: "لدينا مئات الأصناف من الخضار والفواكه وتصادف هذا العام وجود الخضار والفواكه الشتوية مع الصيفية". ويؤكد أبو سالم، صاحب محل لبيع الخضراوات في حي "الميدان" الشهير: "أن حركة البيع عنده تضاعفت وهو شيء متوقع". وتقول إحدى السيدات: "نشتري في رمضان أضعاف الكميات التي نشتريها في الأيام العادية، لأن الصائم يشتهي والعزائم تكثر". والعرف لدى الشوام هو أن مائدة رمضشان يجب أن تكون عامرة ونوعية الطعام مختلفة، ولا تخلو من الفول المدمس والتسقية صحن حمص بالزيت أو السمن مع أنواع الشوربة والفتوش والتبولة، إضافة إلى منقوع قمر الدين والتمر هندي وعرق السوس التي هي أساسيات المائدة الرمضانية. ويعرف عن الشوام حبهم للحلوى وتفنن البغجاتية باعة الحلويات بصناعتها، خصوصاً في أيام رمضان والعيد، فهناك أنواع كثيرة من الحلوى لا تصنع إلا في رمضان. وتعتبر "القطايف العصافيري" من أشهر الحلو الدمشقي في رمضان، وهي عبارة عن عجينة منبسطة كالفطيرة وتغطى بالقشدة أو الجوز وتؤكل ساخنة بعد أن تقلى ويسكب القطر عليها. أما "النهش" الذي يدل على طريقة التهامه، ويصنع من رقاقات العجين ويملأ بالقشدة ويؤكل في رمضان، وهناك وردات الشام التي تشبه النهش لكنها أصغر وتأخذ شكل الوردة. وبسبب قدوم رمضان في الشتاء، ألغت العائلات الشامية "تكريزة رمضان"، وهو السيران الذي تقوم به إلى إحدى منتزهات دمشق المعروفة في الغوطة ووادي بردى والزبداني وعين الفيجة لتوديع الأيام العادية والتهيئ لاستقبال أيام جديدة ومختلفة. ويلاحظ أنه في الأعوام الأخيرة بدأت بعض العادات التي كانت من مسلمات رمضان تقل تدريجاً ومنها الزيارات العائلية لتبادل التبريكات بالشهر الفضيل، إذ كانت الأيام الأولى للشهر تشهد زيارات عائلية "بسبب المدارس والطقس البارد وقصر النهار، قد تُؤجل هذه الزيارات إلى العيد". وكانت العادة أن تكون الزيارة لكبير العائلة، فافطار أول أيام رمضان عند عميد العائلة ويتلوه الافطار عند أكبر أفراد العائلة سناً، وهكذا تتبادل الزيارات بين الأشقاء ثم أبناء العموم والخؤول والأنسباء. ومع حلول رمضان تعود السهرات الدمشقية المفعمة بطقوس كثيرة وألعاب عدة تحتشد عند عتبة الشهر. وانتشرت في الأعوام الأخيرة في الفنادق والمطاعم الكبيرة ظاهرة خيام الهنا التي خلقت جواً رمضانياً من رقص المولوية والحكواتي والنرجيلة شدت إليها عدداً كبيراً من الأسر. وينتقد متدينون المظاهر التي بدأت تنتشر أخيراً، ف"رمضان فرصة لمحاسبة النفس والانصراف إلى العبادة وحل الخلافات وتعزيز صلة الرحم، لكن بعضهم حوله إلى شهر للتسلية والمآكل حتى موعد السحور".