في مطلع شهر تشرين الثاني نوفمبر من كل عام، وعلى مدى سنوات ثلاث، يواصل مهرجان العالم العربي في مونتريال حضوره وتجدده وتنوعه ليشكل حدثاً فنياً وتظاهرة ثقافية عربية يضافان الى موزاييك المجتمع الكيبيكي وفرادته في الشمال الاميركي. ويشتمل المهرجان على موسيقى وغناء واستعراضات شرقية راقصة واعمال مسرحية وسينمائية ومعارض للكتب والحرفيات وندوات فكرية وأدبية باللغات العربية والفرنسية والانكليزية. ويشارك في كل ذلك نخبة من الفنانين المحترفين والهواة ومن المثقفين المقيمين في ديار الانتشار جلهم من أصول عربية مشرقية ومغربية إضافة الى الوافدين العرب من أوطانهم الأم. واضافة الى كون المهرجان إطلالة واعدة على المجتمع الكيبيكي خصوصاً والكندي عموماً، فهو في شكله ومضمونه اضافة مشرقة ترفد نسيجه الثقافي وتثريه وتتعايش معه وتتواءم مع ما يقام فيه من مهرجانات عالمية إذ يبدو على مثالها تقليداً لحتفالياً سنوياً وملتقى حضارياً ومنتدى فكرياً لحوار الثقافات وتلاقح الافكار لا يفصل بينها اي من حواجز اللغة والدين والعرق والتاريخ والجغرافيا. والى ذلك يبقى لجريدة "المستقبل" تصدر في مونتريال والمركز الكندي للتبادل الثقافي بالتعاون مع وزارات كيبيكية ومؤسسات رسمية وفاعليات من الجاليات العربية، دور ريادي في اخراج المهرجان من رحم الفكرة والتصور الى حيز الفعل والواقع وإصرار الجميع على إنجاحه وديمومته وملء الفراغ الثقافي العربي المزمن على الساحتين الكيبيكية والاغترابية والتصدي لحملات التشهير والتشكيك والدعاوى العنصرية الرافضة لأي وجود عربي ثقافي او فني او فكري او سياسي او غيره خصوصاً بعد احداث 11 ايلول سبتمبر. وعلى رغم هذه الارهاصات يبقى المهرجان واحة من الحرية والديموقراطية يستظل بفيئهما ويلقيان بظلالهما على ارجائه وانشطته الأمر الذي يجعله مركز جذب واستقطاب لشرائح واسعة من ابناء المجتمع الكيبيكي سجلت المهرجانات السابقة نسبة في الحضور تجاوزت 35 في المئة من رواده. مسؤولون على اعلى المستويات يتناوبون على رئاسة الشرف فيه امثال رئيس الوزراء برنارد لاندري ورئيسة الجمعية الوطنية لويز هاريل، ووزراء ونواب وزعماء احزاب ورؤساء بلديات على اختلاف انتماءاتهم السياسية يتوافدون عليه ويدعمونه مادياً ومعنوياً ويعتزون بانجازاته وانفتاحه وجرأة ما يجرى فيه من افكار وحوارات هادفة، وزائرون من أصول عربية، مغاربة ومشارقة، وشرق اوسطيون ومن اثنيات متعددة، لكل منهم مقال او مقام، فعل او مشاركة او جولة ممتعة في رحاب الفن والثقافة والادب. ولا غرو اذاً ان يحظى المهرجان بمثل هذه المشاركة الحكومية الواسعة المتمثلة بالعديد من الوزارات، كوزارة الشؤون البلدية للمتروبول في كيبيك ووزارة التراث الكندي ووزارة الثقافات والاتصالات ووزارة العلاقات العالمية ووزارة العلاقات مع المواطن والهجرة اضافة الى مؤازرة دوائر البلديات في مونتريال ومؤسسة هيدرو كيبيك ومجلس الفنون في كندا ومجلس الفنون والآداب في كيبك ومؤسسات اعلامية كبرى منها جريدة "لودوفوار" وراديو "سي اي بي ال" وراديو "كلاسيك" وتلفزيون "تي في 5" ومحطة "ال بي سي" الفضائية. وغيرها من مؤسسات سياحية وتجارية وخدماتية . يتضمن المهرجان الذي تستمر برامجه من 3 الى 17 تشرين الثاني عروضاً فنية تشكل بمجملها لوحات يتكامل فيها الرقص والموسيقى والغناء والتمثيل وتعمدها ثقافة الهوية والانتماء بوجهيها الحضاري والانساني. عروض سينمائية تتألق فيها مجموعة من الممثلين المقيمين في العواصم العربية والاوروبية والاميركية والكندية أمثال بيار صيداني في فيلم "مثل رائحة النعناع" وميلاد طوق في فيلم "قرب السماء" نال جائزة أفضل فيلم ديني في مهرجان ميلانو عام 2001 وكارول منصور في فيلم "مئة بالمئة اسفلت" الذي يروي قصة ملايين الاطفال المشردين في شوارع القاهرة ونال جائزة مهرجان العالم العربي في باريس في تموز يوليو عام 2002، وليليان راهب في فيلم "قريب وبعيد" الذي يعيد الى الذاكرة العربية والانسانية استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي قتل في حضن ابيه، وخديجة السلامي في فيلم "جزيرة الرجل ذي القدم الذهبية" وآلان هيلير في فيلم "سورية ارض الحضارات". موسيقى وغناء تتعاقب على تأديتهما مجموعات فنية بعضها متخصص بمزج الالحان الشرقية والغربية كفرقة "ميتيساج" الذائعة الصيت في كيبيك والشمال الاميركي وبعضها الاخر كمجموعة الكبير هاليلي "فراندز اوف كاش" المشهورة بمزج الموسيقى العربية والايرانية والهندية وغيرها كفرقة "افراح وسلام" من أصل مغاربي التي تؤدي منوعات اندلسية راقصة. اما سيمون شاهين فهو الموسيقي الأبرز في المهرجان وله باع في العزف على العود والكمان واستعمال الجاز. وهناك عروض أبرزها لفرقة كركلا للفنون الشعبية الراقصة في آخر اعمالها المسرحية "الفا ليلة وليلة" وفرقة الأرز اللبنانية في اوتاوا في اوبريت "هالة والملك" للاخوين رحباني، ومسرحية "قطع وصل" للفنان رفيق علي احمد. وهناك صالون الثقافة الذي تفتتحه رئيسة السلطة التشريعية في مقاطعة كيبيك ويقدمه بيار بورك رئيس بلدية مونتريال السابق والناطق الرسمي باسم المهرجان. وهو في جوهره منتدى فكري او حلقة في ثقافة العولمة تتقاطع فيه الثقافات واللغات والاداب والشعر والنقد والفلسفة على اختلاف تياراتها ومذاهبها. وعلى رغم تعدد موضوعاته الا ان اهمها اثنين: جدلية العلاقة التاريخية بين الشرق والغرب واشكالية الهوية والانتماء العربيين. ويتناوب على الكلام ثلاثة عشر محاضراً، عرباً او من اصول عربية وكنديين من ابرزهم المفكر الاسلامي محمد اركون الذي يحضر خصيصاً للمشاركة وافتتاح المنتدى، استاذ في جامعة السوربون ، والاب الروحي لما يسمى "علم الاسلام التطبيقي"، وعمر اكتوف من منظمة "غروب ايمانيسم"، وميشال سيمور رئيس مجمع السيادة في كيبيك، وتيري هانش استاذ العلوم السياسية في جامعة كيبيك وباحث متخصص بعلاقة الشرق بالغرب، وزينة الطيبي، كاتبة وصحافية من مؤلفاتها "الفرنكوفونية وحوار الثقافات"، ونجوى بركات كاتبة وسيناريست، وفرانسوا عقل ناقد مسرحي ونيدا خوري كاتبة وشاعرة فلسطينية من مؤلفاتها "النهر الحافي" ترجم الى اللغة العبرية، وكمال بلاطة استاذ في جامعة جورج تاون وعلم من اعلام الخط العربي وله آثار معروضة في الكثير من المكتبات العالمية.