بيروت - "الحياة" - تظهر الدراسات المفصلة التي يتضمنها كتاب شيرين المعلوف "تاريخ نظرية الموسيقى العربية"، الصادر عن جامعة الروح القدس الكسليك، لبنان 2002 والتي أجريت على ست أطروحات مختارة، وضعت في الفترة من القرن التاسع وحتى القرن الثالث عشر، أن الأنظمة النغمية كانت تتطور باستمرارية متناسقة خلال الفترة نفسها، كما تثبت هذه الدراسات أن السلم الموسيقي كان يتكون من اضافة الأجناس بعضها الى بعض. غير ان هذا المفهوم الأساسي الذي بينته الدراسات يتناقض مع استخدام السلم من أربعة وعشرين ربع طنين والذي شاع استعماله خلال القرن العشرين ونُسب خطأ الى ميخائيل مشاقة. ومن جهة أخرى أظهرت التحاليل الموضوعية والتطبيقية ان السلم من أربعة وعشرين ربع طنين يولّد نوعاً فريداً من اللغة الموسيقية غير مؤهلة للاستعمال في الموسيقى العربية. من هنا كانت الضرورة تقضي بالحفاظ على الأطروحات النظرية التقليدية نظراً لما لهذه النظرية من إمكان في الإسهام في انماء الموسيقى العربية وفي فتح المحاولات المحتملة لها للإبداع. في هذه الظروف من التناقض، جاء كتاب شيرين المعلوف ليلقي الضوء على كثير من العناصر المكوّنة والمفصلية التي تتحكم بهذا الموضوع. وإضافة الى أهميته كعمل بحثي يضج بالتقصي والتحقق والتحليل والاستنتاج ووفرة المعلومات والرسوم، يتميز كتاب شيرين المعلوف بقيمتين مهمتين، متداخلتين ومتكاملتين بأسلوب علمي، تاريخية وعلمية. تتبلور قيمة الكتاب التاريخية بالإنجازات الآتية: انه يبعث الى النور صفحات تكاد تكون منسية من التاريخ القومي العربي، وبالتالي من تاريخ التراث الحضاري العربي. فتاريخ الموسيقى فصل مهم من تاريخ الأمم والشعوب ورقيها، وكان للعرب شأن مهم في هذا المجال، فكان لا بد من إيلاء بعث تاريخ الموسيقى العربية أولوية متقدمة لتكتمل أجزاء التاريخ الحضاري العام. وهذا ما حاولته الدكتورة المعلوف، انه دعوة للعودة الى الجذور لاكتشاف التراث والاستقواء به واستيحائه، وإكماله واستكمال الشخصية القومية لنبرز الى العالم بما لدينا من غنى فكري وروحي وثقافي، انه دعوة للتطلع الى المستقبل لنعد للأجيال القادمة ما لهم في ذمتنا من حق الإعداد في الثقافة والفن، لئلا يخرجوا الى العالم عزلاً من ميراث كان على الأباء ان يختزنوه لهم أو أن يهيئوه، إنه صرخة إنذار تنبه الى مخاطر عدم اعطاء الموسيقى القومية دورها في تكوين المجتمع، ووضع باللغة الانكليزية عمداً لتسهيل قراءته في العالم الغربي ويكون وسيلة لانتشار الفكر العربي بقلم أهله. ثم ترجم الى العربية. أما القيمة العلمية للكتاب فتختصر بما يأتي: الموضوعية وعمق التحليل والتجرد والأسلوب العلمي، وهذه الصفات، إضافة الى غيرها، تطبع الكتاب بالجدية والشمولية. ففي تناسق علمي مفصل تستعرض الكاتبة الأنظمة النغمية، والأجناس، والسلالم كما وردت في ست أطروحات مختارة وضعت بين القرن التاسع والقرن الثالث عشر. وتنتهي الكاتبة في بحثها بتحليل واضح يرسم نتائج علمية منطقية ومحددة.