منذ الاعلان عن تشكيل الحكومة المغربية الجديدة لم ينقطع سيل المؤشرات الصادرة عن الاوساط الرسمية والصحافية الاسبانية الدّالة على القلق من زيادة احتمالات استمرار التوتّر الذي يسود العلاقات بين الرباطومدريد منذ 19 شهراً، والذي بلغ ذروته اواخر الصيف الماضي نتيجة الصراع حول جزيرة "ليلى" الذي فتح باب المواجهة العسكرية بين البلدين للمرة الاولى منذ "المسيرة الخضراء" على الصحراء الغربية عام 1975. وكشف مصدر اسباني رفيع، في حديث مع "الحياة"، ان الدوائر الديبلوماسية والامنية في الحكومة الاسبانية تتوقّع تصعيداً مغربياً للأزمة، على مراحل وفي اكثر من اتجاه، بعد قرار الملك محمد السادس اعادة تكليف محمد بن عيسى حقيبة الخارجية وتعزيز موقع وصلاحيات نائبه فاسي فهري الذي اصبح وزيراً مفوّضاً للشؤون الخارجية. والأخير معروف بقربه من العاهل المغربي وتعتبره مدريد من غير المتحمسين لتعزيز التقارب بين البلدين. واضاف المصدر ان الاعتقاد السائد لدى الحكومة الاسبانية هو ان ثمة اتجاهاً متزايداً لدى المغرب لابقاء الملفات الثنائية المعقدة مفتوحة باستمرار. واعتبر ان مقتضيات السياسة الداخلية في البلدين من شأنها ان تؤدي الى مزيد من التصعيد في المستقبل المنظور. ويرجّح المراقبون الديبلوماسيون في العاصمة الاسبانية ان يكون ملف الصحراء الغربية مصدر التوتر المقبل بين مدريدوالرباط، بعد التأكيدات التي تضمنتها الرسالة التي وجهها العاهل المغربي الى مواطنيه غداة الاعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، بأن المغرب يرفض الاستفتاء في الصحراء على أساس ان "الزمن تجاوزه" وأنه "غير قابل للتطبيق". ويشير المراقبون الى ان تأكيدات العاهل المغربي جاءت بعد ايام من صدور بيان اسباني - جزائري مشترك، في ختام زيارة للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقه الى اسبانيا، يؤكد حرص البلدين على تطبيق قرارات الاممالمتحدة في شأن الصحراء الغربية. ويرى مسؤولون سابقون اسبان في الحكومات الاشتراكية التي تعاقبت منذ العام 1982 حتى انتصار اليمين في العام 1996 ان الحسّ الاجتماعي الذي يتميّز به رئيس الوزراء الاسباني السابق فيليبي غونثاليث، واهتماماته الثقافية والتاريخية، فضلا عن مشربه الاندلسي، كانت عوامل حاسمة في توطيد العلاقات التي قامت بين مدريدوالرباط طوال عشر سنوات متتالية والتي تطورّت وتعمقّت حتى بلغت حد إزعاج فرنسا الشريك السياسي والاقتصادي المميّز للمغرب. ويعتبر الاشتراكيون الاسبان ان التصعيد السياسي والامني الخطير الذي تشهده بلاد الباسك منذ مجيء اليمين الى الحكم في مدريد، يدفع حكومة خوسيه ماريا أثنار في اتجاه الابقاء على حال التوتّر قائمة مع الرباط، او قابلة للتصعيد كلما اقتضت الظروف والاستحقاقات الداخلية. لكن الاوساط الاقتصادية التي كانت حاسمة في مجيء اليمين الى الحكم، وما تزال واحدة من دعائمه الاساسية، بدأت تضغط أخيراً لدفع حكومة آثنار نحو المبادرة الى تخفيف التوتر واعادة الحرارة الى العلاقات مع الرباط، خشية ان يؤدي التصعيد المرتقب الى ضرب المصالح الاقتصادية الاسبانية الضخمة في المغرب الذي يعتبر القطب الرئيسي للاستثمارات الانتاجية الاسبانية في الخارج.