كان برترا دولانوييه رئيس بلدية باريس أكثر الحاضرين الغائبين في الدورة التاسعة ل"مغرب الكتب" التي نظمتها في اطار "عيد الكتب" جمعية "ضربة شمس"، وخصصت دورة هذه السنة للمغرب، بعد تونس التي كانت ضيفة الدورة السابقة، وستكون الجزائر البلد المغاربي الثالث الذي ستحتفي به هذه التظاهرة في اطار الاحتفال بسنة الجزائر 2003 في فرنسا. تتكون جمعية "ضربة شمس" التي أسست في العام 1985 من مثقفين وسياسيين وفنانين فرنسيين ولدوا في أحد البلدان المغاربية الثلاثة. والمعروف ان عدداً غير قليل من أولئك الذين عرفوا ب"الأقدام السود" ولدوا في الجزائر بحكم خصوصية الوطأة الاستعمارية الفرنسية، وتأكدت هذه الحقيقة في تظاهرة هذه السنة على رغم تخصيصها للمغرب، من خلال الحضور الطاغي واللافت للكتّاب الجزائريين المقيمين في بلدهم الأم أو أولئك الذين هاجروا الى باريس مرغمين وهاربين من جحيم الإرهاب. الجمهور الفرنسي والمغاربي الكبير الذي أقبل على بلدية باريس لمواكبة جديد الكتب التي تناول أصحابها مختلف القضايا المغاربية في السنوات العشر الأخيرة، لم يهضم الاجراء الأمني الصارم الذي أرغمه على الوقوف مطولاً في طابور طويل، قبل التعرض لتفتيش شديد بحجة أحد الاحتياطات اللازمة التي تسبب غيابها في الاعتداء الخطير على برترا دولانوبيه رئيس البلدية. عرف معرض "مغرب الكتب" في البداية طرافة تمثلت في وجود بعض الكتاب المغاربيين الذين استضيفوا لتوقيع كتبهم وسط الجمهور ومن أولئك هنري بويو صاحب كتاب "فيلا سوزينيه... التعذيب في الجزائر" وجيزيل حليمي المحامية الشهيرة المولودة في تونس هي الأخرى مؤلفة كتاب "محامية غير محترمة" ومليكة ماضي الروائية البلجيكية الجزائرية الأصل التي وجدت صعوبة كبيرة في العثور على مكان توقيع روايتها الواعدة "ليالي حبر من أجل فرح". وباستثناء الهفوات التنظيمية التي لا يبررها الاعتداء الذي تعرض له دولانوييه المحبوب في الأوساط الفكرية المغاربية أكثر من أي وقت مضى، يمكن القول ان تظاهرة "مغرب الكتب" نجحت في كل المقاييس وضيقت المسافات بين زهاء مئتي كاتب مغربيين وتونسيين وجزائريين وفرنسيين جاءوا أو بعثوا بمؤلفاتهم المختلفة لطرح أو عرض قضايا البلدان المغاربية الثلاثة وهمومها، ولكسر الأفكار المسبقة والكليشيهات المحيطة بعلاقة الماضي الاستعماري، عناوين كثيرة صبت في هذا المجرى وكان أصحابها البارزون بول بالطا وزوجته كلودين وعبداللطيف اللعبي والطاهر بكري وليلى صيار وأنور بن مالك ومالك شيل وزكية داود ورونيه غاليسو وحبيب طنغور وواسيني الأعرج وفؤاد العروي وعبدالوهاب المؤدب ومارغريت رولاند وفوزية زواري وبنجامين سطورا... وكان هذا الأخير نجم حفلة سلسلة التوقيعات التي برمجت للكتاب المعروفين، بحكم رواج كتبه التي تتناول تاريخ الجزائر المعاصر وتعالج الأزمة السياسية الجديدة المرادفة لسنوات الارهاب، ناهيك باهتمامه بتاريخ المغرب المعاصر خلال الأعوام الأخيرة مما استدعى اقامته في الرباط، المحامية الشهيرة جيزيل حليمي المعروفة بدفاعها عن المناضلة الجزائرية جميلة بوباشا خلال الثورة الجزائرية كانت هي الأخرى تحت الأضواء ولعب كتابها الأخير "محامية غير محترمة" الذي بيع بكثرة في باريس دوراً جديداً في تعميق مسار شهرتها في الأوساط النسائية المناضلة من أجل حقوق المرأة وحريتها ولم يكن اهتمام الجمهور المغاربي الذي طغى على الحضور العام أقل بالروائي البارز والمناضل اليساري المعروف عبداللطيف اللعبي وشارك عبداللطيف مع فؤاد العروي وجلال الحكماوي في الطاولة المستديرة التي خصصت للرواية المغربية. وعلاوة على هذا اللقاء... نظم المعرض ورشة كرّم من خلالها الشاعر المغربي الكبير محمد خير الدين وشارك فيها عبدالرحمن ننكول الاستاذ في جامعة فاس والكاتبة فاطمة شهيد وأوليفييه مونجا مدير مجلة "اسبري". والتقى عدد آخر من الكتاب في طاولات مستديرة تناولت "الأمهات في البحر المتوسط" ومفهوم الفرنسي - المغربي وواقع النساء في المغرب وتصفية المخيلات. وناقش هذه القضايا ريتا الخياط ووانا كابلان ووكامييه لاكوست ديجاردا وحميد سلمي وسعاد بلحداد وقادر عريف وزاهير كدادوش ومارك شاب ودنيا بوزار. الملاحظة العامة التي يمكن تسجيلها على الدورة التاسعة لمعرض "مغرب الكتب" هذه السنة طغيان الكتب السياسية والاجتماعية والثقافية والتاريخية التي تتناول بلدان المغرب الثلاثة في غياب ليبيا وموريتانيا المعزولتين، مما حز في قلوب الروائيين المعروفين والجدد على السواء. وبحسب الروائية البلجيكية الجزائرية الأصل مليكة ماضي فإن الجمهور الحاضر أقبل أكثر على الكتب التي تناولت الإسلام والإسلاميين والارهاب ولم يلتفت الى الروايات التي عالجت المواضيع نفسها. وأقبل الحاضرون فعلاً على هذه الكتب اللافتة بعناوينها المرادفة للإثارة. ومن هذه الكتب "قانون الله... وقانون الإنسان... حرية ومساواة ونساء في الإسلام" لليلى يباس و"اسلام الضواحي الصعبة" لدومينيك بوزار "والمتخيل العربي الإسلامي" للمحلل النفساني المعروف مالك شبل و"عنف وصدمات وذاكرة" لفضيلة شوتري ومجموعة من الكتّاب و"مئة رسالة للنساء الأفغانيات" لرونيه غيتو و"في سجون نزار" للياس لعريبي و"شبح الارهاب" لمنذر صفر وسواها... هذه الكتب التي تروج في باريس لأسباب تجارية كما تردد في المعرض لا تطمس أهمية عدد غير قليل من الكتب التثقيفية التي تتناول دول المغرب من زوايا تاريخية وأدبية وحضارية وهذه الكتب لا تخفي بدورها حنين اليهود الفرنسيين الى المغرب وتونسوالجزائر حيث ولدوا وعاشوا ولولاهم لما رأت جمعية "ضربة شمس" النور. هؤلاء اليهود اليساريون كان باستطاعتهم التنديد بشارون في تجمع ثقافي عربي وامازيغي وفرنسي مهم كما نددوا بالاستعمار الذي عرفته البلدان التي سقطت فيها رؤوسهم!!